الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / عن مؤامرة القرن!

عن مؤامرة القرن!

المهندس سليم البطاينه*
ماذا نُسمي هذا الزمن الذي تعربد فيه إسرائيل كيفما تشاء، ونحن في حالة اللافعل والفُرجة على الموت، ليخبرني أحد في أي زمن نعيش نحن؟ وما تاريخ اليوم؟ ومن أين لنا بكل هذا العجز والخنوع؟
للأسف هذا هو عنوان المرحلة، دول وظيفية عاجزة وجبانة فقدت كل شرعية لها، وبدت كأنها خارج الخدمة لا صوت لها، لجأت الى الصهيونية واستسلمت ودفعت لها بحثاً عن الحماية، وكأن الزمن لم يتحرك يوماً ليُغيّر من مواقف تلك الانظمة التي تستند اليها إسرائيل في مواصلة مجازرها وتطهيرُها العرقي للفلسطينيين.
وهذا ما تفاخر به الكاتب والصحفي البريطاني Gordon Thomas في كتابه جواسيس جدعون Gideon Spies الذي نُشر عام 1998، (ما كان لإسرائيل ان تحقق انتصاراتها لولا تضامن زعماء عرب معها،)
نعم، إسرائيل لا تخاف شيئاً لإدراكها التام بعدم وجود رد فعل عربي مناسب لأفعالها، وهي تعيش أفضل لحظات تاريخِها منذ قامت، والكُلّ يطلب ودها، ولا أحد يريد ازعاجها، وأمريكا لا تحترم العرب ولا قادتها بل يعتبرون المنطقة بازاراً يسوّقون فيه ما يشاؤون، وأولويتها المطلقة هي إسرائيل، ولا مصالح تُخدم حين تتعارض مع مصالحها.
وزير الخارجية الامريكية (انتوني بلينكن) قدّم العصا على الجزرة في جولاته المكوكية بداية حرب غزة، وعرض خطوطاً عريضة لما هو قادم بشكل واضح وصريح، وهي خطوط قائمة على تصفية القضية الفلسطينية من أساسها، وتهجير سكان غزة واجبارهم على ترك مساكنهم مقابل عروض سخية وحوافز اقتصادية، وتخفيفٌ من أعباء ديون البلدان التي ستقبل توطينهم لديها.
المشهد ليس عادياً، ولا يختلف عاقلان ان دول المنطقة تعيش اليوم أتعس حالات تاريخها وأخطر مراحل وجودها، وقد يكون آخر مراحلها، والمؤشرات امامنا لا تحتاج محللاً عبقرياً كي يقرأها، فهي واضحة للجميع، إلا من كان في غيبوبة عدم الفهم، وعملية تركيع الفلسطينيين في فلسطين والأردنيين في الاردن تسير وفق ما هو مخطط لها لصالح القبول بما هو قادم، فـ هناك ما يُشير في الكواليس أن شيئاً يُعدّ له بصمت، وصار في الامكان الحديث عن وجود خارطة سياسية وسكانية جديدة في المنطقة.
الديموغرافيا تُغيّر الجغرافيا، والمنطقة مقبلة على مرحلة عدم يقين تحتاج لدرجة عالية من اليقظة لتجنب انزلاقات لا يحمد عقباها، ومفهوم الجغرافيا في المنطقة فقد كثيراً من تأثير تداوله المكاني، وأصبح مجالاً مفتوحاً ومُركباً له تأويلاته المتعددة،، والخطط الإسرائيلية لا تتقادم، وهي تسير في طريقها مهما كانت العقبات، واسرائيل على استعداد لإزاحة أو تصفية من يقف في طريق تنفيذ تلك المخطّطات، فالذي يحدث هو بمنزلة جبل الجليد الذي يُخفي الكثير خلفه من مفاجآت واحداث غامضة تحاك في الخفاء لا يمكن لنا تحديد وقتها او رسم ملامحها، وكل ما تفعله اسرائيل على الارض يذكرنا بكلمات المؤرخ البريطاني ( Frederick Taylor ) انه: بعد الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ تم تثبيت الحدود وتهجير الشعوب.
الذي يجري في غزة سيجري قريباً على الضفة الغربية، ولهذا أعدت اسرائيل قبل سنة تقريباً خرائط جديدة لأراضي الضفة الغربية وملكياتُها عن طريق العودة الى القيود العقارية في الفترتين العثمانية والبريطانية، ووضعت أُسسًا سياسية وتنفيذية لمخططات تهجير سكان الضفة الغربية باتجاه الاردن كما حصل في فلسطين التاريخية بين خريف عام 1947- وربيع 1948 عندما وضعت منظمة (الهاجاناه) خطة سُميت وقتها بخطة دالت ( Plan Dalet ) والتي تم نشرها في مجلة The Middle East Forum البريطانية عام 1961، كان الهدف منها السيطرة على اكبر مساحة ممكنة من الاراضي الفلسطينية وفرض سياسة الامر الواقع على الارض وعلى جميع الاطراف، وهذه الاستراتيجية وضعها أصلاً (بن غوريون) عام 1947، كان عنوانها الرئيس هو: (في كل هجوم يجب توجيه ضربة حاسمة تؤدي إلى تدمير المكان وطرد سكانه والاستيلاء على منازلهم ).
على ما يبدو أن هناك حالة من اللعب في الوقت الضائع، والحديث عن نظرية المؤامرة هذه الايام يتطلّب الكثير من الشجاعة، وهذه ليست دعوى للتفسير التآمري، وإنما مناسبة للتفكير المتشكك في كل ما جرى ويجري الان، والحديث عن مستقبل قطاع غزة بعد الحرب يشبه الى حد كبير ما حدث قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، في الاجتماع الذي عُقِدَ في فندق Dumbarton Oaks القريب من العاصمة الامريكية واشنطن دي. سي في ايلول 1944، والذي سبق اجتماع ستالين وروزفلت وتشرشل في جزيرة القرم لوضع ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لآءات الملك ما زالت قوية جداً على الارض والموقف الاردني الرسمي متشدد للغاية إلا أن الوضع في غاية الخطورة لما تخطط له اسرائيل استجابة لعقلها الصهيوني المدمر، فأي ضغط او تغيير في الموقف الاردني بشأن القبول بالقادم يعتبر انتحاراً سياسياً للدولة والنظام، وستتحول مشكلة الفلسطينيين الى مشكلة اردنية، وسيواجه الاردن تحديات خطيرة في استقراره، وسيرهن منظومته الامنية، وسيتحول كل شيء ضده في أي لحظة.
منذُ سنوات ونحن نصرُخ ونُحذّر من المخططات الصهيونية التي تُشكل تهديداً لوجود الاردن كدولة ونظام، فـ لدى الاردن تقليد اعمى في منح ملاذ للاجئين وصل نقطة التشبّع في استيعاب أياً كان، ومربط الفرس الصهيوني هو ما ستطلبه امريكا من الاردن والذي هو اكبر من طاقته ومن الاستحالة تلبيته، وهو طلب مفخخٌ سياسياً واجتماعياً وامنياً.
المنطقة على صفيح ساخن وعلى الاردن ان يقلق على مستقبله من معاكسة المتغيرات الدولية والاقليمية وارتداداتها الغير محتملة، ومن مصلحته عدم الانخراط في اية استقطابات قادمة، والخوف من تضييق هامش المناورة ومن تطويق الاردن وتعرضه لعملية ابتزاز (سياسي – اقتصادي – أمني) ليوافق على كل ما هو مطروح والمرتبط بالمساعدات المقدمة له من الولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب.
الخوف من تناقض إغراءات البدايات مع حقيقة النهايات، ولا عزاء لمن ينتظر الاخلاص الامريكي والعشق الاسرائيلي، فإخلاص وحب كهذا لا يصلحُ الا في قصص الف ليلة وليلة.
*كاتب اردني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …