د.امين محمود*
انها بلا شك ملحمة أسطورية مزلزلة تلك الملحمة التي يسطرها اليوم المقاومون الفلسطينيون الأبطال في سجل الخلود الانساني وهم يواجهون بصلابة وشموخ الهجمة البربرية الوحشية الانتقامية التي يشنها, المرتزقةالصهاينة بشتى أجناسهم ومنابتهم على شعب الأصالة العربية الحقة في غزة والضفة الغربية وباقي المحتل من أرض فلسطين الطاهرة . وبالرغم من التداعيات الانسانية الباهظة التي يتكبدها المدنيون المرابطون في غزة من شهداء ومصابين ومهجرين , الا أن الكارثة الحقيقية سوف يشهدها الكيان الصهيوني لأول مرة في تاريخه فور انتهاء المعارك وحالما تضع الحرب أوزارها وتتكشف نتائجها وتظهر نتائجها جلية للعيان , وعندها سيتم الاطاحة بخرافة الجيش الذي لا يقهر وكشف زيف الادعاءات والمقولات المتعلقة بديموقراطية الكيان الصهيوني واحترامه لحقوق الانسان واظهاره على حقيقته كيانا عنصريا حاقدا لا يؤتمن جانبه .
ان الشواهد التاريخية المتتابعة تحمل الدلالات الواحدة تلو الأخرى بأن الشعوب التي تناضل من أجل بقائها صامدة متمسكة بأرضها لن يعتريها الوهم أو الهوان مهما طال أمد النضال ومهما تعددت الأجيال .وهذا هو حال المقاومين العمالقة الذين يسجلون هذه الأيام بدمائهم وأرواحهم على الأرض الفلسطينية سردية نضال وكفاح بطولي كفيلة بامداد الأجيال العربية الصاعدة بمخزون كبير من الغضب والرغبة في الانتقام اّجلا أو عاجلا من كل من تسبب بالماّسي التي ألمت بهم وبمن سبقهم من أجيال, كما أنه لا بد لهذا المخزون أن يوقظ هذه الأمة المتراخية من سباتها العميق محفزا اياها للانطلاق عبر مرحلة نهضوية متجددة عمادها النضال والكفاح اليطولي كالذي يخوضه مقاتلو المقاومة الأشداء على تراب فلسطين المقدس لحماية هوية هذه الأمة ومستقبلها ودرء الاخطار والأطماع الصهيونية التي تهدد وجودها وتسعى للهيمنة على كامل امتداداتها الجغرافية من محيطها الى خليجها , وهكذا فانه قد اّن الأوان لهذه الأمة أن تدرك وتعي حجم الأخطار التي تتهددها والمؤامرات التي تحاك ضدها بمسميات مختلفة كالتنسيق والتطبيع مما سينتهي بها المطاف , فيما لو استمر الحال على ما هو علبه , الى ماّل قاتم , وقد يزداد هذا الماّل قتامة اذا ما انتهى الأمر – لا سمح الله – بأكل الثور الأبيض وحينها لا ينفع لا عويل ولا ندم , ولذا فان الوقت أمام هذه الأمة قد بدأ ينفد ما لم تهب وتبادر اليوم وليس غدا لمساندة المقاومة الفلسطينية بكل ما لديها من قوة لأن في ذلك دفاعا عن وجودها هي أيضا لكي تظل باقية صامدة على أرضها أمام عدو خبيث مراوغ يتربص بها الدوائر بدل أن تركن للتراخي والاستسلام فينتابها المزيد من التمزق والضياع وتصبح لقمة سائغة في أفواه الطامعين والحاقدين من صهاينة هذا العصر الذين ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض عليها وتحقيق ماّربهم الاستيطانية التوسعية على كامل أراضيها .فالخطر الصهيوني لا يهدد عروبة فلسطين وحدها دون غيرها من أرض العرب , وانما يمتد تهديده ليشمل الوطن العربي برمته من خليجه الى محيطه سعيا وراء الامتداد الاستيطاني أو بغية الهيمنة السياسية والاقتصادية عليه, فالكل مهدد والكل دوره اّت ما لم يتدارك اولو الأمر الخطر المحدق ببلادهم فينفضون عن كاهلهم غبار الوهن والاستسلام واللامبالاة ويبادرون لمجابهة الخطر الصهيوني بقوة وتصميم حماية لشعوبهم ومساندة لاخوانهم الفلسطينيين المدافعين عن قضيتهم التي هي بدون شك القضية المصيرية الأولى للأمة العربية بأكملها . وها هو التاريخ يروي لنا المحاولات المتتابعة التي قام بها الصهاينة لاحتلال أراض عربية بغية اقامة مستوطنات لهم على أرضها , كما حدث في مدين وسيناء والجبل الليبي الأخضر والبحرين اضافة الى جنوب بلاد الرافدين وبلاد الشام , علما بأن هذه المحاولات لم تجر في العهود القديمة وانما جرت بالأمس القريب , اذ لم يمض عليها سوى فترات قصيرة من عمر هذا الزمن . ولعله من المناسب في هذا المجال استرجاع ما قاله مؤسس الحركة الصهيونية , تيودور هرتزل , للقيصر الألماني , فيلهلم الثاني , لدى لقائهما في الاّستانة عام 1898 , وذلك حينما استفسر القيصر عن مساحة وحدود الأرض التي تطالب بها الحركة الصهيونية , فكان رد هرتزل كما ورد في مذكراته بأن مطلب الحركة في تلك المرحلة هو فلسطين بحدودها الجغرافية اّنذاك , أما بالنسبة للمضمون الجغرافي النهائي للمشروع الصهيوني , فهو يشمل المنطقة الواقعة بين نهري النيل والفرات متضمنة الجزء الشرقي من مصر اضافة الى شبه جزيرة سيناء , ثم تمتد أيضا لتشمل الأجزاء الجنوبية من العراق بما فيها نافذة تطل على الخليج , والأجزاء الجنوبية من بلاد الشام بما فيها الاردن , اضافة الى المنطقة الواقعة شمال غرب الجزيرة العربية , وهي بالمناسبة تلك المنطقة التي اتجهت جولدا مئير بأنظارها صوبها لدى وقوفها على شاطىء ايلات في أعقاب كارثة عام 1967 وهي تردد : ” انني أشم رائحة أجدادي في تلك الديار وهي جزء من وطننا الذي سنسعى لاستعادته ” .
ان الخطر الصهيوني يتهدد الجميع ولا مأمن لنظام عربي أيا كان ذلك النظام من مساعيه المدمرة وأطماعه التوسعية ولذا فان على هذه الأنظمة أن تنمي وعيا أعمق بطبيعة المشروع الصهيوني وتتجنب الوقوع في حبائله واغراءاته المزيفة التي لا تحمل في مضامينها سوى المزيد من المذلة والهوان.
*كاتب اردني
شاهد أيضاً
إلى محلّلي الفضائيات..!
د.عديل الشرمان* صحيح أن مشاهد القتل والقصف والدمار والإبادة التي نشاهدها على شاشات التلفزة العربية …