علي الزعتري*
و ما علينا بمتابعةِ الجدل حول المستقبل النتن للنتن؟ جدلٌ فيهِ تدليلٌ “للديموقراطية الصهيونية” التي يتكلم المعلقون عنها بشغفٍ مقيتٍ لأن “الشعب الإسرائيلي المؤمن بالعدالة والديمقراطية سيطالبُ مؤسساته الحكيمة بعد الحرب بتحديد المسؤولية عنها”. ويعني هذا القول ضِمناً أن للصهيونيةِ نظاماً مواطناً مسؤولاً سيقوم بمساءلة النتن وغيره من مجرمي الصهيونية، ومديحاً لهذه الديموقراطية والمساءلة. إن الكيان الصهيوني بمن فيه من مستعمرين من جميع الخلفيات السكانية لم يكن يوماً ديموقراطياً أو عادلاً بل كان دوماً عنصرياً ظالماً دموياً وحشياً تشهد عليه الشواهد. فهل ديموقراطية ومساءلة اللصوص والمجرمين هي الديموقراطية القدوة؟ ينبغي أن لا نُسْحَبَ لهذا الأسلوب الذي تُخرجهُ العواصم وآخرها واشنطن وتردده عواصمنا على ألسنة إعلام ومحللين سياسيين وكأن الديموقراطية الصهيونية هي في ذهنهم الحل ليس فقط لرمي النتن خارج الصورة والإتيان ببديلٍ متحضرٍ يمكن التعامل معه بل لاستحضار صهيونيةٍ صديقةٍ تسمح بالتطبيع المريح ولأثرياء العرب التسوق في تل أبيب ولفقراءهم العمل أُجراءَ لإسعاد الصهاينة في فنادقهم ومستعمراتهم.
و تخطأ الدول العربية باستمرارها بعلاقاتٍ تعاهدية مع الصهيونية. ففي هذا الوقت ينبغي الانسحاب من هذه المعاهدات والشروع بسياساتٍ حقيقيةِ الجوهر لتفكيك الصهيونية عقيدةً وحكماً. بل أن إعادة وسم الصهيونية بالعنصرية هو ما يجب إقراره لتركيز الجهد الشعبي والرسمي المقاوم في دول عدة ترى في غزة ليس فقط دليلاً على الإجرام الصهيوني بل فرصةً للتخلص من القيود الكاذبة التي كبلتها الصهيونية بها منذ الحرب العالمية الثانية. ومن عجيب العرب أن تأتي لعتبات دولهم فرصة إضعاف الصهيونية على يد مجاهدي المقاومة ولا يستغلها العرب لإزاحة الاحتلال الصهيوني وإراحة العالم من إجرامه وصلفه. بل الأعجب هو انغماس العرب في رعاية مفاوضات استسلام المقاومة وتسليم فلسطين للفكرة الميتة المسماة بالدولتين. كيف يفكر العرب؟ لا أدري فعلاً وهم يرون الرفض الصهيوني والمذابح كل ساعة وبكل الأنواع.
هذا فيما ترمي واشنطن كما تقول الأخبار بمشروع قرارٍ إلزامي لحماس بقبول مبادرة بايدن الصهيونية أصلاً، ومن أرسلها له إلا النتن؟! وهكذا قد يحكم مجلس الأمن، إن لم يتدخل النقض، على حماس بالقبول بالمبادرة لِتُعَدَّ مارقةً إن رفضتها. فأي لعبةٍ هذه التي تدور بمبادرةٍ صهيونية يتلقفها صهيوني إسمه جو بايدن وقرارٍ بمجلس أمنٍ يديره بايدن يدين حماس والمقاومة لو مارست ديموقراطية الرفض وهي تبتلع دمها بينما جنازير الديموقراطية الصهيونية المبيدة للشعوب تدور لقتلنا وللبحث عن بديلٍ للنتن في مسعاها كما يقولون لتطهير الصهيونية من ذنوبه؟ وإن رفضت حماس فحلالٌ الحرب التي قال النتن أنه لن يوقفها حتى بهذه المبادرة. قد يوقف القتال لأسابيع لكن ليس الحرب لاجتثاث المقاومة من الجذور. هكذا قال هو.
لكن هذا زمن العجائب العربية. وقد نرى النتن في المستقبل متملصاً من جرائمه متسللاً مستشاراً يبيع نصائحه لنا كما يفعل المجرم توني بلير الذي على يديه دم العراق. وهذا سيعود بكل تأكيد لإصرارِ العرب على الخطيئة؛ الإيمان بالديمقراطية والعدالة الصهيونية ومحبة السلام معها. إننا أُمةٌ تضحك من جهلها الأمم ومستقبلنا بهذا الفكر المنهزم نتن.
*كاتب اردني ودبلوماسي أُممي سابق