..حسن الوريث
تجذرت في بلادنا وعلى مدى عقود ثقافة عامة في كل مفاصل الدولة والمجتمع بحيث ان كل من يعمل بنزاهة ويحافظ على ممتلكات وأموال الدولة والشعب يسمى بالعامية ” أخبل ومسكين” فيما يطلق على الذي يعمل عكسه ” أحمر عين وشاطر” وهكذا فأحمر العين هو المتحكم في زمام الامور وهو الذي ينظر اليه من الجميع انه بطل زمانه وهكذا صارت الامور معكوسة وتجذرت هذه الثقافة لدى الجميع بل ان هناك تغول كبير لمراكز النفوذ والفساد ..
مما لاشك فيه أن البلاد عاشت سنوات طويلة من الفساد والإفساد لقيم وثقافة المجتمع وتكريس مبدأ حكم القوي على الضعيف فقد تحول المواطن الى أضعف الحلقات ولم يعد هناك من ينصفه فأصحاب رؤوس الأموال احتموا بالنافذين لحماية مصالحهم والفاسدين أعادوا انتشارهم وبدأوا يخرجون من اوكارهم بعد أن كانوا دخلوا اليها خوفا من التيار والنافذين أعادوا تموضعهم بعد أن كانوا تركوا أماكنهم وهربوا لكنهم الآن يتصدرون المشهد لسبب أو لآخر واجهزة مكافحة ومحاربة الفساد عبارة عن عناوين ولافتات وهمية فقط لخداع البسطاء والمواطنين وصرف المزيد من الأموال كمرتبات وحوافز لمسئوليها الذين أصبحوا أرقام في كشوفات المكافآت بحجة محاربة الفساد والفساد مازال يتغول في مفاصل البلاد والعباد والأجهزة التي يفترض أنها وجدت لحماية المواطن تحولت إلى أجهزة لتخويفه وارعابه وحماية النافذين ..
نأمل أن تكون هناك وقفة جادة وحقيقية لإعادة تقييم الوضع ووضع المعالجات اللازمة حتى لا تنقلت الأمور وتعود كليا إلى سابق عهدها كما نرجو أن يتم ذلك بعيدا عن عناصر الفساد والنافذين وعبر الاستعانة بأصحاب الأيادي البيضاء وليس تلك الملوثة التي عاثت فسادا في السابق وتحاول العودة من الباب الخلفي وان تكون هيئات مكافحة الفساد حقيقة وليس وهما كما هو الحال الآن وان يتم وضع استراتيجية وطنية متكاملة لبناء الدولة بعيدا عن وهم ما تسمى الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة والتي صارت مثل الفنكوش
وعلينا اولا ان نبدأ بتصحيح مفاهيم المجتمع عن الفساد بأنه شطارة وعن السرقة من أموال البلد بأنها حق .. ونجعل وطننا وتنميته هدفنا جميعا فمكافحة الفساد تحتاج إلى نية صادقة وحقيقية واستراتيجية شاملة تبدأ من تغيير ثقافة المجتمع وتغيير القوانين التي تشرعن للفساد وان لاتكون هذه العمليات شكلية امام الناس ومسرحيات هزلية وبالتاكيد ان العملية لا تنتهي أبدا بل تستمر وتستمر وتستمر اذا توفرت الرغبة الصادقة والعمل على تنفيذ حملة وطنية لمكافحة ديدان الفساد التي تنخر في جسد الشعب اليمني وتحول الفساد إلى فساد عميق يحتاج إلى توجه عام للدولة والحكومة للقضاء عليه وفي اعتقادي أن الإعلام هو الشريك الأساسي في هذا الأمر على اعتبار أنه السلطة الرابعة في المجتمع بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبالتالي فهي تشكل سلطة شعبية تعبر عن ضمير المجتمع وتحافظ على مصالحه الوطنية كما أن الإعلام يقوم بدور أساسي في مكافحة الفساد والتصدي لهذه الظاهرة التي باتت منتشرة في مجتمعاتنا من خلال ما يقوم به من وظيفة كشف المستور كون الفساد يحدث بالخفاء، فالمفسد بطبيعة الحال لا يستطيع ارتكاب جرائمه على الملأ ومهمة الإعلام هي إظهار الحقيقة وكشف ما يحدث بالخفاء .. فهل وصلت الرسالة ام أن الأمر سيبقى كما هو ويبقى الفاسدون هم من يتحكم في مفاصل الدولة والحكومة ويظل الوطن والمواطن يعاني من لوبيات الفساد العميق التي تعبث بمقدرات البلاد والعباد وتظل معركتنا معهم وهمية عن قصد وعمد كأننا نحارب طواحين الهواء ؟؟؟ ..