بقلم/ فيصل مكرم*
▪︎ أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو بأنه أصدر توجيهاته إلى قيادة جيش الاحتلال بأن يستكمل الترتيبات، لتنفيذ عملية عسكرية لاجتياح مدينة رفح المكتظة بنحو مليون ونصف المليون فلسطيني، نزحوا من شمال ووسط وشرق وغرب قطاع غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي في الثامن من أكتوبر الماضي، حيث قتلت نحو ثلاثين ألف فلسطيني وجرحت نحو سبعين ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء في أكبر جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ المعاصر، ما يعني أن حكومة وجيش الكيان المُحتل يستعدان لارتكاب مجازر جديدة وسفك الدم الفلسطيني أمام المُجتمع الدولي وأنظار العالم بأسره، يقول البيت الأبيض في واشنطن: إن إقدام إسرائيل على هذه الخطوة ستكون له نتائج كارثية على الصعيد الإنساني وكثير من الدول الكبرى، التي عبرت عن شعورها بالقلق لجهة ما تنويه إسرائيل في مدينة رفح، الملجأ الأخير لغالبية سكان قطاع غزة الذين يتكدسون في مخيمات تفتقد لأبسط الاحتياجات الإنسانية، ومهددون بالمجاعة والأوبئة الفتاكة والموت البطيء، وبات جليًا أن حكومة الاحتلال تسعى إلى خنق الفلسطينيين وإجبارهم على ترك بيوتهم وأراضيهم في القطاع، وممارسة المزيد من الضغط على كتائب المقاومة، وإجبارها على الاستسلام دون اعتبار لنتائج ما ترتكبُه إسرائيل من جرائم حرب أو اتساع رقعة الصراع في المنطقة والشرق الأوسط، ضاربة بكل القوانين الدولية والعدالة الإنسانية وتحذيرات واشنطن عرضَ الحائط.
▪︎وكثيرًا ماعبرت هذه الدول عن قلقها مما تقترفه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وكم حذرت من نتائجها الكارثية، غير أن إسرائيل تستمر في كوارثها وأفعالها الشيطانية وتستمر واشنطن في الدفاع عنها ونسيان مخاوفها وقلقها وتحذيراتها، لأن واشنطن وحدها تمتلك الأدوات والوسائل التي يمكنها بها الضغطُ على حليفتها الكبرى في الشرق الأوسط، لكن هذه الأدوات والوسائل تغط في سُبات عميق في دهاليزَ مُعتمة لمؤسسات صنع القرار الأمريكي، ولا يجوز حتى مجرد التفكير في التلويح بها في وجه حكومات إسرائيل المُتعاقبة حتى وإن تمادت إسرائيل في الإضرار بمصالح أمريكا وعلاقاتها الدولية ومصالحها في الشرق الأوسط، والتزاماتها الإنسانية بالدفاع عن حقوق الإنسان، والعدالة الدولية التي تتباهى بأنها من يدافع عنها، ويعمل على فرضها في كل مناطق الصراع في العالم، باعتبارها زعيمة النظام العالمي الجديد، والقطب الأوحد في قيادة العالم نحو مبادئ لا تجد غضاضة في التغاضي عنها عندما تكون إسرائيل هي من ينتهكها يوميًا، ولا تتوقف عند قلق سيد البيت الأبيض أو تحذيراته. وكما هو حاصل اليوم فإن البيت الأبيض يشعر بالقلق، ويحذر من عواقبَ كارثية إذا ما أقدمت حكومة الكيان على اجتياح مدينة رفح وفي نفس الوقت ترفض مطالبة نتنياهو بوقف الحرب لدواعٍ إنسانية، وتريد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، بالتزامن مع إعلان نتنياهو عزمه على ارتكاب جرائم ومجازر في رفح يناقش الكونجرس صفقات أسلحة متطورة لإسرائيل دون قيود أو شروط عادةً ما تفرضها على شركائها في أوروبا وحلف الناتو.
▪︎والحقيقة أن واشنطن في تعاطيها مع كل الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط تنطلق من مصالح إسرائيل وما يُبقيها متفوقة على محيطها العربي والإقليمي، بدواعي حماية مصالح أمريكا ونفوذها في هذه المنطقة المُهمة والمضطربة من العالم، وهذا المفهوم جعل واشنطن مرتبكة وغير ثابتة في التعاطي مع الدول التي ترتبط معها بمصالح استراتيجية، خاصة دول الخليج العربي ومصر وبقية الدول التي لا تُكن عداءً لواشنطن أو الغرب عمومًا وتحرص على تعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية مع واشنطن وحلفائها الغربيين ومع ذلك يسمع الأمريكيون ما يقوله نتنياهو بكل حواسهم ويسمعون من العرب بأذن واحدة غالبًا ما تكون صنجاء، وتدرك واشنطن والعالم بأن المشروع الإسرائيلي للاحتلال يقوم على أسس دينية وعقائدية متطرفة، للقضاء على الشعب الفلسطيني وإغلاق ملف قضيته العادلة في العيش بسلام على أرضه، ونيل حقوقه المشروعة وليس من العدل أن تستمر سلطة الاحتلال في سفك الدم الفلسطيني دون محاسبة ولا رادع، وها هو نتنياهو وحكومته المتطرفة يعملان على تحقيق المشروع الإسرائيلي مُحتَمِيًا بالدولة الأعظم، التي إن عبَّرت بين حين وآخر عن قلقها أو أصدرت تحذيرًا على استحياء، فإن ذلك يتم من باب رفع العتب.
*عن جريدة الراية
fmukaram@gmail.com
@fmukaram