علي الزعتري*
حين يلتقي كثيرُ الديموقراطي والجمهوري الأمريكي فمن يجمعهما هو على الأغلب الصهيوني.
لم أبذل جهداً هنا لأن المعلومات عن هذه الرابطة متوفرةً بغزارةٍ ومتاحةً للعموم وبديهيةً للجميع. إن بحثتَ عن روابطِ أمريكا بإسرائيل ستجدَ فيضاً مُذهلاً.
غير أنه في البداية يجب التمييز بين الجيد والسيئ والصديق ونقيضهِ فليس الأمريكي إلا واحداً مثلنا وباقي الشعوب، حسنٌ وسيئٌ. ذبحَ التطرف الداعشي والعلماني العربي من العرب بكل الأديان عشرات بل مئات الألوف باسم التكفير أو خيانة الوطن. ونسمعُ “داعيةً” عربياً مسلماً يؤلب الناس ضد المقاومة و يقول أن شهداء غزة ليسوا كذلك لأن الله لم يأمرهم بالجهاد أو يقول أن المقاومة اللبنانية أسوأ من إسرائيل. وآخرين يدعون لهم بالنصر ويُبَشِّرونهم بالجنة. وانتقلت الأسلحة العربية لتؤجج الحروب الأهلية العربية ولا تزال. وفيما تظاهر بعض العرب و قُمِعَ الكثير منهم حول غزة وفلسطين رأينا الأمريكي من كل الأديان والألوان الذي يقف بوجه حكومته والعالم ليدين حكومته والصهيونية انتصاراً لهؤلاء الشهداء، و نرى الأمريكي الذي يزودُ إسرائيل بما تشتهي من مالٍ وسلاحٍ ويبرر لها كل جريمة. في تمييزنا هنا دعوةً ليس لبذرِ الكراهية بل للتدبر بهذا العمق والبراعة الصهيوأمريكية على المستوى المؤسسي مما يبني علاقةً متينةً متشابكةَ المصلحة نحنُ فيها مزيجاً من الضحايا الجهلة أو الضحايا العارفين والخانعين أو حتى الراضين بهذا التشابك الصهيوأمريكي إما يأساً من تغييره أو التماساً لرضاه.
لكن الطيب الأمريكي خلافَ القبيح لا يقدر على نفي حقيقة إن إسرائيل والنظام الرسمي الأمريكي هما حَبلَيّْ DNA بعلاقةٍ ذات ترتيبٍ مؤسسيٍّ يمتد داخل النظام و فيمن هم خارجه وقد تقاعدَ من العمل النظامي الأمريكي من العسكريين والساسة. إنه حَبْلٌ سُرِّيٌّ يربط كائنين يَمُدَّانِ بعضهما البعض بالحياة في تبادلٍ متواصلٍ عنوانه حماية الأمن القومي. و سأتناولُ باختصارٍ مؤسستين فقط تعنيان بإدامةِ الصِلاتِ الإسرائيلية الأمريكية وتصويبها نحو هدف حماية هذا الأمن القومي. ومن الذكاء بمكان أن تُرَوِّجَ هاتين المؤسستين لحماية الأمن القومي الأمريكي من خلال ترابطٍ عميقٍ بين العسكريين والساسة الأمريكيين مع إسرائيل وكأنهما تقولان أن لا أمن لأمريكا دون إسرائيل ودون مواجهةٍ مشتركةٍ للتحديات التي تتعامل معها إسرائيل.
أُنشِأَ “المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي” عام ١٩٨١ على مبدأ “التحديات الأمنية الفريدةِ من نوعها لإسرائيل وأهميةِ وجودِ علاقاتٍ قويةٍ أمريكيةٍ إسرائيليةٍ من أجل الأمن القومي الأمريكي.” حجرُ الزاوية لهذا المعهد هو في تفويجِ قادةٍ عسكريين أمريكيين متقاعدين من رتبة لواء/عميد وأمير بحر في زيارةٍ معمقة لإسرائيل يلتقون خلالها القادة العسكريين الكبار الإسرائيليين و المخابرات والقادة السياسيين ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان ومدير الموساد. وقد اشترك في هذا البرنامج لليوم أكثر من ٥٠٠ قائداً عسكرياً أمريكياً ممن يحملون مسؤوليةً عملياتيةً قتاليةً. ثم يقومون بزياراتٍ لمواقع إسرائيلية استراتيجية ومواقع حدودية ليتفهموا ويتعرفوا على القدرات الدفاعية الإسرائيلية والتحديات الأمنية. كما يتناولون من خلال “مركز جيمأندر للدفاع والاستراتيجية” الملحق بالمعهد مبادراتٍ سياساتيةٍ تدعم الأمن القومي الأمريكي و العلاقات المشتركة. في عام ٢٠١٩ دُشِّنَ بالمعهد “برنامج القادة العسكريين الأمريكيين” لتوعية من هم في الخدمة الفعلية بإسرائيل. وفي عام ٢٠٢٠ تأسس برنامجاً مماثلاً يختص بالعسكريين المقيمين في العاصمة واشنطن بمنحهم فرصاً تدريبيةً متخصصةً. وفي عام ٢٠٢٢ بدأ المعهد برنامجاً حول الأمن القومي للكونغرس يدور حول زيارةِ إسرائيل والقيام بجولات نقاش و إطلاعٍ. ومنذ هجمةَ ١١ سبتمبر ٢٠٠١ في نيويورك والعاصمة واشنطن ابتدأ المعهد برنامجاً خاصاً بمكافحة الإرهاب و تطبيق القانون مع المؤسسات الأمنية الأمريكية الفيدرالية و الولائية. ولربما تذكرون حين بدأت الاحتجاجات الطلابية الجامعية في نيويورك تحديداً ظهور استشاريةٍ إسرائيلية أكاديمية أمنية تُرشدُ الشرطة عن كيفية التعامل مع مؤيدي فلسطين. كما تذكرون أن الأنباء تواترت عن قوات أمريكية غير نظامية تقاتل مع الجيش الإسرائيلي والحقيقة أن للجندي الأمريكي فرصة الانضمام للجيش الإسرائيلي دون ترددٍ أو عقابٍ وهو ما وثقته دراسات عديدة منذ الحروب الأولى في القرن الماضي. كما أن انتقال الضباط الإسرائيليين للعمل في أمريكا أمرٌ سهلٌ خاصةً ممن يمتلكون الخبرة القتالية والتقنية وتطوير السلاح.
المؤسسة الثانية في سياق هذا الإرتباط تحمل إسم “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”.
هذه مؤسسةٌ تنظر لأعداء أمريكا من خلال عددٍ كبيرٍ من الباحثين والاستراتيجيين و هي تنظم منذ ٢٠١١ زيارةً سنويةً لإسرائيل حصرياً لعسكريين أمريكيين تحت الخدمة شملت لليوم أكثر من ٦٠٠ قيادي أمريكي يلتقون بنظرائهم الصهاينة و يتناقشون بمسائل التحديات الأمنية و استراتيجيات الدفاع و يشاركون في تجارب ميدانية تدريبية مع الجيش الإسرائيلي. وتدعو هذه المؤسسة الراغبين من العسكريين الأمريكيين التقديم لشملهم بهذه الزيارة العسكرية على أن تكون أعمارهم بين ٣٠ و ٤٠ سنةً و يحملون رتبة عقيدٍ فأعلى ومن يتم اختياره سيحظى بالزيارة مدفوعة التكاليف بالكامل. ومن المُخجل وجود عربيٍّ من ضمن الباحثين في الشأن العربي الإسرائيلي وقد نال شهادة الماجيستير من جامعة تل أبيب. وصورته موجودة بموقع المؤسسة الرسمي.
هذا الوصف بالمقالة للارتباط الأمريكي الإسرائيلي مختصرٌ للغاية و هو لا يشمل الإيباك “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” الشهيرة و مئات المنظمات اليهودية الصهيونية المنتشرة في أمريكا و مؤسساتها المدنية كافةً و لا النظام المالي التجاري والتقني والأكاديمي التي تعمل بعقليةِ الآلة الذكية ذات الهدف الواحد وهو حماية إسرائيل وإبقاء أمريكا الداعم الرئيس لها. فمنذ عام ١٩٤٦ و لهذا العام ٢٠٢٤ وصل الدعم الرسمي الأمريكي لإسرائيل مبلغاً يتجاوز ٣٠٠ مليار دولار، نصفه عسكري، هذا غير الدعم من خلال التبرعات الشخصية والهبات والأوقاف التي يوقفها أثرياء يهود لخدمة الصهيونية.
إزاءِ هذه الخلفية السريعة يحقُ لنا التساؤل عن مئات الرتب العسكرية العربية التي نالت نصيباً واسعاً من التدريب الأمني والشرطي والعسكري الأمريكي في الأراضي الأمريكية وهنا ببلادنا. نسألُ عن التأثير العربي في العقلية العسكرية الأمنية الأمريكية ونجيبُ بأنها عمليةٌ ناتجها الصفر. يبدو وكأن مراتبنا تدربت هناك وهنا “روبوتياً” بدون روح. تدريباً لا يتطرق للحقوق العربية، يَصُبُّ علوماً عسكريةً وأمنيةً في العقول ويردع أي تفكيرٍ أو إشارةٍ لصدِّ العدو الأول، الصهيونية الإسرائيلية.
لنا بقيةٌ من حديثٍ حول عمق الروابط بمجالاتٍ أُخرى. أما هنا، فالصورةُ واضحةٌ أن الرابط الأمريكي الإسرائيلي العسكري والأمني يأتي بجذورٍ عميقةٍ داخل وخارج المؤسسات، و تستمر. وأن الأمن القومي لكليهما يتساويان قيمةً وهدفاً.
*كاتب اردني ودبلوماسي أُممي سابق
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …