السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / بين تصريحات غالانت وعباس.. باعوا الوطن وندفع الثمن كل يوم!

بين تصريحات غالانت وعباس.. باعوا الوطن وندفع الثمن كل يوم!

د. اكرم الديك*
قبل أن يقارن وزير الدفاع الإسرائيلي جالانت شعب فلسطين بالحيوانات، فقد فعلها محمود عباس في خطابه لدى الأمم المتحدة في شهر مايو في ذكرى النكبة من هذا العام أمام العالم أجمع في خطابه الانهزامي: إحمونا! اعتبرونا حيوانات! ..
ولا زال يترجّى ويستسمح آملا في رحمة الجلّاد.
دم الشهداء والقتلى والأسرى في رقبة محمود عباس وأعوانه في منظمة التجرير في قطاع الضفة الغربية. ثلة من 100 نفر تتحكم في مصير الملايين. فليشهد التاريخ أنني لم أخنع.
أنا أكرم الديك من فلسطينيي الشتات والجيل الثالث ما بعد النكبة أُقر وأعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية لا تُمثّلني. هذا ليس بالجديد ولكنه أصبح من المهم التصريح به علنا وحرفيّا وخصوصا في الظروف الحالية كفعل مقاومة.
أنا من جيل عاش تفاصيل الانتفاضة الثانية وتحرير جنوب لبنان واتفاقيات كامب ديفيد واقتحام شارون للمسجد الأقصى والمظاهرات واغتيال أبو علي مصطفى واغتيال أحمد ياسين واغتيال الرنتيسي ومحاصرة مقر المقاطعة الفلسطينية في رام الله والمظاهرات ومحاصرة كنيسة المهد في بيت لحم واغتيال ياسر عرفات واعتقال أحمد سعدات ومعارك جنين والبدء والانتهاء من بناء الجدار العنصري الفاصل والمظاهرات وموت واستشهاد محمد الدرة واشتباكات باب الزاوية في الخليل واعتقال مروان البرغوثي واغتيال وزير السياحة الاسرائيلي والانسحاب من غزة وحرب لبنان وحزب الله واغتيال الجعبري وحروب غزة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وصفقة القرن وغيرها الكثير الكثير من المحطات التي تعشعش في ذاكرتي وأنا أكتب هذه السطور الآن من غرفتي المعتمة في المنفى، المنفى الذي يأتي نتيجة تراكم هذه الأحداث وغيرها. وعليه، أسأل سؤالا شرعيا واضحا:
من أين تأتي منظمة التحرير الفلسطينية وقادتها بشرعيّتها في تقرير مصير الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وأوروبا والأمريكيّتين والتفرّد بالسيطرة على السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية والإطاحة بمؤسسات المجتمع المدني والنقابات؟ من أين تستمد الشرعية لتوقيع الاتفاقيات مع أمريكا وإسرائيل والتنسيق الأمني للحفاظ على أمنها؟ هل سمعتَ في حياتك عن حركة تحرير ثورية تهادن وتصالح وتفاوض؟
بعيدا عن كل الحركات الثورية والتاريخ والفلسفة، فإن تعريف الثورة في معجم اللغة العربية هو: “اندفاع عنيف من جماهير الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييرا أساسيا”. العنف في هذا السياق ليس إرهابا وإنما مقاومة شرعية.
يتحرر قطاع غزة شيئا فشيئا بينما تتحول الضفة الغربية إلى قطاع مُحاصَر. الضفة الغربية هي القطاع. سأسمّيها من الآن فصاعدا قطاع الضفة الغربية.
التحرُّر في المنظمة الفلسطينية هو تحلّل وتحرر من كل القيم التي تحفظ للشعب الفلسطيني حياة كريمة، فقد ابتعدَت كل البُعد عن مباديء الثورة التي ابتدأت بها. المنظمة ذراع غير مقاوم عميل خائن وتستخدم أساليب القمع على أبنائها وتغتال بعضهم وتستغل تعاطف بعض الشعوب والدعم المادي من المجتمع الدولي لتتحكّم في شعبها المُحاصَر من خلال تقطير الرواتب والأجور واستخدام العُنف والترهيب.
منذ أن استبدَلت قادات السلطة الفلسطينية الكوفية بربطة العُنق ونحن ننجرُّ كالكلاب من هاوية إلى أُخرى، مُستعبَدون كالخرفان، تقودنا أمريكا وإسرائيل كيفما أرادوا. ألم نتعلّم بعد بأن السلام استسلام؟ وبأن غصن الزيتون الذي رفعه الختيار عرفات في هيئة الأمم يوما ما قد تم تحويله إلى زيت يستخدمونه في تسهيل الخوازيق التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني؟
لنكن واقعيين، إن كل ما يحدث اليوم هو نتيجة أنانية وتعنّت وحب أعمى للسلطة من جماعة حركة فتح التي لم تتمكّن من قبول طعم الخسارة في الانتخابات الشرعية التي تمّت بكل شفافية ونزاهة تحت إشراف المنظمة واختار فيها الشعب الفلسطيني بالاقتراع ممثله في عام ٢٠٠٦. أنا لست مع فتح ولست مع حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر بعد أوسلو، ولكن التفاصيل السياسية في حياة أي شعب تحت الاستعمار مهمة لفهم الواقع الأليم الذي يعيشه أبناء هذا الشعب الذين يدفعون ثمن عناد السلطة الفلسطينية ودكتاتورية الرجل الواحد والحزب الواحد والاستعمار الداخلي والخنوع الذليل الذي يزداد يوما بعد يوم. لقد أصدر المجلس التشريعي الفلسطيني ٧٨ قانونا على مدار عشر سنوات ما بين ١٩٩٦ و٢٠٠٦ بينما أصدر محمود عباس ٤٠٠ قرار تشريعي منذ تولّيه السلطة في ٢٠٠٤. أهم هذه القرارات كان تفكيك النظام السياسي بالجمع بين السلطتين التفيذية والقضائية وقانون السلطة القضائية الذي أطاح بالقضاء والتي ساهمت في جلوسه على العرش وحده لا شريك له.
لن يعجب هذا الكلام الكثير من جماعة السلطة المتمثّلة بحركة فتح والتي يعمل بها الكثيرون من عائلتي ومعارفي لأنه وببساطة يذكّرهم بهذه الحقيقة وبوصمة العار السوداء هذه وسيواصلون في عنادهم لأنهم محميّون داخل هذه المنظومة ومموّلون منها ويعيشون من خيراتها ولا يستطيعون النزول قليلا عن فرسهم الذهبي ليفهموا لغة الشارع. هل يُعقَل أن تكره لأخيك أو أختك وشعبك التحرر فقط لأنك لم تُساهم فيه؟ إذاً أثبِت عكس ذلك وساهم في عملية التحرير. فكيف تتوقع من العالم أن يصدّق رسالتك في مقارعة ومحاربة دكتاتورية نتنياهو وشارون وغيرهم وأنت تشبههم، لا بل وأصبحت صديقهم وواحداً منهم؟ المشكلة ليست محمود عباس، فإن ذهَب عباس سيأتي حسين الشيخ أو عباس آخر.
التحرير يبدأ بتحرير النفس وتحرّر الإنسان أولا من التعنّت والعناد والأنانية والأنا وباستخدام كل الوسائل المتاحة نحو إعادة الإيمان المُطلَق للشعب بأن وعد الله حق وأنه لا يعلو فوق كلمة الشعب أشخاص أو أحزاب.
قد يعلو صوت يطالبني بعدم التطرّق لمثل هذه الأمور الآن والتركيز على توجيه بوصلة المقاومة نحو العدو، ولكن هذا التفكير رجعي في طبيعته، فكيف للشجرة أن تنمو والديدان والحشرات تأكلها من الداخل؟ وكيف لنا شحن طاقاتنا وهي تُستَنفذ من الداخل؟ السكوت الآن هو تخاذل وتقاعس واستسلام، والتستّر عن الحقيقة ستؤدّي بنا إلى نفس النتائج السابقة. أستذكر هنا حينما تقدّم إدوارد سعيد ومحمود درويش استقالتهم بعد اتفاقيات أوسلو وآخرهم حنان عشراوي التي استقالت من منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن قامت السلطة بتهميش اللجنة التنفيذية وفصل أعضاء اللجنة المركزية دون انتخابات وابتعاد السلطة كل البُعد عن أية ممارسات ديمقراطية داخلية وشرذمت الوحدة الوطنية وأثبتت فشلها في مقاومة الاحتلال الخارجي وفشلها في إجراء أية إصلاحات أو تغييرات جذرية لتفعيل منظمة التحرير. كان هذا أيضا فعل مقاومة منهم للاحتلال بكل أشكاله، داخلية أو خارجية، وإعلاء للحق وإحياء للضمير وتعزيز للشفافية أمام النفس ثم الناس.
وكانت هذه ردّة فعل الشعب الفلسطيني الذي اختار حماس في يوم من الأيام، ليس حُبّا في حماس، وإنما كُرهًا للاحتلال وشوقا للحرية.
وهذا ما يحدث اليوم. فبدلا من تبنّي المقاومة أيًّا كانت، نرى التخاذل والخنوع من جديد. وها هنا أنا، في غرفتي، في المنفى، بعيدا عن شواطئ عكا، أشاهد الشهيد تلو الشهيد، عاجزًا، والخناق يزداد على أهل قطاع الضفة الغربية وغزة تنتفض وتحترق مجددا والعالم يشاهدنا من شرفته والقادات تجتمع مجددا في قصورها الفارهة ولا يدري الشهداء من انتصر في المعركة.
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …