الأحد , سبتمبر 8 2024
الرئيسية / اراء / مصير حل الدولتين!

مصير حل الدولتين!

د. شهاب المكاحله*
في المشهد المضطرب في الشرق الأوسط، يجد الأردن نفسه محاصراً بين سندان المشاكل الاقتصادية، ومطرقة التحولات الجيوسياسية، والضغوط المتواصلة للتكيف مع الديناميكيات الإقليمية المتغيرة. إن التطبيع الوشيك للعلاقات بين إسرائيل والسعودية، والذي يجري بسرعة فائقة، يشكل تحديا خطيرا لمصالح الأردن الاستراتيجية ويعرض للخطر احتمالات التوصل إلى حل الدولتين الذي طالما طالبت به القيادة الأردنية. توقيت هذه التطورات، والدور الأميركي في تسهيلها، يطرح تساؤلات حول دوافع هذا التحول المفاجئ في التوازن الإقليمي مع إعطاء ضوء اخضر للرياض ببناء مفاعل نووي سلمي.
تحدث جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين عن آلية حل الدولتين وحذر من مغبة تجاوز المصالح السياسية والاقتصادية الأردنية أو حتى تجاوز حالة الوضع الراهن ) Status Quo) للقدس الشرقية والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها. ودق ناقوس الخطر اليوم ناجم عن تسريبات تهدف الى حفاظ بعض الدول على مكتسبات مرحلية سرعان ما تتكشف عن خفايا والغام سياسية لا يمكن عندها العودة الى الوراء.
الوضع الاقتصادي في الأردن:
من المهم الاعتراف بالوضع الاقتصادي المتردي في الأردن إذ تواجه البلاد منذ فترة طويلة تحديات اقتصادية، بما في ذلك معدلات بطالة مرتفعة وعبء الديون المتزايد الذي أرهق العباد والبلاد. وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذه المشكلات، ما ترك الأردن في حاجة ماسة إلى طلب الدعم الخارجي من أجل الاستقرار الاقتصادي والنمو. إن احتمال التطبيع بين تل أبيب والرياض، مع إمكانية زيادة التجارة والاستثمار الإقليميين، يمكن أن يوفر فرصا اقتصادية للأردن. ومع ذلك، فإن التطبيع المحتمل يحمل أيضا خطر تقويض الدور التقليدي للأردن كوسيط بين إسرائيل-والسلطة الوطنية الفلسطينية.
الحقائق الجيوسياسية:
ومن الناحية الجيوسياسية، لعب الأردن دائما دورا محوريا في السياسة الإقليمية. ولما كانت الأردن تشترك في الحدود مع إسرائيل والضفة الغربية وسوريا والعراق والسعودية، فإن ذلك هو ما جعل الأردن مفترق طرق استراتيجي في الشرق الأوسط. وكان استقرار الأردن حاسما في منطقة شابتها الاضطرابات. ويهدد التقدم السريع في عملية التطبيع الإسرائيلية-السعودية تغيير التوازن الجيوسياسي في المنطقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الأردن يستطيع الحفاظ على دوره التاريخي كصانع للسلام في مواجهة هذا التحالف الناشئ. أم ان الأردن فقد جميع أوراقه السياسية؟
حل الدولتين في خطر:
يدعم الأردن حل الدولتين لأن عَمان ترى فيه حجر الزاوية في الجهود الدولية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد أكد الملك عبد الله الثاني باستمرار على أهمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. ومع ذلك، فإن السرعة التي يتكشف بها التطبيع الإسرائيلي السعودي تثير مخاوف جمة من احتمال تهميش مصالح الفلسطينيين والأردنيين. ومع إعطاء كل من إسرائيل والسعودية الأولوية على ما يبدو لشراكتهما الجديدة، فإن احتمالات إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة قد تتضاءل إن لم تمت تلك الفرصة أساسا.
الدور الأميركي:
تلعب الولايات المتحدة، التي كانت تاريخياً لاعباً رئيساً في دبلوماسية الشرق الأوسط، دوراً حاسماً في هذه التطورات. إذ مهد الاتفاق الابراهيمي الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي أدى إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، المسرح للزخم الحالي نحو التطبيع الإسرائيلي السعودي. ويعد نهج إدارة الرئيس جو بايدن في التعامل مع هذه التطورات نقطة اهتمام. ففي الوقت الذي أعرب الرئيس بايدن عن دعمه لحل الدولتين، فقد تبنت إدارته أيضا الاتفاق الابراهيمي. ويبقى أن نرى مدى قدرة الولايات المتحدة على تحقيق التوازن بين هذه المواقف المتضاربة.
التوقيت والدوافع:
ويثير توقيت هذه التطورات تساؤلات حول دوافع الاندفاع نحو التطبيع الإسرائيلي السعودي. فهل هي شراكة اقتصادية وأمنية فحسب، أم أن هناك أهدافا سياسية أعمق؟ إن السرعة التي تتكشف بها هذه المفاوضات قد تشير إلى الرغبة في تهميش الأردن والدولة الفلسطينية من مستقبل حل الدولتين. وإذا ثبت صحة ذلك، فقد تكون له آثار بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي وآفاق السلام الدائم.
في الختام، يواجه الأردن مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر في ظل تحديات اقتصادية وسياسية وجيوسياسية يفرضها التطبيع السريع للعلاقات الإسرائيلية السعودية. إن مصير حل الدولتين أصبح على المحك، ويظل الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تشكيل مستقبل المنطقة عاملا حاسما. ومع استمرار هذه التطورات في الظهور، يتعين على القيادتين الأردنية والفلسطينية أن تفكرا بعناية في خطواتهما التالية في مشهد سريع التغير في الشرق الأوسط لأن القادم من الأيام في ظل توترات إقليمية بعضها مخطط له منذ أكثر من عامين يشي بتغييرات جيوسياسية وامنية واستراتيجية كبيرة تطيح أنظمة وتفتت دولا وفق المصالح الإسرائيلية. باختصار الأوراق انكشفت ولم يعد إخفاء الحقائق التي حاول البعض طمسها أعواما وأعواما.
*كاتب اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

نتنياهو كذّاب وفاشي بامتياز!

د. جاسم يونس الحريري* في28 نوفمبر2011 وبسبب خطأ فني في تقنية الاتصالات كشف عن فحوى …