كمال خلف*
تحرك المشهد على وقع اخبار متفرقة يمكن وصفها بالمفاجئة، بعضها في لبنان وأخرى تخص سورية وكذلك غزة، بعض تلك الانباء تحتاج الى تفسيرات والبحث في الخلفيات والدوافع والمقاصد لها. لكن المؤكد انها كلها تقودنا الى تبدلات في المشهد العام في عموم المنطقة.
تم اعتبار تصريح الرئيس التركي “رجب طيب اردوغان” حول سورية وإعادة العلاقات مع الرئيس الأسد مفاجئا، وصادما للبعض. لكن موقف اردوغان جاء في سياق تحركات تركية سابقة، بدأت مباشرة بعد اعلان الأحزاب الكردية في شرق الفرات عن نيتها تنظيم انتخابات برلمانية وكتابة دستور الشهر الماضي، ما يعني ان خطوة انفصالية للاكراد بدأت تتجسد فعليا على ارض الواقع في سورية، وهذا له مخاطر ليس على وحدة الأراضي السورية فحسب بل يشكل خطرا كبيرا على الامن القومي التركي ومستقبل وحدة تركيا نفسها.
وفي مقال سابق بعنوان “لماذا عادت الحرارة الى مسار المصالحة السورية التركية بعد الجمود؟” منشور في هذه الصحيفة المحترمة في ١٨ من هذا الشهر، تحدثت عن أسباب عودة مسار المصالحة التركية السورية بقوة، وعن تفاصيل اجتماع جرى بين الطرفين في القاعدة الروسية في مدينة اللاذقية تم فيه الوصول الى تسوية للشرط السوري الذي أوقف المسار سابقا، المتعلق بالانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية كمقدمة لأي اتفاق، وأشارت خاتمة المقال ان الأمور هذه المرة تأخذ وضعا جديا. وجاءت تصريحات الرئيس اردوغان بعد أيام من تصريحات مماثلة لوزير خارجيته ” حقان فيدان “، قالت أوساط في المعارضة السورية انها فسرت خطأ وان الترجمة لها لم تكن دقيقة، لكن سرعان ما رفع اردوغان الستار ليبدو المشهد واضحا. وما أود اضافته لما سبق ان الإجراءات الميدانية في الشمال السوري بدأت بشكل اسرع من المتوقع، وهناك المزيد منها في الأيام المقبلة.
ما لفت انتباهي في هذا السياق ان هناك من نشر ان التالي بعد تركية هي دولة قطر. واعتقد ان هذا التوصيف غير دقيق، وقد سبق ان نشرت مقالا مطولا عن انطلاق المسار القطري السوري في هذه الصحيفة بعنوان “على خط الدوحة دمشق” في 4 من حزيران،. وقد حمل المقال شواهد على انطلاق مسار تواصل بين دمشق والدوحة، وان كان ما زال خارج الأضواء. ما يعني ان التقارب بين دمشق والدوحة منفصل عن المسار التركي. وما يمكن اضافته الى ما نشرته سابقا بخصوص قطر ان رسائل وصلت الى دمشق مصدرها الدوحة، ولا تتحدث هذه الرسائل عن عودة العلاقات بشكل مباشر، الا ان فيها مضامين تدلل على ذلك، وقد تعاطت معها دمشق إيجابا.
في لبنان اخبار جديدة كثيرة، ابرزها خلال الساعات الماضية ثلاثة احداث:
ـ الأول: يقول ان الجامعة العربية قررت رفع تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وهذا اثار الاستغراب والتساؤل عن التفسير في هذا التوقيت، ما الذي ايقظ الجامعة العربية على هكذا اجراء في ذروة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل. الخطوة في الاتجاه الصحيح، لكن يمكن تفسيرها ضمن اطار الوساطات والادوار العربية، ونعتقد ان هذه الخطوة ليست الا لتسهيل التواصل بين بعض الدول العربية الطامحة او المطلوب منها أدوار وساطة وبين حزب الله من اجل وقف الجبهة جنوب لبنان وابرام تسوية تريدها واشنطن على الحدود لحل المعضلة التي تعاني منها إسرائيل، واخر ما يمكن اعتقاده هو ان ضمير الجامعة العربية قد صحى، واراد رد الاعتبار للمقاومة العربية في وجه إسرائيل.
ـ الخبر الثاني: العرض الذي وصل الى حزب الله على ذمة القناة 13 الإسرائيلية، ويقول هذا العرض ان إسرائيل ستقلص مدة عمليتها العسكرية في رفح مقابل ابتعاد مقاتلي الحزب خلف الليطاني، وإعادة اعمار الجنوب الذي دمرته الغارات الإسرائيلية. من أوصل هذا العرض؟ وهل وصل؟ ومن المتبرع بإعمار الجنوب؟ وماذا يعني تقليص مدة العمليات؟ هذا كله غير واضح. الواضح هو ان إسرائيل عجزت عن الحرب الشاملة وبدأت جديا تبحث عن البدائل.
ـ الخبر الثالث: في لبنان هو عودة النجل الأكبر لرئيس الوزراء الأسبق الراحل “رفيق الحريري” “بهاء” بشكل مفاجئ الى بيروت. واعلانه حال وصوله ان سينخرط بالعمل السياسي. ما وراء هذه العودة؟ الواضح ان بهاء الحريري لا ينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى. هناك من طلب من بهاء العودة بهذا التوقيت. وسر هذه العودة يكمن في التحولات التي طرأت على الشارع السني في لبنان بعد طوفان الأقصى، ما ان فتح حزب الله جبهة اسناد من اجل اهل غزة حتى بدأت بعض رموز الطائفة السنية تجري مراجعات وتتقارب في المواقف مع حزب الله، عدا عن المشاركة المباشرة للجماعة الإسلامية في المعركة وكتائب القسام والسرايا، أي ان وحدة الموقف السياسي السني الشيعي في لبنان اخذ بالعودة بقوة لتنهي حقبة من الفتنة الطائفية التي اججتها حادثة اغتيال ” رفيق الحريري عام 2005، وما تلاها الحرب في سورية حيث ابتلع كثير من سنة لبنان سردية زائفة بأن حزب الله ذهب الى سورية لقتال السنة.
نعتقد ان ارسال بهاء الى لبنان والسماح له بالعمل السياسي يهدف الى ضبط عودة السنة في لبنان الى خيار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل بعد سنوات طويلة من محاولات التدجين ونشر ثقافة التطبيع والحاقهم بمشاريع جعجع ومن على شاكلته.
المشكلة عند بهاء انه جرب قبل سنوات وبدأ مشاريع إعلامية اختار لها اكثر الشخصيات بعدا واستفزازا للسنة، ومستشارين سياسيين كانوا اصغر بكثير من حمل مشروع سياسي يماثل مشروع والده الراحل او حتى ما كان عليه شقيقه سعد صاحب الشعبية الأقوى في الشارع السني حتى الان وفي المحصلة فشل وغادر لبنان.
الاخبار الهامة الاخرى جاءت من غزة من اشتداد المعارك في الشجاعية ورفح، وتقول تلك الانباء ان حراكا يجري على خط “صفقة وقف الحرب”، وان هناك جديدا وتعديلات في الصياغة عرضت على حركة حماس تقترب كثيرا مما تشترطه الحركة، وتضيف الانباء ان هذه الأجواء تم ارسالها الى بيروت مبشرة بإمكانية احياء المفاوضات والوصول الى اتفاق، وانها كانت فحوى الاتصال الذي جرى بين عباس كامل وهنية. نعتقد ان نتنياهو استنفد خطة التلاعب بالمفاوضات ولم يعد هناك إمكانية لكسب المزيد من الوقت عبر لعبة الذهاب الى المفاوضات ومن ثم تعطيلها والعودة الى المربع الأول. واذا ما صدق زعيم المعارضة “يائير لابيد ” بانه تمكن من استمالة أعضاء من الليكود للإطاحة بنتنياهو، فهذا يعني ان قواعد اللعبة كلها قابلة لتتغير. وان الذهاب لاتفاق والبدء بتطبيقه على مراحل تمتد لأشهر سيكون هو طوق نجاة نتنياهو لكسب المزيد من الوقت في السلطة.
نتصور ان العودة للحديث عن الاتفاق والبنود سوف يتصدر المشهد خلال الأيام المقبلة. على كل حال الاخبار هذه الأيام كلها احداث تمهيدية لتغييرات منتظرة. والله أعلى اعلم.
*كاتب واعلامي فلسطيني
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …