بقلم/ فيصل مكرم*
▪تعجزُ الكلماتُ عن وصف حجم الكارثة البشرية والعمرانية التي خلّفها إعصارُ دانيال في مدينة درنة، وعدد من المدن والمناطق الليبية، بعد أيام قليلة على الزلزال المُدمّر الذي ضرب إقليم الحوز وجبال الأطلس الكبير ومراكش في المغرب، كارثتان مُروّعتان في ظرف أيام أوجعتا قلوبنا وأحزنتنا أيَّما حُزن، وستبقى المشاهد المُصورة والمُعاناة والمآسي التي يرويها الناجون والمُنقذون في ليبيا والمغرب جروحًا لا تندمل في الذهنية الجمعية للشعوب العربية والإنسانية جمعاء.
▪في المملكة المغربية هناك دولة بمؤسساتها وإمكاناتها هبَّت سريعًا لنجدة الضحايا، وحكومة تتولى مسؤولياتها تجاه مواطنيها وتحشد إمكانات البلد لمواجهة كارثة الزلزال والتخفيف من مُعاناة السكان المُتضررين والعمل على إدارة عمليات الإنقاذ والإغاثة، وعلى رأسها الملك محمد السادس يتولى المُتابعة والإشراف المُباشر على جميع عمليات الإنقاذ والإيواء ومن بعد ذلك إعادة إعمار المناطق والمدن والقرى التي ضربها الزلزال.
▪درنه مدينة يُحاصرها الموت، طوفانها العظيم جرف البشر والحجر، آلاف الموتى رحلوا ومعهم رحلت ذكرياتهم وأوجاع وطنهم، المقابر الجماعية وجثث الموتى ومعالم المدينة، ومن بقوا يذرفون الدموع على أحبائهم فوق أطلالها، لا صوت يعلو على روائح الموت ونحيب المحزونين، درنه مدينة اقترنت بالمأساة، الطوفان عَبَرَ من هنا وأخذ في طريقه جلّ أهلها وبنيانها وحجب عنها نسائم البحر، الطوفان ودرنة اقتران مُخيف، ووجع لن يُنسى وحكايات تروى مُشبَّعة بالدموع ونُواح ما تبقى من أهلها المكلومين، وهم يودِّعون مدينتهم المنكوبة، حيث يتم إخلاؤها من الأحياء تحسبًا لأوبئة ما بعد الطوفان والتي تكون فتاكة بالبشر وقد تستمر آثارها لسنوات إن لم يتم تداركها الآن، ناهيك عما خلفه الإعصار الطوفاني من آثار نفسية على السكان وخَسارتهم أقاربهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم.
▪ ليبيا دولة عربية غنية بالنفط والغاز، وفي زمن الطغيان والاستبداد كانت أموالها تُهدر بلا حسيب ولا رقيب، وها هو الإعصار وطوفانه العظيم الذي جرف درنة ووديانها ومناطق أخرى يُحتِّم على المُتناحرين بأن يتناسَوْا خلافاتهم وانقسامهم ومصالحهم، وأن تتَّحد كلمتهم وجهودهم لإغاثة المُتضررين وتجاوز تبعات الكارثة بروح وطنية وأخلاقية وإنسانية والتكفير عن مُعاناة الشعب الليبي بسبب انقسامهم، ولعل هذا هو مطلب الشعب الليبي في مثل هذه الظروف الصعبة والكارثية، نتيجة الإعصار وما خلفه من خسائر بشرية ومادية وعمرانية، كما أن دول العالم وفي مُقدمتها الدول العربية القادرة على العون والمُساعدة تتمنى هي الأخرى أن يضطلع الفرقاء في هذا البلد العربي بمسؤولياتهم تجاه شعبهم ووطنهم، بحيث تكون هناك مؤسسات موحدة وحريصة على استقبال وتوزيع المُساعدات القادمة من الخارج .
*عن جريدة الراية
fmukaram@gmail.com
X @fmukaram