سميرة بيطام*
مما لا شك فيه أن العالم يتغير نحو رسم خريطة عالمية جديدة تطغى عليها ثنائية القطبية أو متعددة الأقطاب كما يسميها الكثيرون من المحللين السياسيين وخبراء الطاقة والاقتصاد ، في زمن يخفت فيه صوت التفاوض ويعلو فيه صوت المدفعية وتموجات متحورات الفايروسات التي لا تنكف تستمر في الانتشار عبر العالم، وعلى النقيض من مصطلح العالمية تعكف دول فتية في النمو لتتموقع وتحتل لها مكانا يسمح لها بحفظ ماء الوجه من الرهانات التي باتت تفرض نفسها بالقوة وعلى جميع الدول تسطير رزنامة سياسة وديبلوماسية لاحتواء هذا الطارئ من التحولات الجيوسياسية.
في ظل كل ذلك، تعول بعض الدول على ترسانتها الحربية والتقنية السلاحية والبعض الآخر يعول على ورقة الغاز والبترول، والبعض الآخر يتجاهل عمدا المرجعية المحمدية التي انتصرت بلا هذا ولا ذاك ،فقط باستعمال ميكانيزمات دفاعية جنبتها الانهزامية وأمدتها بروح التفاؤل مجددا لخوض المزيد من الغزوات وقتها وعلى فترات زمنية متباعدة ، شتان بين عصر يعج بالضجيج والصخب وهواجس الانهزام وشتان بين عصر كان رواده في ثقة أن النصر حليفهم الا ما كان منهم منفلت بسبب بعض الهفوات التي لم تكن مقصودة مثل ما حدث في غزوة أحد حين ترك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أماكنهم وانشغلوا بجمع الغنائم، ويعيد هذا المشهد لأذهاننا المراوغة الحربية من الملاحظة المجردة للمعطيات الى التساؤل عما اذا كانت أنظمة بعض الدول العربية ستستأنس بالاستراتيجية المحمدية في شن الحروب وتجاوزها بأقل الخسائر.
في كتابه العبقرية العسكرية يذكر محمد فرج أن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت دفاعية ولم تكن هجومية موضحا في ذلك النتائج المستخلصة من غزوة بدر وهي:
*أهمية القضاء على قوة العدو الاقتصادية، لأن في ذلك القضاء على القوة العسكرية، وكان هدف الرسول القضاء على تجارة وقوافل قريش.
*الشورى مهمة وقت الحرب، فالقائد البارع يجيد استشارة من يحيطون به من أتباعه لمعرفة الخطة الصحيحة للنصر.
*التركيز على المعنويات لأنها عامل مهم للنصر برغم قلة عدد المحاربين في تلك الغزوة.
*تنظيم أعمال الجواسيس واختيار الأصلح منهم لأنها مهمة دقيقة وحساسة ومهمة.
*السرية التامة خلال العمليات .
*معاملة القتلى من الأعداء، حيث جمع قتلى قريش ودفنهم في القليب وهذا مبدأ انساني كريم.
*الروح السمحة في الحرب.
هذه ملامح من نتائج غزوة أعطى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجا في التعامل فما بالك بتعاملاته وقت السلم، لنطرح سؤالا مباشرا بعد هذا السرد :
هل مسلمو هذا الزمن يرجحون الكفة للاستئناس بالدين الإسلامي قيما وسلوكا ومعاملات في خضم من يعيشه العالم من تحولات بسبب الحرب وظهور الأوبئة والأزمات التي تلوح عن بعد بأزمة الغذاء وأزمة الأمن القومي متمثلة في تهديد الدول على حواف حدودها؟.
قد يصبح هذا الاستئناس ضرورة ملحة تفرض نفسها دون اللجوء اليها اختيارا ،فاذا تفحصنا الآيات الكريمة مصداقا لقوله تعالى:” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ،ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” الآية102- 104 من سورة آل عمران، نستشف أمر الله في الوحدة والتلاحم ليشتد الساعد ويتقوى لمواجهة الصعب والخطر، ثم اقترن هذا الطلب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الأمر الذي نلاحظ تبدد معانيه في زمن لا يشجع أهله على هذه الخصلة النبيلة لما فيها من درء للأضرار واسناد كفة الحق لميزانها المعتدل من التساوي في الحقوق.
لا شك أن غلبة بعض القوى التي تطمح لأن تنتصر دون مراقبة منها لعوامل النصر لهو تسويف لقضية العدول عن الخطأ، وعليه قد تصبح قضية الاستئناس لدى البعض مجرد فرضية لا تؤتي ثمارها لأن ما اقترن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتناسب وعولمة العصر تحت غطاء التقدم و الانتصار بأي ثمن، مخطىء من يعتقد ذلك ، فما أقره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صالح لكل زمان ومكان وما التخلي عن الاستئناس بالدين الإسلامي في نصرة القضايا المهمة الا نكران لما تضمنه هذا الدين من نصوص صحيحة لتحقيق النصر بكل أبعاده وشمائله.
ستصبح الأمة العربية أمام تحد صعب ان لم تستدرك معاني الاستئناس بالدين الإسلامي لتضمن بقائها وديمومة الخلافة على النحو الذي يرضاه رب العباد وليس على النحو الذي تطمع وتطمح اليه نفوس تريد النصر، ولا نعرف ان ما كان كفة الاستئناس متداول في أجندتها.
لنترك النموذج الجزائري في هذه المسألة لقادم الأيام ولاشك أن الاستئناس سيكون واردا لا محالة، ليس دفاعا منا على خطة معتمدة لقيادة بلدنا ولكن ثقة في عقولها التي تبرمج بتأن مشروع الوفاء للمبدأ ولقيم ثورة نوفمبر وللعبر المستخلصة من الأخطاء التي ارتكبت في مواقف وقضايا سابقة أعطت الدروس والعبر، وبالتالي لن يكون تكرار الخطأ وارد وان حدث فهو لن يكون الا مجرد زلة فكرة استدرجته محض صدفة ودونته هندسة خطة..والأيام حبلى بالأجوبة ، لذلك سنترك لها حصتها من البيان لما شككته بعض عقول آخر الزمان ،لكن حتما ستصححه ساحة الصراع التي ستكون حبلى بالمفاجآت.
*كاتبة جزائرية
اليمن الحر الأخباري لسان حال حزب اليمن الحر ورابطه ابناء اليمن الحر