د. بلال اللقيس*
لقد ظهر هذا المجتمع أكثر استشعاراً بهويته التاريخية وتمسكاً بها كهوية حضارية يفتخر بها ، ولا شك ان شهادة السيد نصر الله كانت اشبه بحاجة في هذه المعركة التاريخية . وقد ساعدت حالة الزّهو والانتشاء والعتو الإسرائيلية في كشف المخبوؤ من أهدافه فاصحر عما في مكنونه بأهداف تتجاوز إضعاف المقاومة في غزّة ولبنان الى السيطرة على المنطقة برمتها وجعلها على قياسها وإعادة تعويم نفسها كمدافع معتمد عن الحضارة والقيم الغربية .
كل ما تقدم من مزايا المجتمع المقاوم والمقاومة وخطابها وسرعة نهوضها ربّما خيّب من راهن على دعوى “ما بعد حزب الله” ، ثبت لهم أنّهم تعّجلوا كثيراً جداً جداً كعادتهم ، واكتشفوا سطحيتهم في السياسة وآنيتهم . لقد اكتشف العدو قبلهم أنّ المقاومة ليست بموقع من يُفرض عليه الشروط أو تُسرق منها اللحظة ببهلوانيات الدبلوماسية الأمريكية وتذاكي بعض من في الداخل . حزب الله والمقاومة اليوم أفضل حالا من أي وقت مضى من مراحل تاريخه ، شرعية وزخماً. والآتي من أيام ستعطيه مزيدامن المدى في الميدان والاستراتيجيا ليصبح حاجة إقليمية وليس فقط حاجة لبنانية . فانجازات الميدان وقدرة التحّمل عند بيئته وسياسة الاستنزاف المتصاعدة للعدو كاستراتيجية ومقابلة الضغط بالضغط كأداء وتكامل القوى الداعمة للمقاومة في الإقليم ومشاركاتها النوعية متحول ونقلة نوعية في الصراع وتغّير المزاج العالمي والشعبي والرأي العام لصالح فلسطين وقضيتها وسقوط مباني الحضارة الغربية ونموذجها وعقم المؤسسات العالمية وعجزها وانقسام المجتمع الدولي بين البريكس وال g7 وتراجع الرغبة بالتطبيع العربي مع دولة متوحشة وعاجزة عن ضمان امنها والتحّول الذي يصيب المجتمع الأمريكي والتجمّع الإسرائيلي وغياب الأفق والأهداف الواضحة عند حكومة العدو وسيف الوقت الذي لا يسير لصالح إسرائيل وعدم بلوغ المقاومة الذروة في فعلها مقابل العدو الذي بلغ الذروة ، كل ذلك ادّى وسيؤدّي الى بداية مرحلة نزول العدو عما وضعه من أهداف وأسقف عالية …. إنّ أهداف العدو تراها تتراجع مع كل اشراقة شمس وطموحاته الموهومة تذهب أدراج الرياح كل ساعة تمضي . ليكتشف العدو الإسرائيلي حجمه الفعلي وأنّه أعجز من أن يحّقق ما عجزت عنه الآلة العسكرية والسياسية الأمريكية لعقدين من الزمن مع مطلع الألفية بل صارت لعنة على الأمريكي والغربي عموماً . أمّا المقاومة ، فتقترب كل يوم من تحقيق أهدافها التي حدّدتها على لسان أمينها العام وقائدها الملهم والتاريخي : وقف الحرب على غزّة ، وتاكيد وحدة الساحات ومنع عودة سكان الشمال وعدم السماح باحتلال شبر من لبنان .
عامل الوقت والنزف والانكشاف وانعدام الأمن وتهُّدد الاستثمار صارت سمات إسرائيل الجديدة ، والإقرار الضمني بالعجز عن قدرتها لتحويل المنطقة على قياسها صار واقعا فضلا عن إسقاط مقاومة لبنان او احتلال جزءا منه ، ودورها الوظيفي ثبت ضحالته .
فالقوّة الاسرائيلية أو تظاهرها بالقوّة لم يخف ضعفاً مختزنا وهائلاً وأنّها أعجز من أن تتوسّع برياً أو تحوي المنطقة اقتصادياً او تشكل ضمانه أمنية لاحد او تصنع أطرا سياسية جدية وتوافقات تكون هي محورها للإمساك بالمنطقة …. بل أعجز من أن تحمي ذاتها ، لقد انكشفت أمام العالم أنّها باقية بفضل الغرب وأوروبا وأميركا ليس إلاّ !!! وباقية لأنّ هناك من الانظمة العربية من لا يحترم ذاته ولا شعبه ولا أمتّه ولا مصالحه الفعلية والبعيدة , أو ربّما لأنّ كرسي السنوار يرعبهم ويضرب شرعية كراسيهم وعروشهم .
يبقى أن نسأل في مقال آخر ….. كيف تمكن حزب الله من “القيام” بعدما ظنّوا أنّهم صلبوه وسارعوا لاعلان نعيه …. ما هو السر في قيامته وعودته مجددا بأقوى ممّا كان !! هذا ما يجب أن نسعى لمعرفته لنبني مستقبلاً على فهم أمتن وأكثر علمية لحزب الله وبيئته التي تتقدم امامه وليس بجنبه فحسب بعيداً عن النكد والاستعجال والغوغائية التي تصيب بعض الغرب واللبنانيين – والتي كانت أحد أسباب فشلهم التاريخي – .
*كاتب وباحث سياسي لبناني
شاهد أيضاً
صلابة المقاومة!
عبدالفتاح البنوس* ما من شك بأن المجاهدين العظماء يدركون جيداً أن مسيرة الجهاد والمقاومة التي …