الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / وللأطفال رحلة إسراء ومعراج، أسألوا أطفال فلسطين

وللأطفال رحلة إسراء ومعراج، أسألوا أطفال فلسطين

ريم عثمان*
في رحلة المعراج وقبل أن تصل إلى باريها ,التأمت أرواح أطفال غزة على مائدة العشاء الأخير ,هناك في السماء حيث لا برد ولا جوع ولا خذلان, كانت وقفة الإسراء ,لم يستريحوا في ساعتهم السابعة بعد الموت لكنهم توقفوا لإلقاء التحية على السابقين المقربين , فها هنا وعلى اليمين يجلس ناجي العلي حاملا صورة حنظلة ,طفله ذو السنوات العشرة. وعلى الشمال غسان كنفاني يحمل لافتة الهوية ويقول “أنا من هناك من حيفا , لم أعد, ولكنني اشتقت إلى أرض البرتقال الحزين ورائحته “.
ومن خلفه كورال رجال الشمس بعد أن ابيضت وجوههم التي شوتها شمس الصحراء تحت سقف صهريج الهجرة, ومن أمامهم شاعر المقاومة محمود درويش في حضرة الغياب يغرّد: ” سجلوا أنا مثلكم عربي فلسطيني “. ومن خلفهم شيخ المجاهدين عزّ الدين القسّام يحضرّ خطابه في مقام الجهاد علّه يكسر جدار الصمت.
يسأل الأطفال ببراءة الطفولة الغضّة : “لماذا نحن هنا؟”
فيجيب الجمع بصوت واحد:” لأننا ننتظركم ,ننتظر كل طفل عربي يعرج إلى سُدرةِ المُنتهى ؟ فمرحبا بكم في السماء وإلى السماء السابعة سترتقون في تمام الساعة الرابعة.”
وكيف عرفتم أننا عرب ؟ يسأل الأطفال وبصوت غسان كنفاني يأتي الجواب :
” سمعت صوت سيدة تقول: “كان طفلا عربيا ميتا ، وقد رأيته مكسوا بالدم .” وأخذها زوجها إلى الرصيف الآخر وسألها : “كيف عرفت أنه طفل عربي؟ ” أجابت على عجل : “ألم تر كيف ألقوه في الشاحنة كأنه حطبة ؟
ولكن لما نحن في السماء ؟ كنت أعيش من أجل غدٍ لا خوف فيه، وكنت أجوع من أجل أن أشبع ذات يوم، وكنت أريد أن أصل إلى هذا الغد، لم يكن لحياتي يوم ذاك أي قيمة سوى ما يعطيها الأمل العميق الأخضر ,بأن السماء لا يمكن أن تكون قاسية إلى لا حدود , وبأن هذا الطفل، الذي تكسَّرت على شفتيه ابتسامة الطمأنينة، سوف يمضي حياته هكذا ممزقًا كغيوم تشرين، رماديًا كأوديةٍ مترعة بالضباب، ضائعًا كشمسٍ جاءت تشرق فلم تجد أفقها ؟!!
فيرد كنفاني: “للأسف , السماء والأرض، وكل شيءٍ، كانت على شكلٍ مغاير لآمال الصغير ..”
يخرج محمود درويش عن صمته وينشد : “ليتني شمعة في الظلام يا ابن أمي “
وهل الحب يكفي والتمني ؟!!
فيقول كنفاني : “كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود.. والحب وحده لا يستطيع مهما بلغت حرارته أن يخبز رغيفاً.”
وهل ستقوم الدنيا ولا تقعد على رأس اليهود ؟!
يقول درويش :” الآن والأشياء سيدة وهذا الصمت عالٍ كالذبابة , لحمي على الجدران لحمك يا ابن أمي
إن صرخت بكل قواك ورد عليك الصدى.. مَنْ هناك؟؟ فقل للهوية شكرا
إن توقعت شيئا وخانك حدثك فاذهب غدا لترى أين كنت وقل للفراشة شكرا ,
إن نهضت صباحا ولم تجد الآخرين معك يفركون جفونك قل للبصيرة شكرا
ولكني لا أسمع صوتا هو الصمت إذاً يعلو
لكن سيعلى عليه بالجهاد هكذا قال المجاهد القسام وأكمل مستنيرا بدين الإسلام :” حرص القصص القرآني على أن يلقي في روع السلم أن رسالات الأنبياء عليهم السلام تملك طاقه الانتصار و الغلبة مهما كانت فداحة الخطوب التي تواجهها.. و هذا ماعلينا أن نتشبع به في هذه الأيام التي سيطر فيها اليأس و الإحباط .”
ولكن الخطب طمى حتى غاصت الركب وارتقى الأطفال شهداء بالآلاف لا بالمئات ؟
“بل نحن في مقام لم تعرفه بعد يا صغيري .. نحن في مقام الجهاد.. ومن خرج في هذا المقام لا يصح أن يستسلم إلّا لله, دع نفسك المطمئنة تمضي في معراجها راضية مرضية فقد تركت خلفي رجالا أقسموا بحصد أرواح اليهود من حقول النار وقطف رؤوسهم من أعالي الأسوار” .
وهل يد واحد تصفق وحدها ؟ أم أن العرب عقدوا العزم على تكرار تجربة الاتحاد كما حدث في حرب تشرين سالفة الذكر ؟
يرد كنفاني على هذا الكم المفعم باستفهامات براءة الأطفال : ” اسمع يا فيلسوفي الصغير إن القواعد الجديدة لا تكتشف إلا بالخروج عن القواعد القديمة , لقد خدعتنا البلاغات ثم خدعتنا الحقيقة بكل مرارتها.”
فيسأل الفيلسوف الفلسطيني الصغير :” وأي حقيقة ؟؟!! “
يكسر درويش مجددا جدار صمت الحاضرين :
” حطوك في حجر وقالوا لا تسلم
ورموك في بئر وقالوا لا تسلم
وأطلت حربك يا ابن أمي ألف عام في النهار
فأنكروك لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرار .. “
وبابتسامة ساخرة يرد كنفاني : “لماذا تنتظرون منهم موقفا جريئا ؟! فلسطين بالنسبة لنا جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها، وبالنسبة لهم ، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة.”
وكيف تتحدث عن الجهاد يا شيخنا القسام ؟ وهم يتشدقون باسم الدين ويرتدون عباءته ويرتادون دوره ولم يعرفوا عن السلاح إلى اقتناؤه في مستودعات مغطاة بأغصان الزيتون وريش الحمام “؟
يجيب القسام في عليائه :” يجب أن تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة “
ويردف ناجي العلي : ” هي الطريق لكن هل يعلمون أن الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة, إنها بمسافة الثورة؟
يقول كنفاني : كلهم يتحدثون عن الطريق وهم لا يعرفون عن الطريق إلاّ لونها الأسود وأرصفتها”.
فيردد رجال الشمس في الكورال :
“أسألونا نحن عن الطريق وحرارته”.
فيصفّق العرب أمام عدسات الكاميرات ويلوحون بورقهم الأبيض الفارغ إلاّ من بعض عبارات التنديد ولاستنكار والشجب بلا لاءات لا مثنى ولا ثلاث ولا رباع .
يتساءل ناجي العلي :” لا أفهم هذه المناورات•• لا افهم السياسة، لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية• أما حمامة السلام تلك فأنا لا أؤمن بها إلا كغراب بين يحوم فوق رؤوسنا “.
على لسان طفل شهيد في محراب مستشفى بغزة تنبت الكلمات كالأعشاب من فم أشعيا النِّبَويِّ:
“إنْ لم تُؤْمنوا لن تَأْمَنُوا”
ماذا بعد؟ صاحت فجأة جنديّةٌ إسرائيلية :
هُوَ أَنتَ ثانيةً؟ أَلم أَقتلْكَ؟
قال الطفل الشهيد : ” قَتَلْتني… ونسيتُ، مثلك، أن أَموت.
سأبقى شمعة في الظلام حتى تنتهي الهجرة الأخرى
فيردد باقي الأطفال الشهداء بصوت الوداع من على مائدة العشاء .
أسدلوا الستار سنختم جواز سفرنا إلى بلاد المنفى الإلهي
أسدلوا الستار على فصول الهجرة الأولى وما تلاها
أوشكت تدق ساعةُ حائط الغرق.
*كاتبة سورية

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …