د. حسين موسى اليمني*
دون ربط السياسة بالإقتصاد يصعب علينا تحليل الواقع الإقتصادي والسياسي ، ومعرفة التفاصيل وإيجاد الحلول .
هذا الوطن الكبير الغني بموارده الإقتصادية لن يستطيع أن يبني أي إستقرار إقتصادي في ظل عولمة الإقتصاد العالمي بأهدافه الحالية ، وفي ظل تأثير الدولار الأمريكي على العملات الوطنية ، وتدخلات البنك الدولي في رسم السياسات الإقتصادية للدول النامية وهذا ما رأيناه جلياً في تأخير صندوق النقد الدولي من منح القرض الربوي المقدر ب 3 مليار دولار حتى تحقق مصر شروط الصندوق الدولي ، وبعض هذه الشروط تنازلات سيادية أو تغييرات في المناهج التعليمية ، أو فرض إستثمارات تولد الإنحلال الديني ، أو منح الحقوق للشواذ و..الخ
كما طالبت مديرة صندوق النقد الدولي من مصر بتخفيض قيمة الجني المصري بأسرع وقت ممكن. علماً أن هذا الاجراء من ناحية إقتصادية غير صحيح ، ويسعى إلى تحقيق الهدف الحقيقي من الإزمة الإقتصادية وهي زيادة التضخم ، وعدم الإستفادة من المرحلة الإنتقالية ، حيث أن الدول المتقدمة تسعى لإيجاد بيئة تضخمية مفتعلة في بعض الأحيان للإستفادة منها ومن توفير السيولة المناسبة ، ولكن هنا يجب أن نتوخى الحذر ، لأن سوء إدارة هذه المرحلة سيجعل من الصعب معالجة التضخم وبالتالي فقدان العملة الوطنية لقيمتها الشرائية مع زيادة ملحوظة في الأسعار ، ناهيك على ذلك تعويم العملة سيؤدي الى نفس النتائج وبزيادة مستمرة في الأسعار
إن المعضلة الكبرى التي تواجه الإقتصاد المصري هي العجز في الميزان التجاري حيث يقدر خلال العام المنصرم ب 31 مليار دولار ، وهذا يعني أن الواردات السلعية أعلى من الصادرات السلعية علماً أن الإقتصاد المصري يعتمد على المداخل الريعية والتي تقدر ب 50% من اجمال الإيرادات الدولارية
وهذا يعني أن الدولار بحد ذاته هو المعضلة الأساسية والسبب الحقيقي في زيادة التضخم لقلة ضخ الدولار في الأسواق ، حيث لجأ الناس الى شراء الذهب والعملات الأجنبية خوفاً من إنهيار الجنية و فقدانهم ثرواتهم ، و المحفز الرئيسي لمثل هذه الأعمال هي الأعمال الباطنية والتي يقوم بها مجموعة من أصحاب الأموال والمتنفذين في الأسواق بسحب الثقة بالعملة الوطنية ، وبالتالي إعطاء الضوء الأخضر لكل المستثمرين بسحب الدولارات والعملات الأجنبية ، والتخلص من العملة المحلية ، وما أن يقوم بهذا العمل مجموعة من المتنفذين حتى يتهاوى السوق ويصبح كنظام الخرز أي كخرز المسبحة يتبع بعضه بعضاً بسرعة ووتيرة عالية ، وهذا ما لاحظناه في الآونة الأخيرة في الإقتصاد المصري
السؤال الذي يطرح نفسهُ هنا : من يقف وراء هذه اللعبة الإقتصادية القذرة ولماذا؟
من أسرار النظام الإقتصادي العالمي التحكم في نسبة التضخم وإختلاق الأزمات الإقتصادية ، ومن ثم طرح الحلول ، وطرق الحل مرتبطة بمقدار التنازل السياسي والأخلاقي الذي تقدمه الدولة ، وهذا ما تم توضيحه قي برتكولات حكماء صهيون قبل قرن ونصف من الزمان ، وما زالت ألاعيبهم هي نفسها رغم التقدم العلمي ، ولكن الطريقة واحدة والأفراد والجماعات والمؤسسات هي المتغيرة ! وإستغلال الأزمة الإقتصادية وتغذيتها في الخلافة العثمانية كانت سبب من أسباب سقوط الخلافة ووقوع العالم العربي تحت الإستعمار واستطاع الاحتلال الصهيوني بناء عدد كبير من المستعمرات في فلسطين وهي تحت حكم الخلافة العثمانية وكانت أول مستوطنة يتم بنائها عام 1870 وهي مستوطنة مكفا اسرائيل .
وحيلة أخرى قامت بها عائلة روتشيلد في الحرب بين انجلترا وفرنسا ،حيث باعت العائلة كافة أصولها وأسهمها لإيهام أصحاب الأموال بأن إنجلترا خسرت الحرب ، وكان البيع بأسعار منخفضة لتقوم العائلة ومن خلال مستثمرين آخرين أو ما يسمى التعاقد بالباطن بشراء الأسهم والأصول ، والنتيجة كانت عكس التوقعات و إنتصرت إنجلترا في الحرب ، وقام الإنجليز بإعادة شراء الأصول بثلاثة أضعاف سعر البيع ، مما أدى إلى تحقيق أرباح ضخمة و زيادة ثروات عائلة روتشيلد.
والآن معظم العملات الأجنبية التي تم سحبها من السوق المصري وخاصة الدولار لا نستبعد وقوف الإحتلال الصهيوني ورائه، وذلك من خلال التعاقدات الباطنية ، بسحب الدولارات خارج مصر لتحقيق مجموعة أهداف منها .
– إفتعال أزمة إقتصادية في مصر وخلق بيئة طاردة للإستثمار
– ضمان السيطرة والتحكم في الإقتصاد المصري
– تحقيق أرباح وثروات إقتصادية هائلة .
– بلورة العلاقات الإقصادية الدولية وإستخدامها لإنهاء هذه الأزمة بما يناسب الكيان الصهيوني والدول المتنفذه ، ويكون ذلك من خلال تقديم العلاج والحلول بضخ العملات الأجنبية وزيادة المستثمرين الباطنيين (اي الإقتصاد الصهيوني ) وتسريع الحصول على القرض الربوي من صندوق النقد الدولي ، ولكن هذه الحلول لا تتم إلا من خلال تنازلات سياسية كبيرة ! بل تنازلات سيادية تتيح للإحتلال الصهيوني تمديد فترة وجوده في فلسطين المحتلة وسيطرته على الشرق الأوسط إقتصادياً وسياسياً لأطول زمنٍ ممكن ! وخاصة أن مصر هي شريان العالم العربي ، وأيضا مقدار المديونية الذي تجاوز 165 مليار دولار هو أيضا يستخدم للمساومة وربما يتم اسقاط هذه الديون اذا كانت التنازلات كبيرة مثل فتح سيناء للفلسطينيين أو غيرها من الفوائد التي تخدم المصلحة الصهيوأمريكية .
وغير ذلك يعني زيادة الركود الإقتصادي في مصر ومع تأخر الحلول تصاعدت المشكلة الأقتصادية بسبب فقدان العملات الأجنبية ، حيث أن معظم أرباح الإستثمارات الأجنبية توجهت للخارج بسبب التعاقدات الباطنية أو الخوف من زيادة الإنكماش والركود الإقتصادي والذي وصل فعلاً الى درجة الركود التضخمي.
إلا أن الحلول الحقيقية هي بزيادة الصادرات على الواردات ، وتحويل الميزان التجاري من سالب الى موجب ولا يكون ذلك إلا بزيادة الإنتاج وأيضا الخطوة الأخرى والأكثر فعالية تطبيق شرع الله عز وجل وتحريم ما حرمه الله وهو الربى والحل يكمن في تخفيض الفائدة الى صفر وتشجيع القروض على مبدأ المرابحة وتقاسم البنوك الارباح مع المستثمرين وكذلك الخسارة ، وحين اذن ستجد أن هناك زيادة ملحوظة في الإستثمارات ، وبالتالي زيادة الإنتاج ، ومع كل زيادة في الإنتاج يتبعها زيادة في أعداد العاملين والموظفين ، مما يؤدي الى إنخفاض البطالة الى أدنى مستوياتها ، وأخيرا زيادة العرض الكلي بأضعاف مضاعفة مع زيادة في الطلب الكلي بنفس الوتيرة ، وتتكرر العملية والمؤشرات ستستمر بالإرتفاع ، وهذه بدورة سيجلب إستثمارات اجنبية أخرى وزيادة ملحوظة بالعملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية ، وسيستطيع البنك المركزي التحكم بحجم عرض العملة الوطنية بالزيادة أو النقصان بما يناسب المرحلة والمشاريع الإستثمارية التي تسعى اليها الدولة.
هذا كله دون أي تدخلات من صندوق النقد الدولي أو خبراء إقتصاديين يُسوقون الحلول التي تخدم الأجندة الخارجية وتضمن إستمرارية المديونية وبالتالي العبودية للغرب وكأننا نعمل في مؤسسات الأمم المتحدة والدول المتنفذه بأجور زهيدة ونسبة فقر عالية .
الله عز وجل طلب من بني اسرائيل أن يدخلوا الباب فقط ، فاذا دخلوه فانهم غالبون ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )لمائدة 23
وكأن الخطاب موجه لنا الآن ابدأوا بالحلول وتوكلوا على الله ، ولا تحاربوه بأكلكم الربى ولا تتخذوا الكافرين أولياء ، وبعدها ستجدون تغيراً عجيباً يعجب منه أهل الأرض .
ولا ننسى أن عدد السكان الكبير في مصر هو من أهم مقومات ليس النمو الإقتصادي فحسب بل كفيل بتحقيق تسارعاً إقتصادياً خارقاً يقلب المنطقة رأساً على عقب ، بشرط القدرة على إستخدام الطاقات البشرية والإستفادة منها بأقصى مستوى ، لا أن تكون عالاً على الإقتصاد الوطني كما يريده الإحتلال الصهيوني .
والله من وراء القصد وآخر دعوانا ان الحمد الله رب العالمين
*كاتب وباحث في العلاقات الدولية الاقتصادية.
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …