مهدي مبارك عبد الله*
بداية يجب ان الا يبقى المواطن العربي مخدوع وان لا تنطلي عليه الاكاذيب الامريكية المسمومة بالحرص على سيادة الدول وحرية الشعوب واحترام حقوق الإنسان فقد كشفت الحرب الإسرائيلية على غزّة زيفها وتضليلها بعدما انخرطت واشنطن روحًا وجسدًا في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني حيث سقطت امريكا والغربَ كنموذجً قِيميً وأخلاقي وانساني على مذبح الجرائم الاسرائيلية البشعة للأطفال والنساء وسرعان ما انكشفت حقيقة ازدواجية المعايير الصارخة وعنف القوة العسكرية الأمريكية المتوحشة حينما وهي تقدم الدعم المادي والتقني والعسكري والتخطيط الاستخباراتي لقوات الاحتلال وتشاركها في ادارة هذه الحرب الاجرامية الظالمة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
مع بداية الحرب في قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحدثت الكثير من التقارير الصحفية الأمريكية نقلاً عن مصادر موثوقة أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نصحت الحكومة الإسرائيلية باتباع نهج الاغتيالات بحق كبار القادة من أعداء إسرائيل في المنطقة كما فعلت واشنطن ذلك في كثير من مناطق العالم حيث اغتالت أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وأبو بكر البغدادي امير تنظيم داعش وقاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني باعتبار أن مثل هؤلاء كانوا يشكلون رؤوس الحربة وقتلهم يعني هزيمة تنظيماتهم وهو ليس بالضرورة تحليل سليم حيث استلم بعدهم قادة اشد واقسى منهم.
بالرؤية الامنية والعسكرية الجديدة قللت اسرائيل اعتمادها على فكرة الحرب المباشرة التي لها تكاليفها الباهظة خاصة إذا تعلق الأمر بحرب العصابات والشوارع ومع مرور كل هذه الأشهر على الحرب وبعدما فشلت في التعامل مع الوضع على الأرض وعدم قدرتها على إنهاء المعركة سريعاً لصالحها رغم كل الدعم الذي تلقته يبدو أنها قررت الاخذ بالنصيحة الأمريكية وتعديل استراتيجيتها باللجوء الى تفعيل بروتوكول الاغتيالات الموجعة في إطار عملية تسمى “نيلي” اختصار لعبارة توراتية بالعبرية تعني ( إسرائيل الأبدية لن تكذب ) تستهدف بها هيكل القيادة داخل حركة حماس وحزب الله اللبناني والتي كان أبرزها قتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خلال وجوده في إيران والقياديان البارزان في حزب الله فؤاد شكر وابراهيم عقل وغيرهم ما يطرح عدة تساؤلات حول ما إذا كانت المنطقة أمام تغير فعلي في قواعد الاشتباك السارية منذ سنوات.
ad
أمريكا فعلا ساهمت في تنفيذ الاغتيالات بمراقبة الاقمار الاصطناعية وطائرات التجسس واحتراق الهواتف والأجواء وتعطيل الرادارات وتشغيل العملاء على الأرض والدعم اللوجستي الكمي والنوعي وهي التي جهزت ورتبت معظم عمليات الاغتيال في العالم ولا مانع لديها ان تأتي حكومة نتانياهو لتتبنى عمليات الاغتيال نفسها.
التاريخ الامريكي الأسود في ارتكاب الجرائم السياسية في إقليم الشرق الأوسط وباقي مناطق العالم متاصل والسؤال هنا يتعلق بمدى تورطها في الاغتيالات المحسوبة على جهاز الموساد الاسرائيلي بشكل عام أو على الأقل بمعرفتها المسبقة او موافقتها او مشاركتها وفي الحقيقة ان علاقة أمريكا مع الاغتيالات الإسرائيلية تتجاوز بكثير مجرد المعرفة والتغاضي ففي بدايات 2008 منح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الضوء الأخضر لطلب داغان مدير الموساد الاسرائيلي بالحصول على مساعدة واشنطن في اغتيال عماد مغنية قائد العمليات في حزب الله داخل سوريا حيث كانت المخابرات الامريكية حاضرة ومشاركة بقوة في التخطيط والتنفيذ وتوفير انسحاب امن للقوة المنفذة بعدما تم اغتياله بمساعدة أمريكية وتعاون استخباري وثيق.
كذلك بعد اغتيال الشهيد هنية اتجهت أصابع الاتهام إلى أذربيجان نظرا لعلاقتها الوطيدة مع الكيان الصهيوني والتركيز على التواطؤ الأمريكي لتسهيل حركة إسرائيل في أجواء العراق أو إلى الأجواء السورية وليس خافيًا على أحدٍ أنَّ قرار الاغتيال هنية اتخذ في واشنطن عقب زيارة نتنياهو الأخيرة مما يثبت بان إسرائيل ليست إلاَّ أداة منفذة لهذه الجريمة لأنَ امريكا تشترك مع كيان الاحتلال في هدفٍ واحدٍ وهو تصفية قادة حركة حماس من أجل إنهاء الحرب في غزة.
في ذات السياق كشفت بعض الأوساط دبلوماسية الغربية النقاب عن أن الاستخبارات الأمريكية هي التي زودد الجانب الإسرائيلي بالحيثيات المتعلقة بوجود خلايا من الفلسطينيين في لبنان وان اغتيال خليل مقدح القيادي البارز في حركة فتح في مدينة صور جنوبي لبنان مؤخرا هو ثمرة للتفويض الامريكي والتعاون على المستوى الاستخباري والمعلوماتي مع اسرائيل وفد بات بحكم البديهي ان كل حروب وجرائم الاغتيالات التي نفذها وينفذها وسينفذها الكيان الاسرائيلي بالأمس واليوم وغدا لم ولن تتم الا بضوء اخضر امريكي بل وبتدخل امريكي مباشر ولا يمكننا اغقال المساعدة الامريكية الاساسية للجيش الإسرائيلي في جهود إنقاذ الأسرى الأربعة في منطقة النصيرات من خلال توفير المعلومات الاستخبارية وغيرها من الدعم اللوجستي من رحلات الطائرات بدون طيار فوق غزة واعتراض الاتصالات ومصادر أخرى حول الموقع المحتمل للرهائن.
وفي أوائل ديسمبر 2023 كشف تسجيل مسرب عن رونين بار رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ” شين بيت ” وهو يقول للبرلمانيين الإسرائيليين إن قادة حماس سيُقتلون في غزة او الضفة الغربية او لبنان او تركيا او قطر وفي كل مكان وسيستغرق الأمر بضع سنوات لكننا سنكون هناك من أجل القيام بذلك وقج عرض الفكرة على ادارة المخابرات المركزية الامريكية التي طالبت تجنب تنفيذ الاغتيالات في قطر.
جميع جرائم الاغتيال التي نفذها الكيان الاسرائيلي عبر عملائه في المنطقة والعالم ضد رموز المقاومة داخل فلسطين وخارجها وكذلك ضد رموز محور المقاومة ما كانت لتنفذ لولا الدور الامريكي الذي يتم الاعلان عنه عادة بعد مرور سنين طويلة على كل جريمة كما في جريمة اغتيال القائد الشهيد عماد مغنية في دمشق وغيرها من الجرائم الاخرى ولا استثناء في ذلك وان تفويض الجانب الامريكي للجيش الاسرائيلي بالاستمرار في سياسة الاغتيالات والتصفية في الضفة الغربية وقطاع غزة والساحة اللبنانية هو بديل امريكي عن الذهاب باتجاه معركة اقليمية مفتوحة تتدخل فيها امريكا حتما الى جانب اسرائيل
معظم التقارير الامنية العالمية تؤكد ان إسرائيل لا تملك القدرة ولا المعرفة ولا الامكانية ولا حتى الجرأة لتنفيذ اغتيالات سياسية وامنية دولية كبيرة ومعقدة في بيروت وطهران وبغداد وفي كل العالم من دون مساهمة أمريكية مباشرة وتدخل عملياتي من حلف الناتو وجهاز المخابرات الأمريكية وعناصر مخابرات الغرب وفي عملية اغتيال أبو جهاد في تونس قام الاسطول الأمريكي السادس بتوفير كل الدعم للكوماندوز الإسرائيلي حتى وصل شواطئ تونس وفي عملية القرصنة على سفينة كارين في البحر الأحمر ساهم الاسطول الأمريكي في إعادة القوة الإسرائيلية قبل ان تغرق في أمواج البحر الأحمر القصيرة والقوية وفي تصريح له مؤخرا وصف ” سكوت بينيت ” الباحث والمحلل السياس الاميركي انه كانت لإسرائيل يد مباشرة في محاولة اغتيال ترامب الاولى لدعمه وادخال المجتمع الاميركي في صراع داخلي وتتفرغ اسرائيل لحزب الله وغزة.
لجوء رئيس الحكومة الاسرائيلية الفاشية نتنياهو إلى جرائم الاغتيالات دلالة واضحة إلى ممارسته سياسة الهروب إلى الإمام كتعبير عن فشله في حرب غزة رغم استخدامه الإبادة الجماعية من خلال الدعم غير المشروط لهذه الإبادة من جانب امريكا إضافة إلى المأزق العسكري في صراعه المستمر مع حزب الله ولذلك يسعى نتنياهو الى إفشال وإجهاض المفاوضات وجهود الوسطاء للوصول إلى وقف العدوان وإطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن فى ظل المطالب والشروط المتجددة والتي لا تنتهى وصولا الى اشعال حرب إقليمية تتورط فيها أمريكا وإيران ودول أخرى في الشرق الأوسط لكي يتجنب سقوط حكومته ودخوله إلى السجن ولهذا لا يمكن بتاتا استبعاد أن تكون هذه الاغتيالات قد تمت بمباركة أمريكية بهدف تحقيق اي انتصار يمكن حكومة نتنياهو بالترويج له داخليًا وإقليميًا كتمهيد لدفع مسار تفاوضي جديد لإبرام صفقة لتبادل الأسرى يتم بموجبها فرض وقف مؤقت لإطلاق النار بالشروط والمطالب الاسرائيلية على مقاس نتنياهو.
الاغتيالات الاسرائيلية الاخيرة بالضاحية اللبنانية الجنوبية من خلال الضربات الجوية الاستباقية ضد حزب الله تهدف ( امريكيا وإسرائيليا ) للقضاء على التسلسل الهرمي لقيادته العليا وهو ما سيشكل ضربة عملياتية ومعنوية قاسية لصفوف الحزب فضلا عن ان هذه الاغتيالات حققت كثيراً من المكاسب لنتنياهو الذي كان يواجه تراجعاً غير مسبوق في شعبيته بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول على مستوطنات غلاف قطاع غزة لكن استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت عن استعادته بريقه السياسي بقوة مرة أخرى.
ما جعل السفاحين نتنياهو وغالانت يظهران وهما يتحدثان بغرور وبأوداج منتفخة عن جرائم الاغتيال وعن انتصاراتهما الوهمية ويهددان محور المقاومة ويرفضان وقف الحرب والعدان وفي المقابل ظل صانعي القرار في الدوائر الأميركية يصرون على عدم إدانة السلوك الاجرامي الإسرائيلي والاكتفاء بالتنويه لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها على الرغم ان استمرار سياسة الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول من شأنها إشعال المواجهة في المنطقة بشكل يؤدى إلى عواقب أمنية وخيمة وخروج الأوضاع عن السيطرة والوصول الى حافة الهاوية واتساع النزاع نحو حرب إقليمية مدمرة.
الانحياز الأعمى والدعم المطلق وغير المحدود لإسرائيل لا يخفى على أحد ولم يقتصر على خط الجسر الجوي والبحري للإمدادات العسكرية بكل صنوف الأسلحة الفتاكة، أو زيادة أعداد القوات الأمريكية في المنطقة إضافة إلى حاملات الطائرات والمقاتلات الشبحية والغواصات والمدمرات وأنظمة الدفاع الجوي والمعلومات الاستخباراتية ولكن الأمر يتسع لأكثر من ذلك بتسخير النفوذ والهيمنة الأمريكية لصالح أهداف ورغبات ومصالح إسرائيل في المفاوضات وهناك أهدافاً أمريكية – إسرائيلية تديرها الدولة العميقة في أمريكا وتوزيع وتقسيم أدوار ما بين واشنطن وتل أبيب وأطراف إقليمية وأن إسرائيل تخوض حرب وعدوان بالوكالة لمعاونة أذناب وأدوات في المنطقة.
في الختام الحقيقة الثابتة والراسخة والساطعة في كل ما يجرى أن استمرار سياسة الاغتيالات يستوجب الرد القاسي والشامل الذي يجعل امريكا وكيان الاحتلال الاسرائيلي يفكران الف مرة قبل القيام باي اغتيالات لاحقة مع سد كل ابواب الاختراق الثغرات الامنية والاحتمالات السياسية والدبلوماسية في وجهة المشروع الاستعماري الامريكي الاسرائيلي الغربي في فلسطين وفي كل الأوطان العربية.
*كاتب وباحث سياسي فلسطيني