السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / من يمكنه أن يصنع من الغبار وطنا؟!

من يمكنه أن يصنع من الغبار وطنا؟!

 

خالد شــحام*
لم يعد عداد الأيام والشهور مهما أو ذا معنىً في أرض غزة، لقد تمكنت المقاومة و الشعب من تحقيق معجزة طي الزمان واتساع المكان، أما نحن جميعا فأصبحنا داخل وعائنا الزماني مجرمين من الصف الخامس أو الرابع أمام بكاء الأمهات ومشاهد احتضان الجثامين الملقاة على بلاط المشافي التي حرقها يأجوج الإسرائيلي ومأجوج الأمريكي، هل تريد يا سيادة الرئيس أن تطيل المعركة بضعة شهور إضافية ؟ افعل ذلك دون تردد فقد انفجرت غزة في وجوهكم جميعا وانغرست شظايا الدم الفلسطيني في الوجوه المشوبة من حمرة الجحيم، اخضع لصبيك يا سيادة الرئيس ومدد حربك العبثية في الشمال والجنوب في جباليا ورفح واقصف النصيرات، رصيدكم البقائي ينزف أيضا بصحبة هذا العالم الذي يتفرج على مباريات كأس الدم الفلسطيني في موسمه المتجدد، كلوا واشربوا وناموا جيدا على وقع الجريمة فعداد أيامكم هو الذي ينفذ ولن تنفعكم حمى الانتخابات ولا اللوبيات.
هل تعرفون من الذي يمكنه أن يجيب على صور الخراب الفادحة في حي الزيتون وجباليا؟ إنها الصور! لأن الصور تتفاهم مع بعضها البعض بلغة مشتركة يعجز عن فهمها أصحاب الزمان الاسرائيلي، صور الخراب الذي لا يتسبب به إلا أمثال بن زفير والظربان غراهام وسوليفان الأملس ووحوش الحياة الذين يقتلعون الرصيف والشجر والإنسان ويرجعون الأشياء إلى حقبة الغبار الأعظم، لا يجيب عن هذه الصور إلا صور ذلك المقاتل الذي يركض حافيا جائعا أو يقفز من بين الركام مثل الطود العظيم ليرمي قطعة من الجحيم إلى أهل الجحيم ليعيد الإتزان إلى معركة الصور ويعيد تجميع الغبار إلى وطن ويبني لكل العرب أملا جديد، هذه الصور التي تهدف إلى قتل الأمل لا ترد عليها إلا صورتك التي تحيينا و ترجع الأمل يا ابن النار والزيتون والبلاد المقدسة .
لا يحتاج الأمر استشاريا لفهم التخبط السياسي التهريجي الذي تقدمه شخوص الإدارة الأمريكية المصابة بالزهايمر والعصابة الصهيونية المصابة بالسعار، إدارة هزيلة في زمان الهزال العظيم لكل العالم، تخبط من كل الملامح تعكسه وقفتان لمحطتين أو شخصيتين نطقتا بالباطل امام ميكروفون الأخبار في الأسبوع الماضي، الأولى هي التصريح المشع الذي قدمه الجمهوري المشطوب غراهام ويدعو فيه صراحة إلى ضرب غزة بقنبلة نووية، ثم في اليوم التالي يتسلق كائن أملس آخر فوهة ميكروفون الخطيئة ليصرح بكل هدوء للعالم أجمع بأنهم يعتقدون بأن ما يحدث في غزة لا يرتقي إلى إبادة جماعية، قبل التفكير بمستوى الأذى النفسي الذي تسببه هكذا تصريحات في صدر كل إنسان حر ومتابع للحدث، يتوجب عليه أن يفكر بالدوافع والحقائق التي تقف وراء هذا السلوك والأسئلة الكثيرة المرتبطة بالمشهد وتعقيداته، لماذا تصر الإدارة الأمريكية على استمرار حمام الدم في غزة وترفض القبول بهذا القدر من القتل والتدمير الشامل ؟ ألم يشبع حقدهم بقتل أكثر من خمسين ألفا من الأبرياء ؟ لماذا تستمر لعبة الخداع بالبحث عن السلام والهدنة وحماية المدنيين فيما هم يقتلون كل يوم صفا جديدا من الأبرياء ؟ هل نحن أمام خطة جديدة قوية بإعادة الهجوم لأيامه الأولى والتلويح بالحكم العسكري لغزة ؟
إن الحقيقة البسيطة والمخفاة بمهارة و التي تبرر استمرار العدوان بكل بساطة هي أن صندوق المكتسبات الكبيرة فارغ تماما، الإخفاق المطلق والفشل المحكم الذي يرفض أن يفك نحسه أمام وجوههم هو الذي يملأ الصندوق، فشلٌ تسبب في خسائر متمددة مثل الظلال في كل أطراف الحلم الأمريكي الامبريالي العظيم، خسائر متواصلة، خسائر أكبر من خارطة أمريكيا يمكن تحديد معالمها في نقاط موجزة :
1- كانت خطة المجرم السادي بيبي الجبان تتمثل في عبارته السرية : افلتوني شهرا أو إثنين على غزة وسوف أريكم كيف يأتوني راكعين ! وضرب لنا مثلا ونسي خلقه وقال من ينقذ حماس وهي رهين، استعان الرجل بآلته الحربية التي فصَّلتها له دارُ البَوار لترمي بشرر كالقصر، انقضت الشهور تلو الشهور، واستعانوا بالشرق والغرب وأتوا من كل ساحر عليم فابتلعت المقاومة كل ما يأفكون بفضل معجزة ربانية مكنت هؤلاء من الصمود بما لا يمكن تفسيره بأنفاق أو سلاح او احتمال بشري، امام هذا الثبات الأسطوري بدأت خطط التمديد والتهديد والمرواغات باللحاق واحدة تلو الأخرى وفي تخبط واضح لا مثيل له وصراع واضح بين إدارة فقيرة الذكاء والشخوص ومجرد موظف أزعر يعمل في ثكنة فلسطين، إن أول الخسائر الموصوفة هي المادية الكبيرة التي يلقونها كل يوم في صفوف جيشهم المخرب والتي تمنعهم من إيقاف المعركة حتى الوصول إلى (انتصارات) يخرجون بها على الملأ بتحقيق شيء ما .
2-إن صمود المقاومة بكل صوره تسبب في تثبيط أو اهتزاز مشروعين هامين داخل المساحة العربية، مشروع التطبيع الكبير الذي سيلتهم ما بقي من الأرض العربية ويضعها تحت الوصاية الاستعمارية بنطاق أوسع وأكبر، و الثاني هو مشروع الهجمة على الهوية العربية الإسلامية الذي بدأ منذ سنوات طويلة بالتغريب والإفقار وتمزيق الداخل الاجتماعي بمشاريع الإباحة والتحلل والهجمة المكتملة الأركان على الدين الإسلامي واللغة العربية والثقافة الحياتية الإسلامية وببدء الجلوس مع الأعداء، لقد سقطت لعبة الابراهيمية ويجري الان ترميم هذا المشروع وإعادة إحيائه بمحاولات مدفوعة بسخاء للعبث بمسلمات وثوابت العقيدة الإسلامية وتشكيل حالة ضبابية حولها .
3-جميع المشاريع الطموحة امريكيا -اسرائيليا داخل الاقليم أصبحت في منزلة الضعف والرهان على حصان خاسر، أول هذه المشاريع هو العربدة على ايران والإطاحة بصعودها في وجه الغطرسة الأمريكية، هذا الكيان الذي فشل مع كل الدعم في (تأديب ) غزة هو أوهن وأضعف من مواجهة ايران او النيل منها، إن ضعف الكيان هو مؤشر استقرار وتحسين العلاقات في منطقة الخليج، يضاف إلى هذا تجميد مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والكيان وأوربا (IMEC) والذي كان يفترض به مناكفة طريق الحرير الصيني المرشح بقوة للقضاء على الهيمنة الاقتصادية الأمريكية في المنطقة ومنح دويلة الكيان مركزية المشروع، إن تجميد هذا المشروع يعني تحجيم وانكماش مكانة الكيان الصهيوني بسرعة هائلة وسقوط القناعة بقدرته وحجمه على أن يكون قلب الحدث أو محركه أو حارسه العسكري أو الرقيب عليه كما ان يروج طيلة السنوات الماضية.
4-أكبر الخسائر غير المنظورة التي ألحقت بحلف الشيطان هي الهزيمة الشعبوية الأخلاقية على مستوى العالم، لقد أساءت دويلة الكيان إساة بالغة لصورتها وصورة الولايات المتحدة وأقطاب الشر الأوروبي، إن التقييم الأخلاقي المتعلق بالحريات وحرية الصحافة والتعبير وحقوق الإنسان ومستوى التقبل العالمي الذي كان يحظى به الكيان والولايات المتحدة أصبحا شيئا من الماضي ومن الصعب إزالة هذه الصور من مخيلة الشعوب وبالتالي سقطت كل السرديات والاسرائيليات التقليدية.
