السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / الكيان وعقدة ابتهاج الاسرى!

الكيان وعقدة ابتهاج الاسرى!

عبد السلام بنعيسي*
منذ السابع من أكتوبر الفائت وإسرائيل تعيش في حالة من الذهول. صعقها طوفان الأقصى وأضحت تتصرف وكأنها لم تستفق بعد من أثر الضربة التي تلقتها أثناءه. قبل ذلك اليوم، كان الكيان الصهيوني ينام في العسل، وكان يشعر بالأمن والاطمئنان، وتهيأ له أنه أحكم السيطرة على الشعب الفلسطيني، وامتطى قادته أمواج الغرور والغطرسة والصلف، وأمسى العالم يبدو لهم ورديا، وآمنا، وواعدا. فالنظام الرسمي العربي استسلم لهم، وقبل بهم، وارتمى في أحضانهم، وقرر التطبيع معهم، وسلّمهم قيادة المنطقة… هكذا كان يتخيل لهم…
وفي ثقة مفرطة في النفس، ألّف بنيامين نتنياهو حكومة تضمُّ دزينة من اليمينيين المتطرفين المهوسين بقتل الفلسطينيين، وذهب إلى الأمم المتحدة، وعرض من منبرها خريطته على العالم، الخريطة التي كانت تضمُّ كل فلسطين، وأجزاء من الأردن، ومن سوريا، ومن جنوب لبنان، وقام بشطب الشعب الفلسطيني من الجغرافية، وألغاه من الوجود، وصار في نظره منعدما من المعادلة التي انهمك في إعدادها للمنطقة بكاملها، بمشاريعها، الأمنية، والعسكرية، والصناعية، والتجارية، والفلاحية، والثقافية….
لكن حين باغتت صفعة السابع من أكتوبر الكيان الصهيوني، أفاقته من أحلام يقظته، وحولتها إلى كوابيس، وأعادته إلى حجمه، وإلى حقيقته، كيانا احتلاليا مرفوضا من الشعب الفلسطيني، ومن الشعوب العربية والإسلامية المحيطة به، وتيقن أن مشاريعه للمنطقة غير قابلة للتحقق والترجمة إلى حيز الواقع، ما دام هناك شعب فلسطيني يرفضها ويقاوم إقامتها على أرضه.
نتج عن ضربة السابع من أكتوبر أن الكيان الصهيوني صار مأزوما في كافة القرارات التي يتخذها، فكل المجازر والمذابح التي اقترفها في حق الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، وكل الدمار الذي أحدثه في قطاع غزة، لم يجن منه أي نتيجة، وجميع العهود التي قطعها على نفسه، والتزم بتحقيقها بقوة الحديد والنار قبل إعلان الحرب، فشل في إنجاز أي واحدة منها، رغم أنه يملك رابع أقوى جيشٍ في العالم، ويحظى بدعم غير مشروط من طرف أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الحكومات العربية المتواطئة معه.
لقد قصف الكيان الصهيوني القطاع بأكثر من قنبلتين نوويتين من حجم القنبلة التي قُصفت بها مدينة هيروشيما، ولكن الشعب الفلسطيني لم يستسلم، ولم يرفع الراية البيضاء، وظل صامدا في أرضه، وظلت مقاومته الباسلة تقارع جيش الاحتلال، وتوجه له الصفعات تلو الصفعات، إلى أن اضطر للإقرار بفشله وقبوله الهدنة، والشروع في الإفراج مكرها عن الأسرى الفلسطينيين. وعلى هذا الأساس كانت خيبة أمل الكيان الصهيوني، في ذاته ومنها، كبيرة، التوقعات التي وضعها لنفسه، ووعد بها جمهوره، لمسح آثار الضربة التي تلقاها في السابع من أكتوبر، خابت جميعها.
من هنا نفهم لماذا صار قادة الكيان يتحركون بعنف وهمجية لمنع الأسر الفلسطينية من التعبير عن فرحها وسرورها بإطلاق سراح أبنائها الذين كانوا أسرى في السجون الإسرائيلية. لقد جنّ جنون القادة الصهاينة، وفقدوا صوابهم، وأمسى مجرد التعبير عن ابتهاج أسرة فلسطينية، بخروج ابنها الأسير من السجن، يغيظهم ولم يعودوا يطيقونه. لقد صارت دولة إسرائيل تسعى لمصادرة الفرح من النفوس الفلسطينية، وتحاول أن تستأصل هذه المشاعر الإنسانية الطبيعية من دواخل حامليها.
وبقدر ما يبين هذا التصرف الرسمي الإسرائيلي مدى عدوانية هذه الدولة، والكم الهائل من القمع الذي تسلطه على الشعب الفلسطيني الذي تحتل أرضه، يُبيّنُ تصرفها هذا أيضا، أنها دولة جبانة، وهشة التكوين النفسي، ومهزوزة الثقة في ذاتها، فمجرد ابتهاج أسرة بتحرير أسير من أبنائها تهابه وتخافه، وتمنع وقوعه، فهل هناك جبن أكثر من هذا الجبن الصهيوني؟ هل توجد دولة واحدة في هذا العالم، غير إسرائيل، تصادر من الجهة التي تحكمها، أو تتحكم فيها، حقها في الابتهاج والسرور بحدثٍ من قبيل الخروج من السجن؟؟؟؟ أليس هذا تصرفا نادرا، إن لم نقل فريدا، في عالم القرن الواحد والعشرين؟ هل يمكن لأي كان أن يمنع أسرة أسير إسرائيلي من الاحتفال بالإفراج عنه، من جانب المقاومة؟ هل يمكن حتى تخيُّل وقوع مثل هذا التصرف؟
لقد شاهد العالم المقاومين الفلسطينيين وهم يباسطون الأسرى الإسرائيليين، ويمدون لهم يد العون، وهم يسيرون في محاذاتهم، ويقدمون لهم الماء، ويساعدون المرضى منهم على امتطاء الحافلات، وشاهدنا أسرى وأسيرات إسرائيليين وإسرائيليات وهم يعبرون، عن الابتهاج بإطلاق سراحهم، وكانوا يضحكون ويلوحون بأيديهم مودعين آسريهم. ومن الأسرى الصهاينة من شكر رجال المقاومة وأشاد بسلوكهم الإنساني الرفيع. فلماذا لم يمنع المقاومون الفلسطينيون الإسرائيليين الذين كانوا يأسرونهم من التعبير عن فرحتهم بالخروج من الأسر؟؟ هنا تبرز القيم الأخلاقية العالية التي أنعم الله بها على أبناء الشعب الفلسطيني، وحرم منها الكيان الصهيوني وجمهوره الذي يدعمه في اتخاذه لمثل هذه المواقف السفيهة والحقيرة…
لاشك في أن احتفال الأسرة بخروج ابنها من السجن يعني اعتزازها به، لأنه كان أسيرا، ويفيد الاحتفال عدم الندم على قضاء هذه الفترة الطويلة والمديدة وراء القضبان، لأن سبب الأسر كان هو النضال من أجل التحرير، والهدف كان هو الكفاح بغرض طرد المحتل من الأرض التي يغتصبها. ويعني الاحتفال أيضا الاستعداد لتقديم المزيد من التضحية، ومن النضال والمقاومة لنيل الحرية والاستقلال وتقرير المصير بالنسبة للشعب الفلسطيني، وبطبيعة الحال، هذا حق تضمنه قرارات الشرعية الدولية، وتجيزه مواثيق الأمم المتحدة.
إنما المثير للسخرية والغرابة، هو أن الكيان الصهيوني الذي يرفض للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، ويقترف ضد الفلسطينيين الجرائم والمذابح والمجازر التي كل واحدة منها تنسينا في الأخرى، لبشاعتها، وفظاعتها، وهولها، وهذا الكيان الذي بلغت به وقاحته حد مصادرة حق الشعب الفلسطيني في التعبير عن فرحه بإطلاق سراح أبنائه من الأسر، هذا الكيان يعتبره الغرب، رمزا للديمقراطية، والتعددية، والحرية، والانفتاح، والتحضر، ويحميه، ويوفر له كل الوسائل والإمكانيات للاستمرار في غيّه..
والأدهى والأمرُّ، هو أن النظام الرسمي العربي الحاكم، قرر أن يجعل من هذا الكيان المجرم والسفاح، صديقا، ورفيقا، وحبيبا، وأن يبادر إلى التطبيع معه، وإلى إقامة المشاريع الاستثمارية العملاقة برفقته، ولو على حساب الأشقاء الفلسطينيين. هل هذا معقول، ومقبول، ومستساغ، يا حكام العرب الأشاوس، على شعوبها فحسب؟؟؟
*صحافي وكاتب مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …