السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / فساد الانسان أكثر خطرا من الزلازل!

فساد الانسان أكثر خطرا من الزلازل!

د.طارق ليساوي*
مقياس ريختر لا يعد المقياس الوحيد لحجم الزلزال ودرجة خطورته، هناك عوامل أخرى أهم و أخطر..” بنقاش فلسفي بين فلاسفة الأنوار يحاول من خلاله كل طرف تحديد المسؤوليات في مواجهة الكوارث الطبيعية بمعنى من المسؤول عن حجم الدمار و كلفته البشرية والمادية؟ فعلاقة بوقوع الزلازل و ما يصاحبها من كوارث في الأرواح والأموال، نجد ان هناك عوامل أخرى بشرية المنشأ تساعد في توسيع او تقليص من حجم الخسائر والأضرار، مثل الكثافة السكانية في المنطقة وطبيعة التربة وعلو البنايات، وطبيعة البنايات هل تم الأخذ بعين الاعتبار المخاطر البيئية المستقبلية منذ لحظة الإنشاء وإعطاء رخص البناء…
فيد البشر التي عمرت وأذنت بتعمير منطقة هشة جيولوجيا هي المسؤولة عن حجم الدمار أكثر من الدمار نفسه.. ولتوضيح ذلك سنحاول كشف مدى مسؤولية يد البشر في جعل كلفة الدمار أكبر وأخطر ..
أولا- الوسائل التقنية المتاحة للحد والتحكم في حجم الخسائر البشرية والمالية المترتبة عن الزلازل :
خلال زلزال هانشين الذي ضرب اليابان عام 1995، قتل نحو 6000 آلاف شخص في المدينة الصناعية الساحلية وما حولها، لكن مبنى واحدا في المدينة لم يتأثر بالزلزال العنيف.. ومالك المبنى، شركة إنشاءات هندسية يابانية، جعلت أساساته من المطاط الخاص، في نسخة، تجريبية وقتها، من تقنية بناء تسمى “تقنية عزل القاعدة”. إذ قام مهندسون ومتخصصون في علم الزلازل بعزل قاعدة المباني لحمايتها أثناء هزة أرضية قوية.
و تعتمد تقنية أساسات الرفع على فصل البنية التحتية للمبنى من البنية العلوية، ويتضمن النظام العائم فوق القاعدة دعامات مكونة أساسا من الرصاص المطاطي تحتوي على نواة رصاص صلبة ملفوفة في طبقات متبادلة من المطاط والصلب. تقوم اللوحات المكونة من الصلب بربط الدعامات بالمبنى وقاعدته السفلى، وفي حالة حدوث زلزال يمكن للبناية أن تتحرك وتميل دون وقوع تصدع الحيطان أو تدمير الأساسات.
و اليوم اليابان تستخدم هذه التقنية في أغلب بناياتها الحديثة، بينما زُودت آلاف المباني الأخرى بأجهزة امتصاص الصدمات، التي يمكن أن تقلل بشكل كبير من الأضرار وتمنع الانهيار..كما أن دولا أخرى، مثل تشيلي والصين وإيطاليا والمكسيك وبيرو وتركيا ودول أخرى معرضة للزلازل، تبنت هذه التقنيات بدرجات متفاوتة.
وتسبب الزلازل خسائر بشرية كبيرة، كما أن خسائرها المادية هائلة أيضا، ويمكن أن يؤدي تعزيز المباني إلى تقليل كلا النوعين من الخسائر، ولمواجهة خطر الزلازل تم ابتكار تقنيات جديدة بجانب تقنية أساسات الرفع ، للحد من مخاطر الزلال و من ذلك:
تقنية الأساسات المعزولة: التي اعتمدتها اليابان تحاول تخفيف الصدمة ، فالمباني التقليدية تهتز مع الأرض أثناء حدوث زلزال، ما يعني أنها قد تتعرض لأضرار هيكلية، ولكنها مصممة للبقاء واقفة وعدم الانهيار، وكلما كان الزلزال أقوى كلما تحرك المبنى استجابة لذلك.
تقنية المثبط الكتلي TMD: تستخدم هذه التقنية كتلة ثقيلة متأرجحة مصنوعة في الغالب من الصلب و تعمل كبندول مركزي مصمم للتأرجح عكس الانحناء الذي يسببه الزلزال في المباني لمعادلة تأثير الهزة الأرضية..وفي بعض الأحيان تكون الكتلة مصممة من خلال سائل يتحرك بنفس طريقة البندول لعكس التأثير الذي يسببه الزلزال، وبحسب موقع Re thinking the future فإن مبنى تايبيه 101 في تايوان مصمم وفق هذه الطريقة، بالإضافة إلى مبنى برج خليفة في الإمارات.
تقنية الجسر المركزي: يربط جسر منزلق مصمم لامتصاص الصدمات مبنيين عاليي الطول عادة.وصمم برج بتروناس التوأم في ماليزيا الذي أنجز عام 1999 بهذه الطريقة، وهو أطول برج توأم في العالم على ارتفاع يبلغ 452 مترا.
ومن الاليات التقنية الأخرى التي إقترحها خبراء الهندسة المعمارية و تشييد المباني لمقاومة الزلازل، تعزيز الأساسات و تعديل مواد البناء باعتماد مواد لينة، ذلك أن المواد ذات الليونة العالية يمكنها امتصاص كميات كبيرة من الطاقة دون أن تتحطم..ويعتبر البناء بالطوب والخرسانة من المواد منخفضة الليونة، لكن مواد مثل الفولاذ المعدل والخرسانة المسلحة بشكل مبتكر بالألياف يمكن أن توفر ليونة مشابهة…
ثانيا- الزلزال و الكوارث الطبيعة أقل ضررا بالإنسان والعمران من خطر تفشي الفساد بقطاع العقار والتعمير
ومن خلال هذا الجرد التقني يمكن القول أن العقل البشري قادر على إبداع حلول عملية لمواجهة الزلازل والحد من خطرها المدمر.. لكن بالعودة إلى بلداننا العربية سنجد الوضع مغاير تماما، فهناك فوضى في قطاع البناء والتعمير، وضعف في اليات المراقبة القبلية والبعدية، وسيادة الفساد في منح التراخيص الخاصة بالبناء ، وإذا عدنا لتقصي منابع الفساد ومراتعه ، سوف نجد أن الفساد في المغرب وأغلب البلدان العربية -بل ومعظم البلدان التي تفتقد للحكم الصالح- يتغدى من مصدرين أساسين:
المصدر الأول هو العقار والتعمير ورخصه واستثناءاته، وأراضي الدولة التي تفوت إلى هذا وليس ذاك، وبهذا الثمن وليس بذاك..و يكفي التقدم بطلب الحصول على رخصة بناء بيت أو بناء مجمع سكني ، لتكتشف حجم الفساد المنظم والمهيكل، وتعدد المتدخلين .. أما المصدر الثاني هو الصفقات العمومية، حيث تشتغل الأصابع الذكية لإرساء الصفقات على شركات معينة دون أخرى، وهنا ابتكر الفساد وحزبه ومليشياته تقنيات كثيرة تلتف على النصوص القانونية، وتضرب مبدأ المنافسة الشريفة، وتجني المليارات من وراء الصفقات العمومية فالدولة هي أول مستثمر في المغرب، وتصل ميزانية الاستثمار العامة إلى أكثر من 180 مليار درهم سنويا، أي حوالي 20 مليار دولار، ولنا أن نتخيل حجم الأرباح لو أن كل صفقة جنى منها حزب الفساد ما بين 10 و20 في المائة فقط..
وسنحاول في هذا المقال التركيز على الفساد المستشري في قطاع العقار و التعمير ورخصه واستثناءاته أما موضوع الصفقات العمومية فقد نعود له في مناسبة لا حقة إن شاء الله تعالى، فقد سبق لكاتب المقال ان شارك بصفته الأكاديمية والإعلامية، في ندوة علمية حول موضوع “مكافحة الفساد على المستوى المحلي”، عقدت يوم الجمعة 10 غشت 2018 بمقر وزارة الثقافة والاتصال بالرباط، بمقر وزارة الثقافة والاتصال “غرفة باحنيني،” وبدعم من مفوضية الاتحاد الأوروبي والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وترانسبرانسي المغرب.
وحضر افتتاح الندوة وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة السيد “عبد الأحد الفاسي الفهري” والذي كشف في كلمته عن معطيات صادمة ، فقد قال: “أن الأموال الضخمة التي تصرفها الدولة على قطاع الإسكان لا تصل إلى المعنيين بالأمر من أجل تحسين ظروف سكناهم، معبرا عن صدمته بعد توليه للقطاع، موضحا أن برنامج مدن بدون صفيح لوحدها خصص له مبلغ 30 مليار درهم نصفها ساهمت به الدولة دون أن ينعكس على المواطنين. وقد هاجم المسؤول الحكومي بعض المتشبثين بمركزية القرار الإداري، موضحا أن الإفراط في التمركز أدى إلى ممارسات لا أخلاقية منها الفساد والرشوة، موضحا أن دعاة المركزية كانوا يرون أن التمركز هو الضمان ضد مخاطر الرشوة، مضيفا أن ليس هناك أي برهان يؤكد أن التمركز يضمن الممارسات الفضلى.” و أكد في كلمته “أن الخطر في مجال التعمير هو معالجة كل مشروع على حدا دون رؤية تكاملية شمولية، موضحا أن التعمير هو مجال وفضاء تضارب المصالح وهو فضاء مهدد بمخاطر الرشوة، مقترحا لمواجهة الاختلالات إعادة الاعتبار للتخطيط الحضري ووضع وثائق التعمير..”
ويكفي تتبع القصاصات الإخبارية في المغرب طيلة الفترة الماضية لتجد خلف كل قضية فساد و إثراء غير مشروع يوجد العقار ورخصه و امتيازاته، بل إن التنافس المحموم على المناصب السياسية و إنفاق الثروات المالية الضخمة في الانتخابات المحلية و الجهوية والبرلمانية مصدره التنافس على المكاسب الضخمة التي يتم تحصيلها بطرق غير مشروعة من قطاع العقار وتراخيصه ومن الصفقات العمومية وأموال دافعي الضرائب التي بدل ان توجه لتوسيع خيارات الناس يتم توجيهها صوب توسيع ثروات أصحاب المناصب والمكاسب ومن يدور في فلكهم من إخوة و أقارب و أبناء وزوجات …
فقبل أشهر فقط إستيقظ المغرب على وقع فضيحة عقارية بمدينة تمارة (ضاحية الرباط)، بطلها مقاول قام بتشييد مجمع سكني دون توفره على الرخص اللازمة، فيما وجدت أزيد من 800 أسرة نفسها ضحية عملية تتخلها العديد من الشبهات والتواطؤ بين المقاول وسلطات الوصاية المكلفة بمنح تراخيص البناء و المراقبة القبلية و البعدية و تتبع عمليات البناء و التشييد في مختلف مراحله، و بالتالي حماية حقوق المواطن الذي يقدم على تقديم الغالي و النفيس لشراء بيت يأويه..
وعلى خلفية هذه الواقعة تم هدم عمارات سكنية كلفت ملايين الدراهم و هدر العديد من الموارد ، و تم عزل عامل الصخيرات-تمارة على خلفية الواقعة و العديد من رجال السلطة و توقيف العديد من المسؤوليين في الوكالة الحضرية لنفس المدينة ، و لازال مسلسل التحقيق و التوقيف مستمرا فقد تم في الأيام الماضية توقيف مديرة الوكالة الحضرية بنفس المدينة و فتح تحقيق شامل في التجاوزات المرتكبة بمدينة تمارة عامة و ببلدية الهرهورة مسقط رأس الكاتب و مقر سكناه الحالي، وإحقاقا للحق لا بد من الإشادة بعملية التطهير هذه لحماية المستثمرين في القطاع من تسلط و تعسف بعض المسؤولين الذين يفرضون إتاوات و يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية لا يستحقونها ، و كذلك حماية المستهلك لان إخضاع المقاول والمستثمر لعملية ابتزاز ستدفعه بالتالي لرفع السعر او التلاعب بمعايير السلامة لخفض التكاليف …
ومن هنا أدعو سلطات الوصاية إلى الاستمرار في التحقيق و فتح تحقيق إضافي معمق ليشمل “بعض المتخفيين” الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية و ضرورة تفعيل مبدأ من أين لك هذا ؟ فلا يعقل أن يتمكن موظف عمومي دخله الشهري يتراوح مابين 15 ألف و 20 ألف دهم أو حتى 30 ألف درهم أن يتحصل على عقارات قيمتها الإجمالية قد تتعدى 10 مليون درهم وفي ظرف وجيز؟ درست الاقتصاد الغربي و الصيني و الإسلامي و لم أفلح في حل هذه المعادلة الربحية ذات المعامل المجهول ؟؟؟
فلو اشتغل المرء عمره كاملا لما تمكن من تحصيل هذا المبلغ حتى و ان افترضنا انه لا ينفق حتى درهما من راتبه الشهري؟ فكيف يتمكن مثل هؤلاء الموظفين العموميين من شراء الفيلات والعقارات باهظة الثمن و في ظرف وجيز؟ هؤلاء لا يمكن وصفهم إلا ب “المرتشين و المختلسين « إلى أن يتبث العكس و يدلي بمصدر ثروته و ثروة أبوه وأمه و أبناءه وزوجته، وهذا ما تفعله البلدان الديموقراطية في تعاملها مع موظفيها العمومين ، الذين يحصلون على معاشهم من أموال دافعي الضرائب…
ومن يريد الثروة والثراء عليه ان يتجه لممارسة التجارة لأن القاعدة الفقهية تقول “الغنم بالغرم” فالتاجر يتحمل المخاطرة و المجازفة و يمكن ان يخسر و يمكن أن يربح ، اما أن يريد الموظف العمومي يضع رجل هنا و رجل هناك فهذا أمر غير سليم و يضر بالمنافسة الشريفة..
من يريد التجارة وغناها و فقرها وغنمها وغرمها عليه أن يبتعد عن المناصب العمومية، وحينها لن نسأل عن مصدر ثروته ، لكن أن يكون موظفا عموميا و يحشر أنفه بطريقة أو أخرى في “البيزنس” و يستغل موقعه العمومي لتحقيق مكاسب شخصية فهذ أمر مرفوض و غير مقبول قانونيا و أخلاقيا وشرعيا، وهذا النوع من الفساد هو الخطر الحقيقي الذي يهدد البلاد و العباد و يعيق التنمية و يعرقل عجلة الاستثمار المنتج للثروات ..
ففي فبراير 4 يونيو 2022 مثلا إهتزت منطقة الهراويين بمدينة الدار البيضاء المغربية ، على وقع انهيار عمارة في طور البناء مكونة من طابق سفلي و أربع طوابق ، و هذه الواقعة اتهم فيها كل من السلطات المحلية و المنتخبة و كدى المهندسين المعماريين و الوكالة الحضرية ، و رغم أنها لم تخلق خسائر بشرية ، فإنها سلطت الضوء على غياب احترام القوانين بشأن منح تراخيص البناء و تطبيع معايير السلامة …لنفترض ان هذه البناية كانت مأهولة فكم من ضحيه سيزهق روحها الفساد و التلاعب بمصائر الناس.. و في الختام أتقدم بأحر التعازي للشعبين السوري و التركي بشكل عام و لذوي الضحايا بشكل خاص في الضحايا القدامى و الجدد، راجين من المولى عز و جل أن يرحم الضحايا و يجعلهم من الشهداء، و يلهم ذويهم الصبر و السلوان ، و يخفف من معاناة الجرحى و المكلومين و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
*إعلامي وأكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسة والسياسات العامة..

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …