د. حسناء نصر الحسين*
هذه الحرب التي تعد بكل مالها وما عليها نقطة تحول وعلامة فارقة في تاريخ الفكر الاستعماري والصراع على الشرق الأوسط واليوم يتوقف مستقبل دول وشعوب هذه المنطقة على نتائج هذه الحرب التي يصعب علينا في ظل الواقع الحالي للقوى الدولية وصراع المصالح أن نستقرأ نتائجها لناحية رغبة الدول التي دفعت بالكيان لشن عدوانه بتوسيع دائرة النار أو الذهاب لإطفائها ، وهذا أيضا مرتبط بحجم الرد الايراني وقوته على هذا العدوان وهذا ما تفعله ايران حاليا في ممارسة حقها المشروع عن نفسها وشعبها وعن حقوقها المشروعة بامتلاك السلاح النووي السلمي أسوةً بالعديد من دول العالم ومن هذه الدول ” إسرائيل ” التي تشن عدوانا على ايران تحت هذه الذريعة.
أما إن أردنا أن نغوص بالتفاصيل لمحاولة فهم هذا العدوان المفاجئ في وقت كانت ايران تخوض مفاوضات مع واشنطن وسبب إعطاء الرئيس ترامب الضوء الأخضر لرئيس حكومة الكيان يعود لأسباب أكبر من هدف ترامب بحماية أمن إسرائيل كما يدعي بل الأمر يعود لرغبة أمريكا باستعادة ايران التي خرجت من عباءتها منذ عام ١٩٧٩ ، وهذا الأمر دفع الرئيس ترامب لإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل متأملًا أن تنجح مهمة نتنياهو بالقضاء على النظام الايراني منذ اليوم الأول من خلال عمليات الاغتيالات التي طالت قادة إيرانيين وكان هدفهم ليس فقط هؤلاء القادة بل السيد الخامنئي وأعتقد هذا ما كان المخطط له على فرضية تساقط احجار الدومينو على رقعة الشطرنج الإيرانية دفعة واحدة ويكون بذلك نتنياهو قد أنهى المهمة دون ردود فعل من ايران وهذا ما لم يحدث، ووضع إسرائيل والعالم على حافة الهاوية .
استطاعت ايران سد الثغرات القيادية بسرعة كبيرة واستعادة السيطرة وبدأت بعملية الرد المتدرج لناحية الرسائل والقدرة على التأثير في مسار هذه الحرب التي فرضت عليها وعلى شعبها .
تدرك ايران كما كل دول الشرق الأوسط حجم المؤامرة والغرض منها وهذا كان سبب الاصطفاف وحجم المواقف من دوله التي ادانت الكيان وشرعنت حق ايران في الدفاع عن النفس وتدرك هذه الدول أن نجاح المشروع الامريكي الاسرائيلي بإسقاط النظام في ايران سينعكس على كل المنطقة لناحية حروب اضافية وتقسيم هذه الجغرافية الشرق اوسطية وما تصريح نتنياهو بأن حربه على ايران ستغير وجه الشرق الأوسط الا اعترافاً صريحاً بهدف هذه الحرب وهو تغيير وجه الشرق الأوسط والسيطرة عليه من قبل أمريكا وإسرائيل .
والدور الكبير الذي تلعبه أمريكا التي تشكل رأس الحربة فيه ، والتهديد بالدخول في هذه الحرب لضرب المنشآت النووية الإيرانية يضع العالم بأسره أمام تحد كبير يتمثل بكارثة نووية على شاكلة كارثة تشيرنوبل او هيروشيما لن يسلم منها أحداً لا اقليميا ًولا دوليا ًوهذا ما يفسر حجم التوتر على المستوى الدولي حتى الدول الغربية الداعمة لإسرائيل تحذر من مغبة مشاركة أمريكا في تدمير هذه المنشآت بما تحمله من مأساة اجتماعية واقتصادية لن يمحى اثرها بعقود.
وفي الخلاصة :
لا بد أن نركّز على هدف أمريكا من شن هذه الحرب المتمثل باستعادة ايران لفلكها بكل ما تملكه من موقع جغرافي في غرب آسيا والسيطرة على مقدراتها وثرواتها ليكون إسقاط ايران هو نقطة البدء في محاربة الصين وتقويض مصالحها وافشال مشاريعها الاستراتيجية وأهمها طريق الحرير والمس بأحد اهم الدول التي تشكل مجموعة البريكس .
ترى أمريكا في هذه الأهداف تستحق المغامرة وهي التي خرجت قبل وقت قصير تجر ذيول الخيبة والهزيمة في أفغانستان لتعود مرة أخرى بالسيطرة على دول غرب آسيا من بوابة ايران وهذا ما فشلت وستفشل في تحقيقه فلن تنتهي هذه الحرب من خلال ضرب المنشآت النووية بل سيكون العالم أمام فصل جديد ومرحلة جديدة من الرد الايراني بما يحمله من تحديات كبرى لصانع القرار في البيت الأبيض من خلال استهداف القوات الأمريكية في المنطقة ناهيك عن الأثر الاقتصادي الذي سيؤدي لارتفاع جنوني بأسعار الطاقة عالميا وزيادة التضخم بما يجعل العالم أمام تحديات يصعب معالجتها عدى عن مستقبل ترامب السياسي وعقيدته السياسية وهو ينتظر الانتخابات النصف سنوية وهذا سيجعل واشنطن أمام خيارين أحدهما إيقاف الحرب والعودة للحلول الدبلوماسية وهذا سيكون انتصار لإيران أو الاشتراك بضرب المنشآت النووية الإيرانية وفي هذا مخاطرة كبيرة على مستوى العالم ، هنا تكون أمريكا وضعت نفسها أمام خيارين أحلاهما مرُّ.
*كاتبة وباحثة في العلاقات الدولية – بيروت
