د.حسناء نصر الحسين*
بعملية خاطفة وخلال ساعات معدودات نفذت الجماعات الإرهابية ممثلة بهيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة ) ومن معها مما يعرف بالجيش الوطني العميل المدعوم تركيا والعديد من العصابات الإجرامية متعددة الجنسيات المصنفة إرهابية بموجب قرارات دولية شن هجوم مفاجئ من ثلاثة محاور على محافظتي حلب وإدلب ، بهدف إعادة احتلال المناطق التي حررها الجيش العربي السوري بدعم من روسيا ومحور المقاومة خلال السنوات الماضية وقدمت التضحيات الجسام في سبيل استعادتها وتحريرها .
استطاعت هذه العصابات الإرهابية أن تحدث خرقا كبيراً في عدة محاور لتحقيق هدفا استراتيجياً متمثلاً باعادة السيطرة على طريقي الM4
والM5 الدوليين وفي هذا الهدف حاجة إسرائيلية بامتياز ، فهذا الكيان اللقيط الخارج من هزيمة كبرى باعتراف قادته أجبرته على الذهاب لاتفاقية وقف إطلاق النار مع المقاومة الإسلامية اللبنانية يدرك جيدا حجم الدور السوري في هذا الانتصار ودور القيادة السورية في إلحاق هذه الهزيمة ، من هنا أتى هذا العدوان ليلبي الحاجة الإسرائيلية في الانتقام من الدولة السورية وقطع طرق الإمداد عن المقاومة في لبنان وهذا ما تناقلته بعض وسائل اعلام العدو من خلال تغطيتها للأحداث في حلب .
فكان العدوان بإدارة متعددة الرؤوس وتحمل نفس البصمات التي تم رفعها خلال الاعتداآت السابقة التي وقعت قبل عقد تقريباً ، والمنفذ هو ذاك الأخطبوط بما يملكه من قلوب متعددة توافقت على سمة التكفير.
أراد العقل المدبر في ال سي آي إيه ومن معه من ال F16جهاز الاستخبارات البريطانية وبتعاون تركي فرنسي اوكراني أن يكرر مشهدية سيطرة اذرعهم من جماعات الإرهاب العالمي على حلب وادلب في عام ٢٠١٥ من خلال شن هجوم عنيف وبأعداد كبيرة على أرياف حلب وادلب تمهيدا للوصول إلى احتلال المدن ، وهذا ما حاولت مكاناتهم الإعلامية الضخمة تقديمه خلال الساعات الماضية وكأن الشعب السوري قد نسي هذه الاداة التي تدير معركة الحرب النفسية ، الهادفة إلى اعلان سقوط المدن والمناطق الحيوية والاستراتيجية إعلاميا قبل أن تتمكن من احتلالها فعلياً.
وهنا لا نستطع أن ننكر او أن نقلل كما لا نقع في فخ التهويل الا اننا نستقرأ حجم هذا العدوان من خلال غرفة العمليات التي تديرها عناصر استخباراتية من كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا والكيان والمخابرات الاوكرانية ، وهذا يعني اننا أمام أهداف متعددة تحقق مصالح هذه القوى الاستعمارية ،إلا أن الهدف الاستراتيجي هو أمريكي اسرائيلي بامتياز ويمكن حصره بين ما يجري على الساحة الروسية – الاوكرانية وتطوراتها والحرب اللبنانية – الإسرائيلية ونتائجها وتبعاتها ، وهذا ما دفع دول العدوان للذهاب لخلط الأوراق في محاولة لاحداث تغيير كبير في الجغرافية السياسية ومناطق النفوذ إقليميا ودوليا يبني عليها حاكم البيت الأبيض الجديد استراتيجيات التعامل مع مخرجاتها .
تدرك القيادة السورية جيدا أهداف العدوان وغايته وما تسعى لتحقيقه هذه الدول فكانت زيارة الرئيس الأسد لموسكو وأعتقد أن مخرجات هذه الزيارة ستترجم في الميدان
فالدولة السورية والحلفاء يتعاملون مع هذا العدوان وبدأت التحشيدات والارتال العسكرية المناسبة بدءأ باختيار القيادات ذات الكفاءة العالية وقوات النخبة في الجيش العربي السوري والسلاح والعتاد الأكثر فاعلية لخوض هذه المعركة وتحقيق أهدافها على المستوى الاستراتيجي فنحن نتحدث عن مناطق تمثل الأمن الإقليمي للدولة السورية وهنا لابد أن تظهر الخطوط الحمر للدولة السورية .
وفي الختام أقول هذا العدوان الامريكي الغربي الاسرائيلي التركي حصل في انتهاك فاضح لمناطق مدرجة ضمن مناطق خفض التصعيد وكان الهدف من وجود هذا الاتفاق إنساني بالدرجة الأولى حسب ما تم ترويجه وهذا ما دفع الدولة السورية للالتزام به خلال هذه السنوات بالرغم من كل الخروقات الكثيرة للجماعات الإرهابية، الا ان هذا العدوان بمثابة اعلان عن انتهاء العمل بهذه الاتفاقية التي أخّرت الدولة السورية كثيرًا عن الدفاع عن نفسها وحرمها من تطهير أرضها وتحرير شعبها من براثن الإرهاب، فهل ستتلقف الدولة السورية هذا المتغير وتنجح في تحويل أزمتها إلى فرصة ؟ وهل ستنجح الدولة السورية في دفع الدول الضامنة لمسارات استانا وسوتشي لتحمل مسؤوليتها ؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام القليلة القادمة التي تلي إعلان الجيش العربي السوري ساعة الصفر .
*كاتبة سورية وباحثة في العلاقات الدولية