د. جمال سالمي*
ذلك أن الإيرانيين أثبتوا للمرة المليار أنهم أحفاد حضارة عريقة.
تسمح لهم بالتأقلم مع مستجدات العصر.
دون الذوبان في سلبيات الغرب.
شاهد الجميع استمرار مسلسل الإثارة خلال كل مراحل العملية الانتخابية.
ثم تابعوا صعودا لمرشح إصلاحي.
رغم أنف الراديكاليين.
لقد زاد احترام الآخرين لهذه الدولة المحاصرة منذ ثورتها سنة 1979.
عنصر المفاجأة لم يغادر الاقتراع.
كما تواصلت عمليات سبر الآراء.
كثرت التكهنات والتوقعات والرهانات.
الكل يتساءل بصدق عن الفائز.
كان سباقا حقيقيا.
ديمقراطية راقية.
صنعت إيران الحدث بمهارة إعلامية كبيرة.
مع جيرانهم العرب، لا مجال للمقارنة أبدا مع إيران.
فباستثناء الكويت، لا تؤمن بقية دول الخليج أصلا بالديمقراطية.
ملكيات وإمارات مؤبدة.
تورث الحكم للأبناء.
ليس فيها برلمانات حقيقية.
الحياة السياسية معطلة.
لا حرية لشعوبهم ولا قرار.
لا داعي للحديث عن بقية الدول العربية.
فحتى الدول التي تتبنى رسميا الديمقراطية الغربية، كالجزائر ومصر وتونس والمغرب وموريطانيا، لم ترق بعد لمستوى الانتخابات الإيرانية.
لا توجد جدية.
النتائج معروفة سلفا.
لا مجال لأي مفاجأة.
باستثناء انتخابات برلمان الجزائر سنة 1991 ورئاسيات مصر سنة 2012 وتونس سنة 2019.
العرب يخافون من الصندوق.
لا يحبون ترك حرية التعبير والاختيار لشعوبهم.
لم يتفوق الإيرانيون على العرب عسكريا وتكنولوجيا فقط.
بل حتى سياسيا وانتخابيا وديمقراطيا ودبلوماسيا.
لكن الكبرياء والأنفة وعزة النفس تمنع العرب من الاعتراف بالهزيمة أمام الجيران الإيرانيين.
بل عكس ذلك، يتواصل الهجوم الإعلامي الشرس ضد كل ما هو إيراني.
مع التشكيك المستمر في ديمقراطيتهم.
عبر الهمز واللمز في دور المرشد.
بل الادعاء صراحة بأن رئيس جمهورية إيران ليس سوى سكرتيرا عند المرشد الأعلى للثورة.
إنها الغيرة.
لماذا لا يحاكي العرب تجربة إيران؟
بدل نقدها ومحاربتها والتشهير بها.
لقد تعب الغرب فعلا من إقناع العرب باتباع الديمقراطية منهجا للحكم.
فهل ينجح الإيرانيون في ذلك؟
ربما.
من يدري؟
كل شيء ممكن في السياسة.
لكن، يجب أولا الإقرار للجيران الإيرانيين والأتراك بالبراعة والمهارة في التسيير السياسي والانتخابي والإعلامي.
لا بأس كمرحلة أولى من نسج مسرحيات ديمقراطية:
تُبقي دائرة الحكم مغلقة على من يختارهم صناع القرار داخل المطبخ السياسي العربي.
على أن يكون الإخراج الإعلامي بارعا واحترافيا.
ثم سيأتي حتما على العرب يوم ديمقراطي جميل مشرق مشرف.
*كاتب جزائري
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …