الجمعة , أبريل 19 2024
الرئيسية / اراء / زيارة ماكرون الباهتة للجزائر!

زيارة ماكرون الباهتة للجزائر!

وجيدة حافي*
شخصيا لم أكن سعيدة بزيارة الرئيس الفرنسي للجزائر، فهي لم ولن تُقدم شيئا مادام الفرنسيون مازالوا يُصرون على الإنكار ويرفضون الإعتذار، وفوق هذا يتدخلون في كل شيء يخصنا بطريقة وأُخرى، لدرجة أن بعضهم طالب بتغيير مقاطع من النشيد الجزائري الذي يتحدث عن فرنسا الهمجية والظالمة، فمن وجهة نظرهم هذا حدث مع جنرالات ورؤساء سابقين، لا مع الدولة الفرنسية الحديثة، ولذا لابد من طي الصفحة وبداية عهد جديد كما فعل الألمان معهم والفيتنام مع أمريكا، لكن نحن الجزائريون لا ننسى بسهولة، وليس سهلا أن نبدأ صفحة مع من كان السبب في تخلفنا دون كلمة آسف، التي على ما يبدو أنها ثقيلة اللفظ على الفرنسيين الذين يُراوغون ويُجربون كل الطُرق للهروب من الحقيقة التي تقول أن فرنسا الإستعمارية أخطأت في حقنا كشعب ودولة، قتلت أبنائنا وإغتصبت نسائنا ويتمت أولادنا، والقرار هنا لا يخص الرئيس والحكومة فقط، بل هو شعبي وبإمتياز، والرئيس تبون ليس غبيا لكي يُقدم على قرارات إٍرتجالية في وقت كهذا، فهو في نهاية المطاف جزائري وينتمي إلى هذا البلد الذي ضحى من أجله الأباء والأجداد، لذا فمن الأحسن لماكرون أن يجتهد أكثر لإقناع نفسه ومُعارضيه بالإعتذار المعنوي والمادي للجزائريين، فالتاريخ كان وسيبقى الحلقة العالقة بيننا، وأي تهاون في مُعالجة ملف الذاكرة ستكون نتيجته سلبية وملف ستورا خير دليل على فشل الفرنسيين في هذا الموضوع الذي لا يُريدون التقدم فيه، فإحالة الملف للجنة مُشتركة هو في حد ذاته تماطل ورفض غير مُباشر لمُعالجة الأمر بجدية من الطرف الفرنسي، فالجنة المُشتركة ستقتل الموضوع، ولن نصل لحل، لأن وجهات النظر تختلف، والجزائر لن تترك شيئا دون المرور عليه، ستجرم فرنسا من 1830 حتى 1962 وهذا ما سيرفضه الفرنسيون، فنحن نُريد تجريم ماضي فرنسا، وهي ترفض ذلك، لذا فزاوية الإنفراج كبيرة جدا للبلدين في موضوع الذاكرة والتاريخ،فجرائمكم لن تسقط بالتقادم، ولن يتم تجاوز الأمر بسهولة من بلد المليون والنصف مليون شهيد، وهذا الرقم حسب بعض المؤرخين ليس دقيقا، لأن بلدنا فقد أكثر من مليون ونصف في كفاحه ضد المُستعمر الغاشم. فالإختيار بين الكبرياء والتوبة صعب جدا يا ماكرون، لذا لابد من موازنة الأُمور وعدم التفوه بكلام لا يليق بالجزائر شعبا وحكومة إذا ما أردتم التحرك إلى الأمام، فشكك بعدم وجود أُمة جزائرية قبل الإستعمار خطأ فادح، ردت عليه السلطات بمنع طائراتكم العسكرية من التحليق فوق أٍراضينا، وعقوبات أُخرى تسببت في شلكم وخاصة من الجانب الإقتصادي، وحتى إعتذاركم لم يُضف شيئا لنا، بالعكس حنقنا وغضبنا زاد وإتسع، فأبعد كل هذا لم تقتنعوا أننا لا ننسى بسهولة ولا نمر على زلات اللسان مرور الكرام، فكرامتنا وحريتنا أهم بكثير من أي علاقة تربطنا بكم.
أما عن الزيارة التي دامث ثلاثة أيام، فهي دون شك تحمل الطابع الإقتصادي وخاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم أجمع وأُوروبا، وبإعتبار فرنسا رئيسة للإتحاد الأوروبي، فضرب عصفورين بحجر واحد كان من بين أهداف الزيارة، إنقاذ أوروبا من البرد والإحتجاجات بسبب الحرب الأوكرانية وتعنت القارة العجوز وموقفها السلبي الذي تسبب ومازال يتسبب في مشاكل إقتصادية وإجتماعية لمواطنيها، وحماية الشعب الفرنسي وفرنسا من الغلاء وتجنب التصادم مع السترات الصفراء التي تُجهز نفسها لمواجهة حقيقية مع ماكرون وسياسته الإجتماعية والإقتصادية المُرهقة، أما باقي الإتفاقات فجاءت لتغطية السبب الحقيقي وراء الزيارة، فماكرون يعرف كم أصبحت الجزائر مطلوبة بكثرة في مجال الطاقة من قبل جيرانه في الإتحاد(إيطاليا وإسبانيا)، لذا قرر هو الآخر حماية مصالح بلده وبناء شراكة جديدة معنا تقوم على الربح المتبادل ومبدأ واحدة بواحدة، ويعرف كم أصبحت الجزائر قوة إقليمية ولها وزن في إفريقيا، لهذا لم يُفوت الفرصة وجاء جاريا لتصليح الأمور قبل فوات الأوان، فهو لا يُريد أن تضيع مُستعمراته القديمة من بين يديه وتذهب لمُنافسيه ونقصد هنا أمريكا والصين ،تركيا وروسيا، لذا قال مقولته ” نحن إنسحبنا من مالي وليس من المنطقة” من هذه القارة السوداء الغنية بالثروات والفقيرة بالعقول والذهنيات والأنظمة الضعيفة التي ترضى بالفُتات وتخون عند أول فُرصة.
زيارة باهتة لم تُضف شيئا للمشهد وللعلاقات بيننا التي تبقى رهينة الماضي الأسود لفافا في بلادنا، فوهران مدينة عريقة إشتهرت بشخصيات تركت بصمتها في الفن والكفاح، كالقدير الفنان ” أحمد وهبي” مدينة ينتمي إليها أول من أُعدم بالمقصلة الشهيد “أحمد زبانة” وتملك مُثقفين ورجال لهم باع في الثقافة بمختلف تخصصاتها، ولا أدري لماذا إختار “ماكرون” ذلك الديسكو وشُلة الفنانين؟ فالحديث إلى مُثقفي المدينة ومؤرخيها كذلك سيجلب الفائدة ويُساهم في فهم التاريخ وإزالة كل النقاط الغامضة، وأرجوا أن لا يُترجم كلامي كإنقاص من قيمة الثقافة التي نتميز بها والتي فضلها ماكرون على غيرها.
فزيارة ماكرون للجزائر على ما يبدو أنها لم تكن ناجحة مائة بالمائة، وتخللتها الكثير من العراقيل، زيارة جاءت مُتأخرة لأن بلدنا حسم الأمر وإختار شُركائه الجدد في مجالات عدة، وما راقني هو حديث الرئيس بالعربية وحديث شبابنا وأصحاب المشاريع بالعربية والإنجليزية، وكل هذه رسائل مُبطنة لفرنسا الإستعمارية، ولكن هذا لا يمنع من بناء علاقات معها، خصوصا أننا نملك أكبر جارية في فرنسا، والقانون لا يمنع من إقامة علاقات ودية مبدأها رابح رابح، وواحدة بواحدة، إيه نعم نكره فرنسا، لكن مصالح البلد توضع جانبا وخاصة في هذه الأزمة، العقل يقول نعم للشراكة والإزدهار الإقتصادي بشروط تخدم البلد، فالعلاقة بين الجزائر وفرنسا ليست علاقة حب، فالحب يا سيدي من طرف واحد لا يُعتبر، ولا أظن أن الجزائريين بمختلف أجناسهم وثقافاتهم يُحبون الفرنسيين والعكس صحيح، رُبما نُطلق عليها علاقة مصلحة، بإعتبار أن كل واحد بحاجة للآخر في شيء مُعين، وهذا يسري على كل الدُول الغنية والفقيرة، وليس جرما يُعاقب عليه القانون الدُولي.
*كاتبة جزائرية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

القدس عروس عروبتكم!!

عدنان نصار* رحم الله الشاعر العراقي العربي مظفر النواب.. كنت على موعد مسبق معه، واتفقنا …