اليمن الحر الأخباري لسان حال حزب اليمن الحر ورابطه ابناء اليمن الحر
مقالات مشابهة
خالــد شــحام*
يا أيها المتفرجون ابتعدوا عنهــا كي لا تصابوا بالغصة قبل الطعام، يا أيها الآكلون من نعيمٍ والسابحون في الملذات تناثروا في الصمت واتركوها مع قصف الطائرات والخيام المحترقة والماء المالح ونحيب الأمهــات، يا أصحاب السعادة والنيافة لا تلتفتوا خلفكم واتركوها تختنق بدخانها بعيدا عنكم كي لا تؤرق مزاجكم او مؤتمراتكم أو تصريحاتكم السرية أو العلنية، يا وزراء الخارجية لا تخافوا ولا تخجلوا، أعلنوا أنها معادية للسامية ولا تتحرجوا من الدعاء بالعبرية، يا أيها المجرمون الساكنون في مستعمرات القوارض تفرقوا وانصرفوا عنها قليلا كي تتنفس الرمق الأخير لتتلوا وصيتها الأخيرة وتقدم مراثيها التي تليق بكم عندما يأتي موعد تجويعكم.
كم بلغ عدد الموتى في مدنك المصنوعة من حرير الأسماء؟ لقد مات اليوم خمسون جائعا ، استشهدوا صائمين قسرا ودخلوا بوابة الســماء مثل الهواء، لكن كم بلغ عدد الإصابات في بلاد العرب يا غزة حسب احصائياتك الدقيقة ؟ كم بلغت درجات الحرارة في جوف البراكين وكم يحتبس الزلزال من درجات ريختر لأجل ها العالم الفاجر العاهر؟
كم شهيدا مزقته رصاصات الأمريكان عند معتقل المساعدات؟ كم مسكينا قتلوا وكم حُلما حرقوا؟ لقد قتلوا منذ الفجر ثمانية وسبعين فلسطينيا في المحرقة، وقتلوا معهم شرف ملياري عربي ومسلم ومصير عشرين (دولة ) عربية ، لقد مات معهم ضمير كل زعماء هذا العالم وتهاوى ما يسمى القانون الدولي وكل مسرحيات القوة والجيوش الزائفة، لقد مات معهم شرف الجنرال وشرف جيشه وحرسه وعلمائه ورجال دينه المفصل على مقاسه، مات زعيم العالم الأكبر ومات ملوك الطوائف وشيوخ الخيمة البالية وبلغت الإصابات في صفوف الشعوب الملايين من الخاسرين والمؤهلين لجهنم.
كم طفلا زهقت روحه في رياحينك يا غزة؟ لقد مات عشرون طفلا جوعا، وعشرة بقذائف المدفعية وخمسون لم يعودوا الى منازلهم ولا يعرف لهم أثر، لكن مع هؤلاء رحلت الرجولة والشهامة والنخوة من شعوب العرب واستقرت في بلاد المراجيح والمهرجانات والتزلج فوق سراب الجزيرة الملعونة، وبلغ عدد الإصابات نصف مليون عربي فقدوا أعضاءهم الرجولية والانسانية.
كم بناية دمروا هذا اليوم في بلادك الرحبة يا غزة ؟ لقد دمروا عشر بنايات وهدموا خمس بيوت وقصفوا صوت البحر وخضرة النخيل ، لكن بمعية ذلك ذبلت ألف مدينة عربية وكتبت عليها اللعنة والسخط إلى يوم الدين .
كم عدد الفرحين بجوعك يا غزة ؟ كم عدد التريلونات التي دفعوها لكي يحرموك الحياة ؟ كم عدد الخطابات التي أرسلت لتسرع من تجويعك وانكسارك وتحطيم أهلك ؟ كم عدد المعونات التي أرسلت من الجزيرة إلى الحظيرة لكي تسرع في فناء مقاتليك ؟ كم عدد الذين رفعوا الكؤوس عندما سقط الأطفال في الشوارع وبكى الرجال من قسوة الحصار ؟ ما الذي يجيب عن تجويعك يا غزة يا كوكب النار ؟ ما هو الضمير الغائب الذي يجيب عن ضمير الأواني الفارغة الممدودة أو ضمير الطفلة التي تبكي بعدما فقدت طفولتها واستبدلته بصحن من الأرز أو العدس ؟.
لا أحد يعلم ماذا ستكتب سجلات التاريخ عنك بعد سنوات عشر ، وماذا ستكتب عن القبائل التي استبدلت رسالة محمد بمدن الملذات ويخت للرمال وساحة للتزلج على ماء المحيط ، لا أحد يعرف يا حبيبتي كم انت عالية فوق السحاب ولا ينالك بصر ولا يطالك كل الصغار والكفار ، لا أحد يا غزة يمكنه أن يكتب القصيدة التي تليق بك أو يقدم الكلمات التي تمنح عظمتك القدر اللائق .
فلنبارك لك يا بيبي مع السمين القذر والأشقر الجرذ هذا الانجاز العظيم في حياتكم ، نبارك لكم بصق البشرية عليكم وعلى ما تمثلونه ، هنيئا لكم الجناح الخاص في مزبلة الدنيا وآخرى في سعير الآخرة ، فلتفرحوا قليلا بجوع غزة وعليكم أن تخافوا كثيرا لأننا لا ننسى ولا نغفر ولا نسامح ، لقد فشلت الأنظمة العربية وأفشلت حشد شعوبها للقيام بعمل جبهة مضادة للكيان الصهيوني ، أفشلت أيضا أي نوع من التضامن واعتقلت وصادرت اية جهود لتوفير دعم مالي لعون أهل غزة ، أفشلت حتى حق التظاهر ورفع الصوت السلمي للوقوف البسيط مع مظلومية غزة ، افشلوا ايضا اية حملات مضادة للكيان الصهيوني وها هي هذه الانظمة تعمل اليوم على خنق الشعوب واغلاق المعابر التي لها حق السيادة عليها مما يؤكد شراكتها الكاملة في ابادة غزة ،لقد أسقط الحكم العربي اهليته لحكم هذه الشعوب وفقد كل مقومات القوة والاستمرار في المهزلة و حَقَّ العذاب وحق الحساب.
لقد تجاوز الكيان الصهيوني عتبة الجريمة الكونية بكل صيغها وانواعها ولم يترك بشاعة او حقارة او جريمة الا وفعلها بحق غزة من قتل وتدمير واعتداء على الطفولة والبراءة والقوانين التي عرفتها المدنية وها هو يقوم بجريمته الكبرى بحلة كاملة من منع الغذاء والماء والدواء وضرب كل اسس الحياة والبنية التحيتة لها ، لقد صار رأس هذا العدو مطلوبا ليس للعدالة الفلسطينية ولا العالمية ولا حتى البشرية فحسب ، بل ان رأسه مطلوب أولا للعدالة الالهية التي لا يضيع عندها شيء ولا احد.
لا تجزعي يا غزة ، لم تمت فقط انسانية هذا العالم ، لم يمت العرب وحدهم ، لقد مات العجم والعرب ومات القراء ومات الكتاب وغابت شمس الدنيا إلا عنك ، بقيت وحدك يا ملكة العالم .
في أسطورة الجوع وجدت غزة حبات الفاصولياء السحرية التي ألقاها العم سام ، فصعدت الشجرة ورأت حقيقة هذا العالم الموحش ثم قطفت من كل سحر وألقت في وجهه كل طعامه ، لم يعد يفرق صاروخ متفجر عن قذيفة ملقاة على الخيام عن كيس طحين أو حفنة معلبات ، فليشهد هذا التاريخ وليشهد الشهداء على وحشية جيش المخربين ، فليشهد العالم عليك يا غزة أنك جُوِعت وتهاوى رجالك في الطرقات موتا من ألم البطن ولكنهم لم يتخلوا عنك ولا عن المقاومة ولا عن الرسالة ، فليشهد التاريخ يا غزة أنك أشبعت كل الأمة كرامة ومجدا ورفضت الركوع ورفضت سلة الغذاء مقابل سلة الاستسلام .
*كاتب فلسطيني
