السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / رد المستضعفين على المستكبرين في الأرض!

رد المستضعفين على المستكبرين في الأرض!

خالد شحام*
أكاد أصحو كل يوم متمنيا أن يكون العدوان على غزة مجرد كابوس أو حلم مزعج طويل لآكتشف بعد قليل جريمة جديدة ، لا أعلم بالضبط كم بقي لنا من رصيد وجودي أو أخلاقي في حصالة الضمير الكونية لأننا صرنا نخاف من تفقدها ، لقد تحولت جريمة العدوان على غزة إلى ثقب أسود يتهاوى فيه الجميع لأن البشرية جمعاء فشلت فشلا ذريعا في ايقاف هذه المجزرة ، لقد صرت أمشي مترقبا في الظلال صاعقة تطبق السماء على الأرض او أن تنشق هذه الأرض وتبتلعنا جميعا في أية لحظة جزاءا لهذه الأرواح التي تتصاعد مثل الدخان من غزة ، أجزم بأن ثمة لوح مكتوب من العذاب يجمعنا معا نحن وبني اسرائيل حيث هم القتلة ونحن المتفرجون حتى الفناء ، أتمنى لو أن بيدي قوة أو آوي إلى ركن شديد أيها الصهاينة كي أعتق نفسي من هذا الأسر وأحرر العرب من هذا الحرج التاريخي والقطعة السوداء من حياتهم والمُعَلقة الكحلية على سيرتهم .
في حيز الكون العظيم تتجلى عظمة البشر داخل مولد نجمي خاص اسمه الملاحم الأرضية والمشتقة من فعل التشابك والتلاحم والتصادم ، والملاحم هي سُدم سحابية حيث يتجمع الغبار والغاز الكوني العدمي في معركة اندماجية سعيرية ليتحول إلى شيء عظيم يبدأ منه كل شيء اسمه النجم ، وفي داخل الملاحم تكون العظمة بقدر استطالة المأساة وتمدد عوامل اليأس واستحالة الانتصار ، غزة في هذه الساعة أضحت سديما ملحميا حيث يتحد الدم بالحديد والرماد بالدموع والنار بالإنسان ، في هذه الملحمة تتوضب عناصر النفاذ من السلطان والشمس والقمر يسجدان، جبروت الطغاة يتجلى شرا سويا ، أرواح بريئة تغطي زرقة السماء لو أقسمت على الله لأبَرَّها ، مقاتلون يستخدمون خشاش الأرض ليضربوا أسطورة الفولاذ ويدخلوا في كتاب الشهداء والصالحين ، معركة إعجازية في زمن الخذلان الإعجازي والتآمر الإعجازي لا يخافها إلا الأعور الدجال ولا يؤمن بها إلا الذين استحق قسطهم الزماني بضاعة القبض على الجمر ، غزة الان هي مقياس الوجود العربي ومقياس وجود القومية والإسلام والمسيحية وسائر وسائل الإدعاءات الراكبة على ظهر التاريخ ، لقد ضُرِبت مثلا وأمست مقياس الإنسانية والبعث الجديد للدين والإنسان وملاحم التاريخ التي يحاول غسلها من الذاكرة بدهاء الذكاءُ الصناعي الأمريكي .
في ملحمة غزة تتجلى آلهة صناعية أمريكية -اسرائيلية مصنوعة من البولي إيثلين الرخيص تضع غاياتها وتُسمِعنا إياها من منصة فرعون القديم (أنا ربكم الأعلى ) ، يريدون إبادة المقاومة وغمر الأنفاق بالماء وإزالة كل الهيكل العسكري داخل غزة ، يريدون وضع (أنطوان لحد) جديد بعد حماس ويريدون بناء نوفا الاسرائيلية ودعمها بقواعد للناتو والعناصر التقليدية الزائفة من القوة من الطائرات والجند وأداوت المراقبة ، يريدون تقليص وتهجير وتطفيش من بقي حيا ليثبتوا مجددا أنهم آلهة من دون الله لا يمنعهم شيء من تنفيذ إراداتهم المحتومة ، يريدون إبادة شباب الضفة الغربية وترحيل سكانها شرقا وغربا ، لسوء حظهم وفي الجهة المضادة للإلوهية البلاستيكية تثبت المقاومة المصنوعة من الإيمان والإرادة والخُلُق والإنسانية والأصول بأن هذه الآلهة مزيفة وتخسركل يوم دباباتها وجنودها وسمعتها واقتصادها وتتحول الى كيان منبوذ مكروه عالميا لم يعد أحد يصدق ألوهيته المليئة بالحقد والكذب والفبركة والقتل الدموي .
تترافق الجريمة العالمية في غزة مع جملة ملابسات و سياقات غريبة وعجيبة لا يمكن إدراكها ولا إدراك معانيها إلا بالطبقة الأعلى من الفكر والبصيرة حيث تصبح كل تلك مجرد ملابسات وضرويات لصناعة حبكة الملحمة الكبرى واستكمالا جازما لشروطها ، ظروف أولها ان يقف العرب عاجزين عن فعل شيء حيال حدث يهددهم جميعا ، حدث يفتتح إزالة العرب من الوجود بالقتل المباشر بأفدح صوره وأشكاله دون ان يحركوا ساكنا ، ثانيها أن العالم يتفرج وفي الفرجة عجزٌ وبعض استسلام و بعض رضى حيال الجريمة الامريكية -الاسرائيلية ، ثالثها أن الأمريكان الذين يقفون في المعركة يريدون أن يكتموا ويمنعوا أي صوت أو اية نبرة أو أي اعتراض على جريمتهم ، إلى الحد الذي وصل بهم إلى اقرار قانون يدين ويعاقب كل من يقترب أو يمس الحركة الصهيونية بوصفها جزءا من روح (معاداة السامية ) واستخدموا بالأمس في مجلس الأمن حق الشَّر لمنع وقف إطلاق النار في غزة ، رابعها أن غزة وُضِعت وحيدةً أمام الموت بمعنى الكلمة في مواجهة الجبروت والاستعلاء الأمريكي الأخير ، خامسها أن يُقتَل 20 ألف إنسان بريء بعد أن عاشوا حياة حصار وكبت وحرمان منذ 17 سنة ، ملابسات تكاد تكون مثل قطع الأحجية جمعتها رياح الأقدار من شرق وغرب يتضامن فيها ابن اليمن البطل بروح يصل مداها ألفي كيلومتر وأبطال من لبنان والعراق مستعدون للقتال حتى الشهادة في هذه الملحمة، ملابسات غريبة ضرورية لإنتاج مفهوم الملحمـة حيث يجب تواجد أيضا عرب راقصين ومهرجانات غنائية بمعية حمام الدم ، ملابسات عجيبة فيها قمة عربية وأخرى إسلامية وثالثة عالمية تتمتع كلها بالعجز والهرم والموافقة المبطنة على الجريمة ، ملابسات عجيبة لرئاسات عربية تريد البقاء في الحكم إلى الأبد مقابل المشاركة بإبادة غزة وشعبها والسماح بذبحهم وتتصرف ضمن مصلحة عداوة الأمة بأكملها بعد أن قزمت شعبها وبلادها دون المستوى السنتمتري، ما الذي يحدث؟ ما الذي نراه هنا؟
أنتم تعاصرون معجزة وأياما ليست كأي أيام وهذه المعجزة جعلها الله آية للناظرين اسمها غزة لغاية في كبد السماء وصحائف المستقبل التي لم تنقطع أبدا عن صحائف موسى ، والمعجزة لا تكون معجزة ولا فائقة إلا إذا توافرت عوامل الحرمان واستحالة الانتصار من كل حدب وصوب لتؤول آية للناظرين ودعوة للمتفكرين، هذا ما يجري وهذا هو ما ترونه ونراه معا في مسرح سنوات النبؤات وصعود نجم الدجال وامتلاء الأرض بالجور والظلم والذبح الذي لم نقرأ عنه سوى في الأساطير ولكنه يتجرد اليوم ويتمثل حدثا سويا على يد الصهيانة والأمريكان.
في فقه الملحمة العلوي يمكن القول بأن ابناء غزة لا يتعرضون للإبادة بل نتعرض نحن المتفرجين للذوبان والرحيل من التاريخ ، لا تُقصَف منازلُ ومساكن الفقراء في غزة بل تُقصف كل يوم احتمالات البقاء في المستقبل لكل الأنظمة العربية المهددة بالخلع في أية لحظة ، لا يتقلص عدد سكان غزة بل كل العرب ينزلون نحو القسم الأسفل من الهرم الغذائي بمعية الطحالب والبلانكتون والخلايا الأولية ، هذه هي متممات المعجزة ولوازم الملحمة الجارية والقادمة لمن فيه بقية من عقل أو قدرة من تفكير.
أريد في نهاية كلماتي ألا تقولوا بأنني كاهن أومسَّـه بعض الآلهة بســوء فهذا أثمن وأهم من كل تحليل سياسي ورؤية ثاقبة لمجريات المعركة ، أريد ألا تخافوا وتناثروا في زهور غزة وبداية رحلة الانقلاب العربي ، أريد بأن أطمئنكم بأن كل عوامل الإضعاف والتخويف ذائبة وزائلة بنسبة كاملة مكتملة ، أطمئنكم بأن خطة إغراق الأنفاق هي ورقة مفلسة أخرى من خزان الفشل الكبير الذي يحتفظ به بايدن ونتانياهو وستنتهي بالفشل الذريع لأن إطلاق الصواريخ لن يتوقف والقتال في الشوارع لن يتوقف وصفارات إنذارهم لن تتوقف عن الدوي وأبو عبيدة سوف يستمر في إذاعة البلاغات ، الغارق الحقيقي هو المجرم بادين ونتانياهو وعصابتهما الذين هم في ورطة لم ولن يعرفوا كيف يخرجوا منها بجرائمهم وتورطهم في غزة بخسائر فادحة وقتلى أكثر مما تتصورون .
أريد بأن أطمئنكم بأن خطة التهجير لا تختلف عن خطة بيع حبتين من البرغر بسعر حبة واحدة وستنتهي بفشل وهزيمة قاسيتين لأن شعبنا كَبُر كثيرا مع الألم وانشق القمر وأزفت الساعة واقترب القدر ، الذي سيخضع لمشروع التهجير هو شعب الكيان المغتصب الذي يُحظر عليه اليوم دخول ثمانين بلدا في العالم خوفا وجبنا ولا يعرف كيف يهرب من جحيم (اسرائيل) ، أريد أن أطمئنكم بأن كل عائلة في غزة ستعيد إنتاج الجيل الجديد الذي سيعوض كل ما خسرناه وكل ما فقدناه من الأحباء ، أريد أن أبشركم بأن المجرم بايدن وعصابته الصهيونية لن يفلت وستتحول غزة العظيمة إلى لعنة عليهم ومحاكمات ومطاردات ولن ينتهي الزمان قبل أن ننال منهم نيلا عظيما .
أريد أن اطمئنكم بأن نصر المقاومة هو حق كما ترون كلماتي هذه بأم أعينكم ثقة لا ريب فيها لأن الله لايضيع أجر المحسنين ، هل يعقل أن ينتصرحزب الشيطان الذي يحارب الله بالمثلية واستباحة الدماء البريئة ؟ هل فقدنا إيماننا بالله ورسله وكتبه وملائكته لنسلم أنفسنا لهؤلاء المجرمين ؟ هل يُعقل بأن شياطين الأرض الذين وهبهم الله المهلة إلى الوقت المعلوم سيهزمون الوهابَ القدير المانح ؟ هل يعقل أن المستكبرين في الأرض سيهزمون المستضعفين وقد وعدهم خالق الخلق بوعده الذي لا يخلف وعده ؟ هل يعقل أن سادة الزمان والميزان سيُهزَمون على أيدي حثالة الخلق وأرذل ما أخرجت الأرض ؟ …. لا يا سادتي …حاشــا لله ذلك ، لا يمكن أن يكون هذا لأننا نتيقن ونعلم علم اليقين بأن هؤلاء تحرسهم جنود الرحمن وقلوب العباد الصالحين ، صدق من صدق وكذب من كذب .
نحن لن نموت يا أصحاب التابوت ولتَسّْلَم السواعد التي ترمي النار من بين الحطام ، نحن لن نتحول إلى رماد في فضاء النسيان يا أسياد العار وقِصار القامة ولتعش الأيدي التي تضرب الياسين في أرض الرياحين ، نحن نرفض أن نموت يا قتلة الهنود الحمر لأن شجر الزيتون في فلسطين أكبر من اعماركم ولتسلم اليد اليمنية العربية التي أوفت نداء البحر الأحمر ، نحن لن نموت يا ملوك القار وًسلمتِ أيتها اليد التي ترمي القسام والعياش والإم 90 وتمسح الغبار عن الشمس ، نحن سننتصر وستصرخين أيتها الفلسطينية قرب الجسد الشهيد : إنا هنا باقون منتصرون ! .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …