د. ايمان شويخ*
بعدما مُنيت روسيا بهزيمة جزئية في منطقة خاركيف الشماليّة الشرقيّة إثر هُجومٍ مُضاد من القوّات الأوكرانيّة بدَعمٍ أمريكيّ، وهي الأولى منذ بدء الحرب في شباط الماضي، واعتراف الولايات المتحدة بدعمها لهذه القوات بأسلحة بمليارات الدولارات، تتجه الأنظار إلى رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن التعبئة العامة الجزئية وهي أول تعبئة في روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وإن كانت تعبئة جزئية. وبمقتضى هذا القرار، سوف يستدعى نحو 300 ألف مقاتل إضافي من الاحتياط ممن لديهم خبرة سابقة في حمل السلاح. ما يرفع عدد القوات الروسية المشاركة في الحرب الأوكرانية إلى نحو نصف مليون.
ad
وأكد بوتين أنه سيستخدم كل الوسائل المتاحة للدفاع عن النفس، ملمحاً إلى استعداده لإستخدام السلاح النووي, مافُهم بأنه إعلان صريح لحرب عالمية نووية ثالثة.
لكن تلويح بوتين بالسلاح النووي يُعتبر تهديداً بالأسلحة النووية التكتيكية الصغيرة، وليس بالقنابل النووية الكبيرة التقليدية. فهذه الأسلحة التكتيكية يبقى أثرها محدوداً في محيط المنطقة التي تستخدم فيها، وهي للردع النووي، وليس للدمار الشامل الذي تحدثه القنابل النووية التقليدية. ويقول الخبراء أن روسيا تملك آلافاً منها في ترسانتها.
على أية حال فإن استخدام مثل هذه الأسلحة سيعني كسر محظور في الحروب منذ آخر مرة استخدمت فيها الأسلحة النووية في هيروشيما وناغازاكي قبل 77 عاماً، كما أنه يرفع التهديد باحتمال انفلات الأمور وتطور الحرب الأوكرانية من حرب بالوكالة بين روسيا والغرب إلى حرب مباشرة وواسعة قد تشمل العالم كله.
ويُقرأ من ذلك، أن استِجداء الرئيس الأمريكي جو بايدن للرئيس الروسي بعدم استِخدام أسلحة نوويّة تكتيكيّة قد سقط سقوطًا مدويًا، فكيف ستنقذ أمريكا التي تقود الحرب دون أن تغامر بقواتها العسكرية، كيف ستنقذ الموقف بما يحفظ ماء وجه بايدن، وبما يجنّب أوروبا والغرب حرباً نووية عالمية لن يسلم منها أحد.
لكن يبدو أن أمريكا التي خذلت كثيرين وثقوا بها، وأخفقت في منع آخرين لم يثقوا بها من تحقيق انتصاراتهم، يبدو أنها تجد نفسها اليوم على مفترق طريق قد يكون النووي نهايته وربما نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في العالم.
وإذا استعرضنا عدداً من الوقائع سيتمكن القارىء من الوثوق ولو جزئياً بما نقول (أي دلائل نهاية الهيمنة الأمريكية)
أخفقت أمريكا جزئياً في أن تُبقي يدها فوق كل يد في العمليات العسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد في أفغانستان والعراق وكان الانسحاب من أفغانستان في 15 آب/أغسطس 2021، ومن العراق في نهاية 2021
تنازلت واشنطن عن المبادرة، لموسكو وطهران وأنقرة، في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، في سوريا واليمن وكذلك في ليبيا بشمال إفريقيا؛
فشلت الولايات المتحدة في منع الصين من تعزيز قوتها، وتأكيد هيمنتها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وتوسيع نفوذها من خلال مبادرة الحزام والطريق الاقتصادية؛
ردت الولايات المتحدة بشكل ضعيف على روسيا، في أحداث العام 2008 في جورجيا و2014 في أوكرانيا؛
فشلت واشنطن في ثني حلفائها عن التعاون مع خصومها.
كل ذلك وغيرها الكثير علامات على أن العالم أحادي القطب بقيادة أمريكا يقترب من نهايته.
وعليه فإن شكل العالم الجديد لا يزال غامضًا ولا يمكن لأحد التنبؤ به إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، لكن يُخشى أن تكون هذه الحرب نووية وتُخفي كل المعالم وتخلط الحابل بالنابل والحدود بالحدود، وإذا كان البعض يعتبر أن الصين يمكن أن تصبح القوة المهيمنة التالية، فإن آخرين يعتبرون أنه من غير الممكن، والبعض الآخر مقتنع بأن العالم سوف يصبح ثنائي القطب مرة أخرى، بمركزين في بكين وواشنطن.
ولكن، في هذه الحالة، قد تكون هناك قوة ثالثة قادرة على تحقيق التوازن بين الصين والولايات المتحدة، فهل ستكون روسيا؟
على أية حال فإن الأسبوع المقبل سيكون إما عتبة انتصار روسيا مجدداً أو عتبة حرب نووية. وبناءً على النتائج تأخذ روسيا دورها الإقليمي، فإذا نفذت تهديداتها بالنووي هل ستبعد أمريكا من درب الهيمنة؟ فلننتظر
*صحافية واستاذة جامعية
شاهد أيضاً
بعد غزّة الحياة تتغيّر!
د.سناء أبو شرار* بعد غزة الحياة تتغير، ليس لأهل غزة فقط بل للبشرية جمعاء, غزة …