الأربعاء , يناير 22 2025
الرئيسية / اراء / هدنة غزة.. النتائج والآثار!

هدنة غزة.. النتائج والآثار!

د.علي سبتي الحديثي*
كيف يستثمر أخوتنا أولي الأمر في فلسطين بتجرد وأيثار هدنة غزة ونتائج المعركة.
في كل معركة عبر التاريخ صغرت أم كبرت لها أوجه في النتائج والمخرجات بعد أن تسكت أصوات المدافع ويهدأ غبار المعركة، ففي كل معارك الدنيا منذ المعركة الأولى التي عرفها الأنسان بين هابيل وقابيل لم يسجل التاريخ ألا ما ندر نصر كامل الأركان، فمعظم الأحيان هنالك طرف منهزم وطرف منتصر، ولكن القاعدة العامة في معظم الأحوال أن الأنتصار والهزيمة كلاهما منقوص بالقياسات المتوسطة المدى وبعيدة المدى. وهكذا هي هدنة غزة التي نتأمل أن تنهي شهورا طويلة من المأساة والخراب الذي طال البشر والحجر، بين شعب مقاوم مسلح بتسليح بسيط وأيمان بقضيته وحقه، وبين معتد محتل غاشم مسلح بأحدث الأسلحة الفتاكة التي عرفتها الإنسانية ليومنا هذا. وعلى هذه المبادئ الساسية نتمنى على أخوتنا أصحاب الشأن والقرار الفلسطيني البناء الإيجابي والعملي المرن على نتائج المعركة خطوة بخطوة بقرار موحد غير فصائلي، وصولا لتحقيق السلام وأقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبنفس الوقت التمسك بالمسلمات الأساسية والبوصلة الوطنية لنجاح هذا الهدف والأنتباه لكل المشاريع الخبيثة المشبوهة التي بدأت تطرح، على سبيل المثال مشروع ترحيل جزء من سكان غزة الى أندنوسيا بشكل مؤقت لحين استكمال أعادة البناء.
فلسطين ليست قضية وطنية خاصة بأهل فلسطين، فهي قضية مقدسة وروحية وعقدية لكل عربي ومسلم على هذه الأرض، وهي قضية انسانية لكل المؤمنين بحرية الشعوب أمام العنصرية والقهر والاحتلال والظلم.. ولهذا فأن لكل عربي وكل مسلم حصة في هذه الأرض المقدسة ومن حقه أن يدلوا بدلوه ما دام يصب في صالح القضية. ولهم الحق في القول والفعل والرأي بما يسهم في دعم هذه القضية المقدسة، ولكن دون أن تتحول القضية غطاء لتسويق تجارة سياسية لمشاريع مشبوهة ذات طموحات قومية للهيمنة على المنطقة تحت عنوان فلسطين وشعارات القدس كما جرى منذ أكثر من أربعة عقود أقليمية دمرت المنطقة وأدخلتها في متاهات من الدمار والتضليل للبسطاء والمنتفعين والمغيبين والموهومين بفعل المبشرين بالأساطير والخرافات.
وأن ما قدمته في الفقرة أعلاه تمهيدا لوجهة نظري كمراقب ملتزم بمسلمات وجدتها واجبة للتنذكير فقط كونها الف باء لكل معني بالقضية ….
فبعد شهور طويلة من العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ، في أعقاب أحداث السابع من تشرين أول أكتوبر 2023 وما سمي بطوفان الأقصى ، توصلت الأطراف المتحاربة الى فرض هدنة بقرار أمريكي ترامبي بحسابات أمريكية لمرحلة جديدة ، رغم أن إسرائيل حاربت تحت ظل الخيمة الأمريكية السياسية والعسكرية طوال تلك الفترة العصيبة ، وهذه الهدنة معروفة بشروطها كما تتحدث عنها وسائل الأعلام بين إسرائيل وحماس ، واؤكد بين إسرائيل وحماس ليس بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية … ومع أن صوت نتنياهوا ما زال مرتفعا يلوح بالويل والثبور لحماس والعودة للحرب ، ألا أننا نأمل بأن الهدنة سوف تتحول الى وقف دائم لأطلاق النار( مهما كانت أرادة نتنياهوا ومن وراءه بن غفير وسموتريتش .. ) ، لحسابات وعوامل عديدة ، في مقدمتها حسابات الإدارة الأمريكية الجديدة ، وحسابات رئيسها ترامب السياسي والزعيم بعقل رجل الأعمال.
وهنا أود أن أركز على نقاط مهمة حتى لا يقزم أصحاب الرأي الحدث وحجم المأساة والدمار الذي أصاب القطاع وأجزاء من الضفة الغربية بمقارنات النصر والخسارة والحقل والبيدر …
ـ أولا: أن هذه المعركة بحجم النتائج الكارثية الهائلة لا تقاس بمقاييس النصر والهزيمة الذي درجت عليه المقاييس الرسمية العربية الهمشرية كما حدث في 1956 و1967 و1973 و1982 وفي معركة الخليج الثانية 1991 …وووووو وآخرها خطابات النصر لنعيم قاسم وخليل الحية …..
ـ ثانيا: أن هذه المعركة ليست ألا سلسلة من معارك لن تنتهي أبدا ألا بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وتأسيس دولته المستقلة وفقا للقرارات الدولية رغم ظلمها إبتداءا من قرار التقسيم عام 1947 الذي رفضته المنظومة العربية آنذاك وتتمناه اليوم الى القرار 242 لعام 1967م الى مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة بيروت عام 2002.
آخذين بالأعتبار أن المعركة في فلسطين ليست بين العرب وإسرائيل ، بل هي مع الغرب بأكمله، وبالتالي فأن على حماس والجهاد أدراك هذه الأمر والتعامل بواقعية دون أن ننكر أبدا الحقوق الكاملة لشعب فلسطين أو أن ننساها ، أننا في عالم يحتاج فيه صانع القرار الى الواقعية دون أن بفقد بوصلته أبدا ، وهنا أتذكر حديث أدلى به الأستاذ عبدالملك الياسين أحد أبرز السفراء في تاريخ الخارجية العراقية في مقابلة متلفزة له مع الإعلامي والمؤرخ العراقي الأستاذ الدكتور حميد عبدالله عن ذكرياته وشد انتباهي قوله (عندما تم تعينيه في مطلع الثمانينات سفيرا للعراق في لندن عندما كان الدكتور سعدون حمادي وزيرا للخارجية مع تولي الرئيس صدام قيادة الدولة -قال أن بريطانيا لم يزرها مسؤول عراقي رفيع المستوى رسميا وأن كلاهان وزير الخارجية البريطاني حينذاك قال له في أجتماع خاص في رسالة ضمنية واضحة للرئيس صدام حسين المعروف برؤيته المتشددة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، أن رؤية بريطانيا والغرب وموقفهما الثابت ، تتلخص في أن إسرائيل وجدت أو أنشأت من قبل الغرب لتبقى ، وعلى هذا المبدأ تستند علاقاتنا الدولية ونبني عليها بمعنى لا تربطوا بين سير علاقاتنا الثنائية وتطورها مع موقفنا الستراتيجي تجاه إسرائيل… وأعتقد هذه رسالة واضحة ليس لصدام حسين بل لجميع القادة العرب ، مازالت فاعلة لليوم وستبقى لفترة طويلة ما دامت موازين القوى الدولية ليست في صالح الأمة وهي اليوم بأسوء حالاتها ولاسيما بعد إحتلال العراق وأضعافها في كثير من ركائزها…… ).
ـ ثالثا: أن الجهاد ومقاومة الإحتلال بكل أشكاله بما في ذلك المقاومة المسلحة، حق مشروع لكل الشعوب المحتلة أوطانها وفقا للشرائع الدولية وميثاق الأمم المتحدة. ولكن الجهاد غير مقصور ابدا على الجهاد العسكري وتضحيات المقاومة برجالها ربما بمعارك تختل فيها موازين القوة، وهنا يكون الجهاد السياسي واجب ومكمل للمقاومة المسلحة بما يتلائم والقدرة الواقعية على تحقيق الهدف الوطني ولو كان على مراحل بمعنى خذ وطالب، ومن هذه النقطة أعتقد أن مما قدمته المقاومة الفلسطينية وأهل غزة من تضحيات عظيمة وصمود أسطوري خلال الأشهر الطويلة الماضية ، يتوجب اليوم إستثماره سياسيا والذهاب سريعا لتوافق فلسطيني فلسطيني لتوزيع الأدوار كخطوة أولى، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها المعترف بها دوليا للبدء بنشاط لا يهدأ حتى تحقيق هدف أقامة الدولة الفلسطينية الموحدة على المناطق المحررة من فلسطين والحصول على إعتراف دولي يثبت هذا الحق، مستثمرين العوامل الإيجابية التي أفرزتها تضحيات الشعب العربي الفلسطيني ، في أطول معركة على أمتداد الصراع العربي الفلسطيني . ومستثمرين زخم التعاطف والتفهم الدولي في كل بقاع الدنيا وفي مقدمته الغرب، الذي نتج عن همجية العدوان الإسرائيلي. على أن تكون القوة الناعمة العربية الصاعدة لدول الخليج العربي وخصوصا المملكة العربية ودولة الأمارات وقطر بثقلها الدولي والإقليمي أضافة لمصر بثقلها العربي المعروف، هي الحاضنة لهذا الحراك والجهاد السياسي. وهذا الأمر يحتاج الى أيثار بعيدا عن النزعة الفئوية، فدولة فلسطينية مستقلة فوق كل الأعتبارات، وأتمنى على قيادات حماس أن تكون واقعية وإيجابية وتستثمر الحدث لصالح القضية تحت خيمة سلطة واحدة قادرة على التحرك الدولي، فالمرحلة القادمة للبناء السياسي من أجل الهدف الأسمى لم يعد ميدانها وهذا لا ينقص من شأنها ولا يصادره ولا يجتثه، وأنما هو تبادل الأدوار في كل مرحلة حسب مقتضيات الحال وإشتراطات المرحلة.
والمستقبل يبشر بكل خير والنتائج بعيدة المدى لصالح القضية كبيرة وتستحق تضحيات الشهداء فالجزائر قدمت أكثر من مليون شهيد لتتحرر ، وفي معركة الدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية دفع العراق ما بين 1986 و1988 في معركة الفاو لوحدها، أكثر من خمسين ألف شهيد ، لطرد الغزاة الخمينيين وتطهير أرض الفاو من دنسهم ، ووفق هذه المقاييس الوطنية ، علينا أن لا نستكثر عدد الضحايا والشهداء لحجم قضية كبرى وعظيمة بحجم القضية الفلسيطينية .
لا أستطيع تقديم جرد بالنتائج الإيجابية البعيدة المدى لمعركة غزة مقابل كل الدمار الهائل ، ويكفيها أنها أحيت القضية بعد احتضارها لسنوات طويلة ، وإستفاق الجميع اليوم مدركين أن لا سلام في فلسطين والمنطقة دون منح الشعب العربي الفلسطيني لكامل حقوقه وفي مقدمتها تأسيس دولته المستقلة تحت علم واحد وسلطة شرعية وحيدة يجمع عليها شعب فلسطين ، حتى أنني انتبهت لتصريح وزير الخارجية الإمريكي ضمن المتغيرات قبل أيام يعلق على تمسك المتطرفين بأحلام ضم الضفة واستكمال استيطانها بالقول، أن ذلك لا يعدو كونه أوهام وأساطير، وهذا الكلام لا يصدر عن شخص عادي بل هو الوزير الذي قال في أول زيارة له لأسرائيل متضامنا بعد طوفان الأقصى مخاطبا نتنياهو لقد جئتكم متضامنا كيهودي وليس فقط وزيرخارجية الولايات المتحدة الإمريكية.
ولا شك أن ظهور جيل جديد من الشباب المتعلم في الغرب الراعي لإسرائيل، تضامن مع فلسطين في معركة غزة وتظاهر دعما لها في أعرق جامعات الغرب في الولايات المتحدة وأوروبا، سيكون له أبلغ الأثر الأيجابي على قرارات الغرب عندما يتولى هذا الجيل مهامه السياسية في السنوات القادمة، كل في بلده بحكم قانون التطور الزمني.
مزيدا من الصبر والصمود والتطور العلمي وتوحيد القرار والمؤسسات وسنشهد بأذن الله ولادة دولة فلسطين المستقبلية المتسلحة بالأيمان وبقدرات شبابها العلمية في العالم الرقمي وعلوم الفضاء والقنبلة البشرية السلمية التي تمتلكها وتتفوق فيها كثيرا على إسرائيل فلا تخشوا من السلام الذي يخشى من السلام هم قادة أسرائيل واليمين المتطرف بالذات.
*كاتب ودبلوماسي عراقي سابق

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كيف وصلنا لطوفان الأقصى؟

د. معن علي المقابلة* طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من تشرين الأول / أكتوبر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *