اسيا العتروس*
عشرة أيام فصلت بين الهجوم الاسرائيلي على قنصلية ايران في العاصمة السورية دمشق و بين رد الفعل الايراني و استهداف قواته كيان الاحتلال بعشرات المسيرات و الصواريخ ليلة 13 افريل التي خيم خلالها الوجوم و الترقب على العالم و اغلق اكثر من بلد مجاله الجوي و توقفت حركة الملاحة الدولية لاول مرة كما حدث في هجمات 11 سبتمبر ..اكثر من اثنين و سبعين ساعة فصلت ايضا بين كشف ايران نواياها القيام بمهاجمة اسرائيل و بين تنفيذ العملية التي تاتي بعد اعلام واشنطن عبر الوسيط السويسري بالامر ..و هو ما يحيلنا الى مسألة مهمة ان ايران تجنبت عنصر المباغتة و المفاجأة في العملية و هي من العناصر المطلوبة لنجاح أي عملية عسكرية …و الارجح ان ايران ارادت من هذه العملية جس النبض و توجيه رسائل لاكثر من طرف سواء في الداخل انقاذا لماء الوجه و لمصداقيتها امام الراي العام الايراني و لمنتقدي النظام الايراني الذي يعتبرون انه اسد في مواجهة ابنائه و ارنب في مواجهة الاعداء ..و اخرى ايضا الى دول الجوار حيث تنتشر القواعد الامريكية في المنطقة و لاسرائيل و امريكا و من يقفون في صفها بأن ايران لديها خيارات و امكانيات و قدرات لرد العدوان و هي ترفض اخضاعها لمزيد الاختبارات ..
بعيدا عن التهوين بما حدث و بعيدا عن التهويل ايضا فان الرد الايراني يفترض اكثر من قراءة و على اكثر من مستوى و قد اعلنت ايران ان ما قامت به جاء في اطار الدفاع المشروع عن النفس ووفق ما اقره البند 51 من ميثاق الامم المتحدة الذي وضعته القوى الكبرى المتنفذة في مجلس الامن, و ذلك على خلفية تعرض قنصليتها في دمشق الى هجوم اسفر عن مقتل سبعة عشرة شخصا بينهم قيادات عسكرية كبيرة و لم تشر ايران في أي مرحلة من المراحل الى انها تحرك ردا على ما يجري في غزة من ابادة …
كما شدد الجانب الايراني على انه لو اتخذ مجلس الامن قرارا بادنة ما حدث لما كان ذهب الى تنفيذ تهديداته و تحريك مسيراته …
طبعا يبقى تقييم نتائج العملية الايرانية مسألة دقيقة تحتاج لمعرفة عسكرية و هذه مسؤولية الخبراء العسكريين ,تماما كما أننا لسنا في اطار التقييم ايضا لنوعية و فعالية الاسلحة المستعملة فهذه مسالة تحتاج للخبراء العسكريين للتوضيح لماذا استعمت ايران جيلا قديما من الصواريخ و لم تلجا للاستعمال احدث الصواريخ لديها و هل ان ذلك يتنزل في اطار الانضباط التي الزمت به ايران في ردها على استهداف قنصليتها و مقتل عسكرييها ام ان الامر يتعلق بمحاولة لجس النبض قبل الانسياق الى معارك اخرى … تصر اسرائيل و معها حلفاءها الذين اشتركوا في التصدي لهجماتها على ان الهجوم كان اقرب للاستعراض و اشبه بالالعاب النارية وأنه قد تم اعتراض تسع و تسعون بالمائة منها علما و ان اسرائيل دأبت على التعتيم على خسائرها و اخفائها و التقليل من شأنها في أي صراع كان ..في المقابل تصر المصادر الايرانية على أن مسيراتها استطاعت بلوغ اهداف مهمة داخل كيان الاحتلال و من ذلك قاعدة نيومين التي انطبق منها الهجوم على القنصلية الايرانية في سوريا …
لقد تجاهل العالم قبل و بعد استهداف القنصلية الايرانية في دمشق انه لا يكاد يمر يوم دون أن تخترق طائرات الاحتلال الاجواء السورية و تستهدف التراب السوري و تتسبب في مقتل و اصابة و تدمير اهداف في بلد عربي عضو في الامم المتحدة و الجامعة العربية و المؤتمر الاسلامي …و بلغ التطبيع بالاعتداءات على سوريا انه حتى بيانات الادانة الجوفاء لم يعد له ذكر..
كيف سيكون الرد الاسرائيلي ,و هل سينضبط ناتنياهو لتحذيرات الحليف الامريكي بعدم تاجيج حرب جديدة في المنطقة ؟
سيكون من الصعب التكهن بما يدور في رأس ناتنياهو في ظل الانقسامات الكبيرة في الحكومة الاسرائيلية و المجلس الحربي و دعوات غالنت و سموتريتس الى رد الفعل و عدم تفويت الفرصة …علما و ان ناتنياهو كان و لا يزال يخطط لجر ايران الى حرب مدمرة و يعد بنسف برنامجها النووي ..يمكن القول ان ايران توخت سياسة ضبط النفس و تعاطت بكثير من الهدوء مع العدوان الذي استهدف قنصليتها و برهنت انها قوة يحسب لها حساب في المنطقة و انها قادرة على حماية مصالحها …من الواضح ان ناتنياهو حتى اذا ساير المحاذير الامريكية و اختار الانحناء للعاصفة فقد بدأ حملة شرسة للاستثمار فيما حدث و استحضار دور الضحية في مجلس الامن الدولي و كان سفيره في مجلس الامن الدولي بارعا في التسويق للامر و هو يخاطب ممثل الجزائرو يستعرض فيديو امام المجلس مخاطبا الجزائر رئيس المجلس الحالي و يصور ايران باعتبارها الشيطان الاكبر والخطرالشيعي الاكبر الذي لا يهدد بازالة اسرائيل و لكن يهدد المسلمين و يستهدف الاقصى …و قد لا نبالغ اذا اعتبرنا ان الرد الانتقامي الاسرائيلي القادم سيتجه الى غزة لمواصلة المحرقة التي نسيها العالم خلال الساعات القليلة الماضية و ربما تشهد الساعات القادمة اجتياحا كاملا لمدينة رفح لتنفيذ المخطط الاخير و سيستفيد ناتنياهو طبعا من عودة نسق التضامن الغربي الاناني بعد العملية الايرانية ..
*كاتبة تونسية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …