الأحد , مايو 19 2024
الرئيسية / اراء / الأردن..هل دافع عن مجاله الجوي أم حمى إسرائيل؟

الأردن..هل دافع عن مجاله الجوي أم حمى إسرائيل؟

د. حامد أبو العز*
غالبا ما تختفي خطوط الولاء والخصومة في منطقة الشرق الأوسط ذات الصراع المستمر بسبب الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة باستمرار. وفي قلب هذه التعقيدات تقف إيران، الدولة الثابتة في التزامها بدعم القضية الفلسطينية ضد العدوان الإسرائيلي. وقد تجسد هذا الالتزام منذ اليوم الأولى لوصول قادة الثورة الإسلامية إلى الحكم إلى هذه اللحظة في أعقاب الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل ضد غزة، مما كشف عن عمق واستمرار انخراط إيران في مناصرة حركات المقاومة، وهو التزام يبدو بأنه لا يتزعزع ولا يتغير بتغير الظروف.
وفي خضم الإبادة الجماعية واسعة النطاق في غزة، كانت التوقعات عالية بين المجتمعات العربية والإسلامية لاتخاذ موقف موحد ضد إسرائيل من قبل القادة العرب والمسلمين. ومع ذلك، كان الواقع مختلفًا تمامًا. وبدلاً من الوقوف للدفاع عن المظلومين، بدا أن بعض زعماء المنطقة يقفون إلى جانب إسرائيل، خاصة بعد أن اتخذت إيران خطوة جريئة بشن هجوم انتقامي في الأراضي الإسرائيلية. لم يكن هذا الإجراء الذي اتخذته إيران مجرد رد فعل على الصراعات والاستهدافات الأخيرة التي تعرضت لها، بل كان استمرارًا لموقف طويل الأمد ضد العدوان الإسرائيلي على شعوب المنطقة ليس في فلسطين وحدها بل في لبنان وسوريا كذلك. ولم يؤد الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا من قبل القوات الإسرائيلية إلا إلى تأجيج هذه النار، التي ينظر إليها عالميًا على أنها انتهاك صارخ للقوانين الدولية والأعراف الدولية.
يجب التأكيد على أنه على مر السنين، سعت الإدارات الأمريكية، الجمهورية منها والديمقراطية، باستمرار إلى تشكيل تحالف شرق أوسطي مماثل لحلف شمال الأطلسي. وضعت الولايات المتحدة هدفاً علنياً لهذا الحلف وهو مواجهة التهديد الإيراني ولكن الهدف الحقيقي لتشكيل مثل الحلف كان حماية أمن إسرائيل الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة والطفل المدلل والوقح والمجرم للغرب. وعلى الرغم من المحاولات العديدة، ظل مثل هذا التحالف بعيد المنال، حيث عملت الديناميكيات السياسية والإقليمية في كثير من الأحيان على تقويض هذه الجهود خصوصاً بأن إيران والقوى الإقليمية مثل السعودية وصلوا إلى تفاهمات بأن الخلافات الإقليمية يمكن حلها عبر الحوار وليس عبر تشكيل التحالفات الأمنية التي تعقد الوضع بشكل أكثر. ومع ذلك، فقد جعلت الأحداث الأخيرة هذا الهدف الأمريكي أقرب إلى التحقيق، وإن كان بطريقة أقل رسمية مما كان متصورا في الأصل.
في ليلة السبت، حيث أشرقت سماء الشرق الأوسط بمئات الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية ضد إسرائيل، وحيث هدئت سماء غزة للمرة الأولى منذ سبعة أشهر، نفذت واشنطن حلمها بتشكيل منظومة دفاع جوي إقليمية لحماية أمن إسرائيل وتضمنت هذه الشبكة رادارات ومقاتلات نفاثة وسفن حربية وبطاريات دفاع جوي من إسرائيل والولايات المتحدة وست دول أخرى بينها الأردن، التي كانت بالفعل في حالة تأهب قصوى تحسبًا للهجوم الإيراني المتوقع. كان هذا النشر الهائل للقدرات الدفاعية الجماعية بمثابة لحظة مهمة من حيث تحقيق هدف أمريكا الطويل الأمد المتمثل في تعزيز التعاون العسكري الوثيق بين إسرائيل وجيرانها العرب.
وقد تم تعزيز فعالية هذا الدفاع بشكل كبير من خلال مساهمات الدول العربية، التي قدمت معلومات استخباراتية مهمة حول خطط هجوم طهران. هذه الدول، التي كان بعضها تاريخيًا معاديًا لإسرائيل، فتحت مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية، وتبادلت معلومات التتبع الراداري، وفي بعض الحالات، ساهمت بشكل مباشر بموارد عسكرية في الجهود الدفاعية.
ومما زاد من تسهيل تحقيق الأهداف الأمريكية هو القرار الاستراتيجي الذي اتخذه البنتاغون قبل عامين بنقل إسرائيل من قيادتها الأوروبية إلى القيادة المركزية، التي تضم معظم دول الشرق الأوسط الأخرى. كانت عملية إعادة التعيين هذه محورية، حيث سمحت بمزيد من التكامل العسكري تحت رعاية الولايات المتحدة وتعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية والإنذارات المبكرة عبر هذه الدول كل ذلك لحماية أمن إسرائيل من أي خطر يهددها.
في الحقيقة، قوبل الهجوم الإيراني المضاد بموجة من التضامن من المستخدمين المسلمين والمدافعين عن الفلسطينيين الذين رأوا فيه موقفًا ضروريًا ضد الأعمال العسكرية الإسرائيلية التوحشية في غزة. وعلى العكس من ذلك، فقد كشف هذا الرد ازدواجية الموقف الرسمي لبعض الدول العربية خصوصاً الأردن حيث تم اعتبار الموقف الأردني من هذا الهجوم متناقضا. فعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي توجهها الملكة رانيا إلى إسرائيل، ودعواتها إلى وقف إطلاق النار في غزة، فإن قرار الأردن باعتراض الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل يتناقض مع تصريحاتهم العلنية، الأمر الذي أدى إلى إثارة ضجة في أوساط المجتمع الإسلامي. إن عملية الاعتراض هذه، التي تم تصويرها على أنها إجراء لحماية المواطنين الأردنيين، اعتبرها الكثيرون بمثابة خيانة للعالم العربي والإسلامي والقضية الفلسطينية المركزية، وإعطاء الأولوية للتحالفات الجيوسياسية على الدعم الحقيقي لمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة.
تشكل الحرب الإسرائيلية على غزة تهديدا أكبر للاستقرار الإقليمي من أي تدخلات خارجية إيرانية أو غير إيرانية. ويمثل التدمير الممنهج لكامل قطاع غزة والتهجير القسري المحتمل الذي تنفذه إسرائيل بحق الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، تهديدًا خطيرًا للأمن والتوازن الديمغرافي في المنطقة. ويفوق هذا القلق بشكل كبير المخاطر المباشرة المرتبطة بالطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية، والتي تعتبر في نظر الكثيرين (ونحن الفلسطينيون منهم) جزءًا من المقاومة المشروعة ضد قوة احتلال.
وإذا ما أردنا أن نفهم كي ترى إسرائيل تصدي الأردن للصواريخ الإيرانية علينا أن نراجع الصحف الإسرائيلية حيث سنجد الكثير من المطالبات الداعية لتعزيز التحالف مع الأردن. ففي رد فعل الكاتب والمحلل الإسرائيلي أنشيل فيفر، على مساعدة الأردن لتل أبيب لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية ضد إسرائيل قال فيفر:”قد لا نعرف التفاصيل الكاملة للتعاون العربي في اعتراض الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار الإيرانية على إسرائيل لبعض الوقت، ولكن مما لا شك فيه، في قمة هذا التعاون، كان إغلاق المجال الجوي الأردني كبيرا للغاية وأنقذ حياة العديد من الإسرائيليين بالتأكيد”. وأما الكاتبة الإسرائيلية، نوعا لنداو فقد قالت بأن على بنيامين نتنياهو، ومؤيديه من اليمينيين والشعبويين، الاعتذار ليس من جو بايدن فقط، بل أيضا من النظام الأردني، بسبب الحماية التي وفرها من الصواريخ الإيرانية.
وفي الختام، فإن السرد الذي يروجه منتقدو الرد الإيراني يتجاهل السياق والهدف الرئيسي وراء هذا الرد والذي جاء في ظل قضية شعب يرضخ تحت وطأة الاحتلال والقمع والإبادة الجماعية. إن الرد العسكري الإيراني، أبعد ما يكون عن كونه عملاً منعزلاً أو يخدم مصالح ذاتية، بل هو بيان جريء في معركة طويلة الأمد من أجل العدالة والمقاومة ضد المحتل. وبينما تقف المنطقة على مفترق طرق من المواجهات يجب على الموقف العربي الرسمي تتبع الموقف الشعبي الواضح والصريح في دعم الشعب الفلسطيني ومحاولة وقف معاناته وكل ما عدا ذلك هو تعدي وتخطي للقيم العربية والإسلامية في الوقوف إلى جانب المظلوم ونصرة القضية العادلة والمحقة والمشروعة.
*كاتب فلسطيني وباحث السياسة العامة والفلسفة السياسية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

نتنياهو… ومعضلة اليوم التالي للحرب!

د.حسناء نصر الحسين* فيما ينشغل رئيس حكومة الكيان بالتفكير بمعضلة اليوم التالي للحرب وغياب استراتيجية …