د. محمد الرصاعي*
هل كانت ثورة طلبة الجامعات الأمريكية والأوروبية ضد حرب الإبادة في غزة ثورة دافعها إنفعال عابر، ومجرد ردة فعل إزاء مشاهد إنسانية أليمة عبر شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، أم هي ثورة ذات عمق سياسي ودوافع اجتماعية داخل المجتمعات الأمريكية والأوروبية لإحداث تغيير وتحول في السياسة العالمية المنحازة لإسرائيل.
العارفون بسياسة الحكم وعمق جذور الأحزاب السياسية داخل المجتمعات الغربية مقتنعون أنَّ التظاهرات الطلابية لم تأت بدوافع ومحركات سياسية، ولكن بدوافع إنسانية بحتة، ويبني أصحاب هذا التوجه قناعاتهم من خلال معرفتهم بالإهتمامات السياسية والحزبية للمواطنين في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تتركز إهتمامات المواطنين هناك فقط بتقييم برامج الرفاه الإجتماعي والاقتصادي التي تتبناها الأحزاب السياسية، ولا يلقون بالاً في الغالب للتوجهات السياسية للقادة والحكومات والأحزاب التي تدير دفة الحكومات. ولكن خشية الحكومات الغربية أن يتنامى هذا السلوك الإحتجاجي ضد إسرائيل، بادرت في خطوة مخالفة لمبادئ وقواعد الديمقراطية والحرية السياسية، بقمع الإحتجاجات واعتقال أعداد من طلبة الجامعات.
من جهة أخرى يرى بعض المحللين أنَّ العالم يشهد تنامي تيار عولمي يناصر القيم الإنسانية العادلة، ويتركز هذا التيار في الجامعات الأمريكية والغربية نظراً لوجود أعداد كبيرة من الطلبة من دول ومرجعيات مختلفة، وخاصة في الجامعات العريقة كجامعة هارفرد وكولومبيا والسوربون ويال، عدا عن كونهم يتلقون معرفة علمية وإنسانية ذات قيمة عالية وباستراتيجيات تدريسية مؤثرة، ولكن في الغالب يتصف هذا التيار ببطء الحركة والإندفاع والتشكل.
وفي كل الأحوال مهما كانت دوافع التظاهرات والاحتجاجات الطلابية في الغرب، فهي تلقى قوة مقاومة عنيفة من اللوبي الصهيوني ومراكز القوى المساندة لإسرائيل في الغرب، عدا عن كون إسرائيل نجحت باستخدام ماكينتها الإعلامية والاقتصادية منذ زمن طويل في كسب مواقف مؤيدة لسياستها في الغرب، من خلال أدوات وسياسات عديدة؛ منها السيطرة على مفاصل الحكم، والتحكم في صنع القرار العالمي، حيث كانت الصهيونية العالمية وراء وصول العديد من القادة إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبية، إلى جانب السيطرة على المراكز المالية والإعلامية الغربية القادرة على صناعة رأي عالمي منحاز لها.
في المقابل عجز العرب عن حيازة تأييد شعبي أو رسمي لقضاياهم العادلة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، ومجابهة ما تقوم به إسرائيل في هذا الصدد، وذلك لعدم تشكل منظمات وقوى عربية فاعلة، عدا عن ضعف التمويل وغياب التنسيق، رغم أنَّ الحرب على غزة أظهرت قدرة العرب والمسلمين في عواصم عالمية على تسيير مظاهرات إحتجاجية ضد ما تقوم به إسرائيل والممارسات الداعمة لها من حكومات هذه العواصم.
تبدل المواقف الشعبية في الغرب اتجاه قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني بشكل يُحدث تغيير في سياسة الحكومات والقادة الغربيين يحتاج جهود منظمة ومضاعفة من الجاليات العربية هناك، وفي ذات الوقت العمل على تعميق تيار عولمي يناصر القيم الإنسانية والقضايا العادلة للشعوب، ويحاول رفع الظلم والطغيان عن بقاع عديدة في العالم .
*كاتب اردني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …