د.طارق ليساوي*
بحلول يوم 13 يونيو 2024، مر عقد كامل على رحيل المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة رحمه الله و أسكنه فسيح جناته،رحل صاحب مصطلح الذلقراطية و الخوفقراطية و قيمة القيم و الإهانة ، رحل الأستاذ و المرشد لصدام الحضارات ، مات رحمه الله بعد أن رأى الانتفاضات الذي تنبأ بحدوثها نتيجة الإهانة و الظلم ، لكن هذه الانتفاضات تم وأدها و تحولت إلى عشرية دموية، طغى فيها الاستبداد و تفشى الطغيان و إزداد الذل و القهر ، و توسعت دائرة الإهانة و الانبطاح للأجنبي..
عشرية سوداء:
لكن في ختام هذه العشرية السوداء إنفجر ينبوع من الأمل عنوانه ” طوفان الأقصى”، طوفان الذي ينذر بموجة تحرر من الميغا -صهيونية، ذلك أن مشاريع الإمبريالية تم إختزالها و تجميعها في الصهيونية ، و المعركة الدائرة في فلسطين، هي بؤرة الصراع بين الشرق و الغرب، و هي نواه صراع القيم، و تنافس الحق و الباطل، صراع بين أتباع الدجال و أتباع الحق، صراع بين حضارة النار و يجسدها إبليس و حضارة الطين و يمثلها أدم ..
فلسطين في القلب :
المهدي المنجرة رحمه الله سكنته و إستوطنته قضية فلسطين، وما كان ليجد فرصة إلا و يغتنمها للدفاع عن هذه القضية العادلة ، وهو الذي عرف بهجومه الدائم على الصهيونية، في كتاباته ومحاضراته، مبرزا تناقضاتها، وكاشفا لجرائمها في حق الإنسانية …و آراء هذا الرجل رحمه الله حول قضية فلسطين يصعب حصرها فقد دعم القضية طوال حياته من المهد إلى اللحد كتابة و نضالا ، معتبرا إياها قضية محورية بالنسبة للمغاربة والعرب سواء من منطلق قومي عروبي، أو من منطلق إنساني صرف …و قد كتب رحمه الله في إحدى مقالاته قائلا: “فباعتباري مغربيا وعربيا ومسلما وإفريقيا، بل باعتباري فقط كائنا إنسانيا، لن أعتبر نفسي أبدا حرا ما دامت فلسطين محتلة، وما دام هؤلاء الناس لم يسترجعوا كرامتهم” .
قوة الحق و حق القوة:
واعتبر المنجرة في مقاله أن الصراع العربي الاسرائيلي “صراعا بين من لهم قوة الحق على أرض فلسطين ومن لهم “حق” القوة في امتلاكها” (فلسطين) ، ولكن أيضا بين من لهم الشرعية التاريخية في اختيار الحاكم ومن لهم القوة في اختياره وفرضه واستصدار سلطة القرار من بين يديه” .
ويرى المنجرة أن الاشكال هو حينما يطغى “حق” القوة الذي تفرضه اسرائيل لاحتلال فلسطين على قوة الحق الذي بجانب الفلسطينيين والمتمثل أساسا في “حلم إسرائيل الكبرى” الذي انطلق كمشروع منذ أن قامت الحركة الصهيونية في أوروبا بتكوين مجموعات إرهابية “عشاق صهيون” من أجل إقامة دولة خاصة باليهود على أرض فلسطين الذي يعتبرونها أرض “الدولة التاريخية اليهودية”.
وحسب المهدي المنجرة فإن هذا الحلم تبلور بجلاء خلال المؤتمر الصهيوني المنعقد سنة 1897 ببازل حول “إقامة دولة يهودية” و بروز الحركة الصهيونية التي تبنت الحركة المسلحة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية مع اعتماد مبدأ فرض “حق القوة” على “قوة الحق”، كما جاء على لسان الحركة: “اليوم الذي نبني فيه كتيبة يهودية واحدة هو اليوم الذي ستقوم فيه دولتنا”. منذ بداية القرن 19 قام اليهود بتحديد استراتيجيتهم و صياغة خطط العمل لتحقيق حلمهم الذي انطلق مع “إعلان بلفور” سنة 1917، و قد نجحوا في ذلك، حسب المنجرة، معتمدين على “النظام الدولي الجديد” (صناعة مسيحية يهودية) الذي يعتبره المنجرة “فوضى دولية منظمة” وتمكنهم من السيطرة على المؤسسات المالية و البنكية و الاعلامية و السياسية و باقي الشركات الكبرى بالاضافة الى كون الصهاينة يجيدون و بحرفية عالية قل نظيرها في صنع الأفكار و تسويق البروبكندا”.
اللوبي الصيوني:
المنجرة كان دائما يحذر من اللوبي الصيوني وقوته و يلح على ضرورة الانتباه و التصدي له بكل قوة و حزم فبقدر ما تخنق الولايات المتحدة الأمريكية العالم و تحكم قبضته عليه، يحكم اللوبي الصهيوني قبضته عليها. ومن ثم “لن تجد أي تصريح لرئيس أمريكي يخلو من الالتزام بالدفاع على اسرائيل و حماية أمنها ولا يمكن لأي مرشح أمريكي أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة دون موافقة ومباركة يهودية صهيونية” .
أوسلو و مسلسل الاستسلام:
و انطلاقا من كل هذه الاعتبارات رفض المنجرة رفضا قاطعا مسلسل السلام العربي الاسرائيلي و الفلسطيني الاسرائيلي و الذي اعتبره خيانة عظمى للقضية الفلسطينية و “مسلسل للاستسلام” و ليس السلام. يظهر موقفه هذا من خلال ما صرح به قائلا: “من الناحية العربية، هناك تسلسل في الاستسلام، فمنذ “كامب دايفيد” إلى الآن و العالم العربي يعيش خيانة من طرف القيادة العربية. اتفاق “كامب دايفيد” كان خيانة، “مدريد” خيانة، “أوسلو” خيانة…” ، محملا مسؤولية ما يحدث في العالم العربي للحكام و النخب السياسية و المفكرين وكذلك الشعوب. “في اليوم الذي تتساوى فيه حياة أمريكي و حياة إسرائيلي مع حياة أي مواطن من ساكنة العالم الثالث بصفة عامة، و حياة عربي و مسلم بصفة خاصة؛ سنقترب حتما من هذه الكونية التي يتبجحون بها…”
إنتفاضة:
إننا نعيش أزمة أخلاقية حقيقية تضاعف من الآثار السيئة لكل أنواع الذل، وهي ناجمة عن الفقر والأمية والمرض وغياب العدالة الاجتماعية الكاملة وخرق حقوق الإنسان. وحين تبلغ هذه العوامل جميعها الحد الخطر فإن مظاهرها تتجلى للعيان ويختل الاشتغال الاجتماعي وتكثر الانفجارات والعصيان المدني والحنق الجماهيري التي تؤدي إلى انفجار النظام. وآنذاك يتعلق الأمر بشرخ في الكرامة، وهذا ما أسميه “انتفاضة”…
و تبعا لذلك ، فإن الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله ، يرى أن لا مستقبل و لا مخرج للبلاد العربية خارج إطار التغيير الفوري لوضعيتها الراهنة، لأنه لا يمكن التخطيط لسيناريو الإصلاح في ظل الحكم العربي الراهن المتولد عن النظام العالمي الجديد والمتحالف في نفس الآن مع أنظمة الاستعمار الجديد..
قوة إسرائيل:
وعن الصراع العربي الإسرائيلي، يرى أن قوة إسرائيل لم تنتجها عبقرية ثلاثة أو أربعة ملايين إسرائيلي أو إثنى عشر مليون يهودي موزعة في العالم، بل هو التلاحم بين الكيان الصهيوني والمركب الأمريكي السياسي والإستراتيجي والاقتصادي والمالي والعسكري والعلمي والتكنولوجي.
ويرى أن دور العرب في تحقيق الحلم الإسرائيلي، كان أساسيا، فالتاريخ سيسجل إسهام القيادات العربية والقيادات الحالية لمنظمة التحرير الفلسطينية في كل الجرائم ضد الشعوب العربية، وأن هذا التاريخ سيؤكد بصوت مرتفع انخراطات الإنسان العربي، في هذا الصراع، ونضالاته المتواصلة والمستمرة من أجل استعادة حقه في التاريخ والجغرافيا.. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون…
*كاتب وأستاذ جامعي مغربي
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …