السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / الناتو العربي.. في انتظار البيان الاستراتيجي الأول

الناتو العربي.. في انتظار البيان الاستراتيجي الأول

مصطفى أمزير*
عاد الحديث عن “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” المعروف إعلاميا باسم “الناتو العربي” للبروز مجددا بعد قمتي شرم الشيخ والنقب؛ وهو المشروع الذي سوقته الولايات المتحدة الأمريكية بقوة في عهد ترامب وعقدت من أجله في أبريل 2020 اجتماعا عربيا-أمريكيا تحضيريا لإطلاقه ، بمشاركة رفيعة المستوى من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت وسلطنة عمان ودولة قطر والمملكة الأردنية الهاشمية، فيما اعتُبر في حينه ” خطوة مهمة ضمن خطوات إطلاق التحالف الذي يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم”. وقد تبلور هذا المشروع أكثر في قمة العلا المنعقدة في يناير من العام الماضي، حينما جر كوشنير دول مجلس التعاون الخليجي مرغمة ،رغم “خلافاتها البينية” ، إلى إصدار بيان نصَّ في بنديه السابع والتاسع على ما أسماه ” تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك ،وتطوير الشراكات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشتركة”، بين سطور البندين طبعا إشارات واضحة إلى المولود المنتظر “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” الذي أرغمت التطورات المحلية المتلاحقة في أمريكا ،المتداعية عن أزمة الانتخابات الرئاسية، إلى تأجيل الدفع في اتجاهه إلى حدود الأسابيع الأخيرة مع مستجدات الحرب الأوكرانية.. كان من اللافت للمتتبع السياسي أن يلحظ حركة غير عادية في منطقتنا في غضون الشهور القليلة الماضية، ابتدأت بمشهد عودة العلاقات إلى حالتها الطبيعية بين أنظمة اعتاد الإعلام تقديمها متنافرة (بين قطر والسعودية والإمارات ومصر وتركيا)، تبعتها زيارات بينية لزعماء ” الكيان الصهيوني والإمارات وتركيا”، قبل أن تختتم بلقاء مثير آخر بين “الأسد ” المحسوب على جبهة الممانعة و الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أحد متصدري سياسة التطبيع العلني مع “إسرائيل” .. ليختتم هذ العرض السوريالي النشيط بقمم استراتيجية علنية جرت في كل من شرم الشيخ والنقب تحت الرعاية المباشرة لأمريكا، ستتبعها في نهاية هذا الشهر زيارة أخرى ” مثيرة” لبلينكن إلى الجزائر قادما إليها من تل أبيب.
من الواضح أن المنطقة تعيش مخاضا سياسيا جادا من المرتقب أن يُعلن عن مولوده في غضون الأيام المقبلة، ولعل انتشاء الصهاينة المُعبَّر عنه في أكثر من تصريح سياسي عقب القمتين الأخيرتين، يوشي بأن المشروع أصبح جاهزا .. ولم تبق، على ما يبدو، إلا بعض التفاصيل الدقيقة لإنزاله على أرض الواقع، وفق السيناريو المحتمل التالي:
أولا: تسخين الجبهة مع إيران لإيجاد مسوغات لهذا التحالف العسكري القادم، ولا يُستبعد في هذا الإطار أن يُستثمَر في ” التهديد الذي أضحى تشكله جماعة الحوثي على أمن السعودية والمصالح الدولية” ،فتنفذ أعمال عسكرية أمريكية وصهيونية على أهداف داخل اليمن، ومن ثم نقل منطق المواجهة، إعلاميا، في الشرق الأوسط من الصراع ضد الوجود الصهيوني على الأرض المباركة فلسطين ، إلى صراع مذهبي ضد “الخطر الإيراني ” الذي ما فتئ الكيان الصهيوني يدعو دول المنطقة العربية و (الإسلامية) في أكثر من مناسبة إلى التكتل في جبهة واحدة بجانب الولايات المتحدة لصد ” عدوانه” .
ثانيا: الاستثمار في النجاح الرسمي الذي حققته سياسة التطبيع في بعض دول المنطقة، والتي روَّضت الشارع العربي بالتدريج لأن يقبل بالآتي؛ إذ لم يعد مشهد استقبال مجرمي الحرب الصهاينة في الرباط أو أبو ظبي أو مسقط أو أنقرة .. يثير اشمئزاز هذا الشارع ، ولم تعد التنظيمات الثورية المساندة للشعب الفلسطيني (ذات الطابع الإسلامي في عمومها) قادرة على لمِّ الناس في مظاهرات حاشدة كما كانت قبل سنوات خلت لإدانة التطبيع بالصوت العالي، بعد أن تم ” شرعنته” بزيارة قادة حماس للرباط بُعيد التوقيع على التعاون الصهيو مغربي مباشرة ، واعتبار هذا التعاون شأنا داخليا لا يعني نضالها في شيء، وبعد كذلك الحفاوة الصادمة التي استقبل بها أردوغان الرئيس الصهيوني في أنقرة. لذلك فالمشهد أصبح مهيئا الآن ، أمام هذا الانكسار النفسي العام، للانتقال بخطوات التطبيع من مجرد علاقات رسمية شاذة محدودة، إلى مشروع تجمع استراتيجي إقليمي عام، يسمح بإدماج الكيان الصهوني عسكريا وأمنيا بعد إدماجه اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ورياضيا، ككيان طبيعي في المنطقة. وهو المشروع الذي بدأ تنزيله عمليا على جرعات في الأردن وتركيا ثم المغرب .. بالشكل الذي نظّر له بيريز تماما في كتابه الشهير الشرق الأوسط الجديد.
وبناء على هذه المعطيات يُتوقع أن يتم تقسيم دول المنطقة من قبل المشرفين على هذا المشروع لإنجاحه، كما جرت العادة في أكثر من ملف سابق، إلى ثلاث فرق من المتعاونين، الأولى ستبادر في الأيام المقبلة بكل جرأة/ وقاحة إلى الإعلان الرسمي عن ميلاد هذا التكتل الإقليمي، وهي الإمارات ومصر والمغرب والبحرين. الدول التي خطت خطوات واسعة في علاقاتها مع ” إسرائيل”، لذلك لن يثير قرارها السياسي ذاك إن تم، في نظر المشرفين على المشروع، أي استغراب داخل الشارع العربي، ومن ثم سيكون النجاح في استيعاب ردة الفعل الأولى على الخطوة التأسيسية مضمونا، قبل أن تنضم دول الفريق الثاني من المتعاونين لاحقا لتثبيت التحالف كأمر واقع. يتعلق الأمر، ربما، بالأردن وسلطنة عمان والعراق والسعودية .. فيما سيقوم الفريق الثالث بتمثيل دور المُمانِع لاستقطاب الحركات الرافضة للمشروع، قصد تدجينها على الأمد المنظور، وتحويلها، شيئا فشيئا، إلى ظاهرة صوتية تنفيسية تناهض المشروع عبر القنوات الإعلامية والمؤتمرات الموجهة .. إلى أن يصيبها اليأس ويهمد حراكها مع الأيام كما يهمد جسد المذبوح، وتستسلم للواقع كما استسلمت لباقي مظاهر التطبيع، وتُسحب عنها أضواء تدريجيا حتى تنتهي بالنسيان .. ستقوم بهذه الأدوار الإسفنجة الدول القابضة بناصية ” الإسلاميين” خصوصا، من أمثال تركيا وقطر… وبهكذا سيناريو منتظر، ينتهي مع الزمن شيء اسمه تحرير فلسطين من أدمغة الناس بعد أن تصبح إسرائيل دولة طبيعية، وبعد أن يلجأ المتصهينون العرب فيما بعد إلى إصدار قوانين جنائية تجرم معاداة السامية (كمرادف لمعنى معاداة حق إسرائيل في الوجود)، ويجرم فعل دعم المقاومة، وتعدل مناهج التعليم لمحو الصراع الفلسطيني الصهيوني من ذاكرة الأجيال القادمة…
هذا هو البرنامج الاستراتيجي الذي يُخطط له في دوائر القرار وتدل عليه قرائن الحال، لكن يقينا أن بين الفكرة وتحققها الواقعي مسافة تضيق أو تتسع بضيق واتساع الوعي السياسي على الأهداف المبرمجة، وبحسب ردود الفعل المقاوِمة من الفاعلين في الأمة، الذين عليهم أن يبادروا اليوم قبل الغد إلى التحرر من فخ ” الأحضان الداعمة” التي هي أخطر من الوجوه العميلة المكشوفه .
*كاتب مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …