▪︎بقلم/ فيصل مكرم
▪︎ الأوروبيون لا يثقون بنوايا واشنطن حيال التصعيد العسكري في البحر الأحمر، ما جعلهم يُقدِمُون على تشكيل تحالف أوروبي مستقل عن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا لمواجهة تهديدات جماعة أنصار الله «الحوثيين» الذين يؤكدون بأن عملياتهم في مضيق باب المندب والبحر الأحمر تهدف إلى منع السفن الإسرائيلية من عبور البحر الأحمر ومنع السفن المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة من العبور إلى تلك الموانئ بالقوة حتى يتم وقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي والسماح بإدخال كل المساعدات الإنسانية التي يحتاجها سكان القطاع، ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي تخشى من تضخم كرة الثلج وتحطمها في المنطقة خاصة وأن جماعة أنصار الله «الحوثيين» مصممون على تحدي التحالف الأمريكي البريطاني بما يسمى حراس الازدهار واستهداف أي تحالفات أخرى في البحر الأحمر تدعم إسرائيل، ويؤكدون بأنه ليس لإيران دور أو علاقة بقرارهم النابع من عقيدة إيمانية إسلامية وعربية وإنسانية ووطنية تستوجب نصرة الشعب الفلسطيني ودعم حقه في المقاومة وتقرير مصيره على أرضه المحتلة، ورغم الضربات التي تنفذها أمريكا وبريطانيا على ما تقول بأنها مواقع وقواعد للصواريخ والطائرات المسيرة للحوثيين داخل الأراضي اليمنية التي تخضع لسيطرتهم إلا أن الحوثيين اعتبروها عدوانًا يستوجب الرد عليه بإدراج السفن التجارية والعسكرية الأمريكية والبريطانية التي يعج بها البحر الأحمر في قائمة أهدافها، وفيما تستمر حكومة الحرب الإسرائيلية في ارتكاب جرائم الإبادة في غزة اتكالًا على دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته، وعدم التفات نتنياهو إلى الدعوات الأممية والأوروبية والعربية والإنسانية بضرورة وقف الحرب في قطاع غزة كشرط ملح للبدء في عمليات توزيع المساعدات الإنسانية والطبية وإعادة النازحين إلى منازلهم والشروع في تسوية سياسية مع الفلسطينيين، فإن حالة التصعيد في منطقة البحر الأحمر ستستمر، وما تخشاه معظم دول الاتحاد الأوروبي أن ينجح نتنياهو في استدراج واشنطن إلى صراع إقليمي قد يزج بها هي الأخرى في أتونه، وبالتالي رأت هذه الدول التحرك بمفردها لجهة التواجد العسكري في البحر الأحمر لحماية مصالحها، وسبقتها فرنسا التي تتواجد لها قطع بحرية بداعي حماية وتأمين سفنها التجارية، ولم تشارك حتى الآن في الهجمات الأمريكية والبريطانية على مواقع أنصار الله «الحوثيين»، في حين كان البرلمان الأوروبي صوت بالأغلبية الأسبوع الماضي على قرار يطالب إسرائيل بوقف الحرب بشكل كامل وإدخال المساعدات لسكان قطاع غزة، غير أن حكومة الحرب لم تعره اهتمامًا، ولا تتوقف مخاوف الأوروبيين من توسيع الصراع في منطقة الشرق الأوسط – التي تشهد عديد أرجائه توترات وحروبًا مشتعلة بالفعل – في ظل قيادة الرئيس بايدن، وإنما لمخاوف أخرى تتعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية واحتمال فوز الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب والذي يكن للاتحاد الأوروبي ضغينة تعود إلى أواخر فترة رئاسته الأولى ذلك أن الأوروبيين يتوقعون من ترامب في حال فوزه على بايدن مواقف انتقامية وانفعالية قد يستعد فيها حلفاؤه الأوروبيون للمشاركة في إدارتها إذ يصعب التكهن بكيفية تعاطي ترامب حيال كل القضايا الساخنة حول العالم بما فيها أوروبا والشرق الأوسط.
▪︎والحاصل أن دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمها فرنسا وألمانيا وبلجيكا ليس في واردها الانخراط في تحالفات طبيعتها عسكرية تقودها واشنطن إذ لديها مخاوفها ومقاربتها لجهة التعاطي معها بمعزل عن الوصاية الأمريكية، ويتضح مدى مخاوف الاتحاد الأوروبي من مستقبل تتحكم في دفته واشنطن سواء برئاسة بايدن أو ترامب يجعل منها رهينة لتلك القيادة ولا يمكنها الفكاك منها خاصة وأن برلين تعمل على مشروع بناء قوة أوروبية مستقلة عن النيتو لمواجهة حرب محتملة مع روسيا حيث تتوقع انتصارًا ساحقًا للجيش الروسي وسيطرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا مع نهاية الصيف المقبل وانطلاقًا من قاعدة أن المنتصر يطمع في المزيد.
*نقلا عن جريدة الراية
fmukaram@gmail.com
@fmukaram