5-إن الولايات المتحدة تجد نفسها مدعاة لابتسامات ساخرة من بوتين والرئيس الصيني حيال الإخفاق في الإطاحة بمقاومة مسلحة صغيرة الحجم والقدرات وفي منطقة محاصرة برا وبحرا وجوا، لذلك كان لا بد من تمديد العدوان ومنحه الشرعية الكاملة بطرق ملتوية أمام العالم لإعادة الهيبة المفقودة في أوكرانيا وفي غزة وأمام الصين .
6- إن الخسارة الأكبر في سجل الولايات المتحدة هي الخسارة الأخلاقية ثم العسكرية ثم السياسية، إنه زمان الشيخوخة الأمريكية والذي سيفتح المتنفس لغضبة الشعوب والدول التي طالما سحقتها وظلمتها هذه الدولة، من يدري من أين سيبدأ التململ وصوت الانتقام ؟ هل هو من فيتنام أم افغانستان أم روسيا أم اليابان ؟ أم المنطقة العربية واندلاع النار من جديد في الأنظمة البالية ؟
7-في الشهور الأولى من العدوان كانت الخطة الأمريكية -الاسرائيلية -العربية تقتضي بإيقاع الصدمة والترويع (وفقا لكتيب الويسترن الأمريكي ) داخل غزة سواءا بالمقاومين أو المدنيين، والنتيجة المنتظرة هي أرض موات محروقة هامدة لا حياة فيها، كانت هذه الفكرة قابلة للترويج والبيع السياسي في الشوط الأول من المعركة، أما الان وبعد مضي كل هذه الشهور العصيبة التي تحملتها المقاومة بصبر وايمان وثبات وايقاع خسائر فادحة بقوات الأحزاب فلم يعد من الممكن تطبيق هذه النظرية، السبب البسيط هو أن ابن غزة المدني قبل العسكري وصل إلى قناعة بأن الشهادة والموت في سبيل الله وكرامته وبلاده هي أمر محتوم واقع في أية لحظة ولا مفر منه، تنص حبكة الترياق بأن الجرعات الأولى من السم تكون مؤلمة ومتعبة ولكن بعد جرعات عديدة تفقد فاعليتها تماما، لم يعد أبناء غزة يخافون القصف ولا الموت ونقلتموهم بفضل إجرامكم إلى درجة العمالقة وتحولت آلتكم العسكرية إلى استعراضات للتهريج والاصطياد وليس أكثر كما قالها أبو عبيدة بالأمس، لقد خرج أبناء غزة من عنق الزجاجة الاسرائيلية والأمريكية وأصبح الموت حدثا عاديا جدا لا يخيف حتى الاطفال.
8-إن الذي يجري على الساحة الان له عنوان واحد مخبوء بعمق داخل كل هذه الهالة الضخمة من التضليل والتزييف والأكاذيب بعد سقوط وتهاوي معالم الخطط الكبيرة، هذا العنوان هو طمس وتحييد النصر المؤزر الذي حققته المقاومة الفلسطينية والشعب الذي قدم عشرات الالاف من الشهداء صامدا مؤمنا محتسبا، العنوان هو التشويش على هذا النصر والاحتيال عليه ومزجه ببعض المنكهات الاسرائيلية -العربية لتقزيمه وليتحول إلى انتصار وفتح عظيم للاسرائيلي، لقد تم الوصول إلى نقطة النهاية وأفلست الآلة العسكرية الأمريكية كما هي العادة في الإطاحة بهؤلاء الأبطال وفشلت الآلة السياسية والآلة الإعلامية في تحقيق التحشيد والاصطفاف كما كل مرة
9-لقد انتهت معركة غزة عسكريا وسياسيا قبل أن تفكر عصابة النظام العالمي باليوم التالي لما بعد غزة كما يزعمون، كل ما ترونه الآن هو الخطة البديلة ب التي تأتي عقب فشل الخطة أ، أي أننا نعاصر خطة تحسين الخسارة المدوية جدا، هنالك حساب عسير ينتظر كل طاقم الجريمة من الغرب إلى الشرق ومن المحيط إلى الخليج، وعلى عكس ما يتصوره ويطرحه الكثيرون من أن المقاومة محاصرة ومحاط بها فعلى العكس تماما، لقد خرجت المقاومة من الحصار وأفلتت غزة من السور المكهرب، كل العصابة التي شاركت في الجريمة عليها أن تعد العدة وتنتظر الأيام السوداء القادمة لها على يد هذه الصحوات واهتزاز الجذور الذي أحدثته جريمة العدوان على غزة
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …