سماح خليفة*
“لا فتحستان ولا حماسستان” جملة على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعيد الجدل (السابق لأوانه)، وتعمق الخلافات بين زعماء إسرائيل حول ما يسمّى “اليوم التالي للحرب”، ليفرض السؤالي البديهي نفسه على كل الأطراف المشاركة والمراقبة للحدث: هل فرغ نتنياهو من حماس ليناقش مرحلة ما بعد حماس؟
إن محاولة نتنياهو صرف الأنظار عن إخفاقاته في الحرب على غزة، والقضاء على فصائل المقاومة، جعلته يثير الخلاف حول من يحكم غزة، عسكريا كما يريد نتنياهو؟ أم مدنيًا كما يدعو وزير دفاعه يوآف غالانت، بطرحه جهات فلسطينية موالية للاحتلال؟
لم تأل السلطة الفلسطينية جهدًا في محاولة كسب رضا الاحتلال من خلال التنسيق الأمني الذي فرض قيود الطاعة عليها، وإجراء التعديلات في الحكومة؛ لنيل رضا السلطة الأم (أمريكا)، ومع ذلك فشلت في الحصول على المباركة الصهيونية لسلطة المحتل الفاشية الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال، وهذا يعني أن حكومة نتنياهو لن ترضى عن السلطة الفلسطينية مهما قدمت من تنازلات وتنسيق أمني بمطاردتها المقاومين في الضفة، والتضييق عليهم، واعتقالهم، أو قتلهم، كما فعلت مع (أبو الفول) زعيم كتيبة طولكرم وغيره.
كما أن السلطة بدورها تصر على لعب دور الضحية، بتحميلها حماس مسؤولية السابع من أكتوبر، بتوفير الذرائع للمحتل لتدمير وقتل الفلسطينيين، متناسية جرائم العدو على مدار 76 عامًا من القتل والذل والتهجير، ولا تدرك أن فكرة القضاء على الوجود الفلسطيني، تحولت إلى ثقافة عامة وقناعة لدى الإسرائيليين على حد سواء.
يثير نتنياهو رفضه لمسألة تسليم الحكم لجهات فلسطينية في الوقت الذي يعترف فيه الكثير من القادة العسكريين والأمنيين الصهاينة، بأن حماس مازالت تخوض معارك شرسة مع جيش الاحتلال، تظهر تفوقها عن قدراتها السابقة في بداية 7 أكتوبر، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على قدرة حماس في استخلاص الدروس من تجاربها السابقة، والذي فرض عليها حاليًّا الانتقال إلى مرحلة حرب العصابات التي أوقعت خسائر فادحة لدى جيش الاحتلال، على عكس نتنياهو الذي تمنعه غطرسته وعنجهيته من استخلاص الدروس من تجارهه المعنونة بـ “النصر المطلق”، وتجاهله لتحذيرات قادة الجيش بأنه يستدرج إلى حرب استنزاف خطيرة ستؤدي به، بلا شك، إلى انهيار الجيش، فضلًا عن استنزاف الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تلك الإخفاقات، والتي كما يبدو ستجر عليه “الهلاك المطلق” من داخل وخارج إسرائيل.
نتنياهو لا يقرأ تاريخ غزة منذ عام 1967م، وكيف ظل القطاع يقاوم باستبسال إلى أن استطاع عام 2005م من إجبار شارون على سحب جنوده من هناك، فكيف إذا تضاعفت قوة حماس عن السابق، مع فارق القتال بروح انتحارية لا تهمها الدنيا ومعطياتها، صامدة حتى لحظة الاستشهاد، عن روح صهيونية متزعزعة يدرك كل فرد فيها ما يجر إليه من هلاك، وعلى فرض أن نتنياهو استطاع إنهاء حكم حماس فهل يستطيع إنهاء تلك الروح المقاوِمة، التي لن تتوانى عن الإقدام على عمليات اغتيال ضد العدو تجبره على الفرار كما حدث في 2005م، وهو ما يرفض الإصغاء إليه من غالانت وزير الدفاع وغيره، حول الخسائر التي ستواجههم وتدفعهم إلى الانسحاب من غزة وتسليمها للفلسطينيين.
إن سياسة التطهير العرقي، وتقطيع أواصر الوجود الفلسطيني الذي بدأ بشكل خاص بعد الانتفاضة الثانية، والاستيلاء الشامل على كل الأراضي الفلسطينية، وتحويل السكان إلى معازل صغيرة لا تستطيع التواصل مع بعضها البعض، تكملها الآن سياسية الكيان في النكبة الثانية بعد سبعة أكتوبر، حيث تستكمل ما بدأته في النكبة الأولى، متناسية أن النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقطاع غزة خاصة، على الرغم من فداحتها، إلا أنه صاحبها حالة من النهوض والمواجهة والصمود غير المسبوق، يبشر بتحول تاريخي في المنطقة بشكل عام على صعيد القضية الفلسطينية، فهناك نهوض فلسطيني وعربي وإسلامي وعالمي على مستوى الشعوب انتصارًا لفلسطين، كما أن البوصلة الدولية تتحرك صوب غزة، مما أثبت أن إمكانية هزيمة هذا العدو الفاشي ممكنة، وأن المقاومة هي الخيار الوحيد الذي يجبر العدو على التراجع مهما طال عناده، فالكيان الصهيوني يكاد ينهار اقتصاديًّا ومعنويًّا وسياسيًّا ومجتمعيًّا، فضلًا عن مئات الألوف الذين فروا إلى حيث جنسياتهم الاحتياطية، وثلث السكان لا يرون مستقبلا لهذا الكيان، كما أن الخلافات المجتمعية تتسع وتكاد تؤدي إلى مواجهات عنيفة، ليتضح في النهاية أن حرب الإبادة على غزة والتي رسمت الصورة الحقيقية المكرورة بأن إسرائيل تريد للفلسطينيين أن يختفوا من التاريح والجغرافيا، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تؤتي أكلها، وأن هروب نتنياهو من حماسستان أو فتحسستان لن يجلب عليه إلا مزيدا من الخسارات بخلق قوة جديدة بوصلتها الوحيدة هي “مقاومستان”.
*كاتبة فلسطينية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …