الأربعاء , يوليو 9 2025
الرئيسية / اراء / السلاح الإستراتيجي الذي لم تستعمله ايران حتى الآن!

السلاح الإستراتيجي الذي لم تستعمله ايران حتى الآن!

علي سيريني*
الضربة الأمريكية لم تكن مفاجئة، فأمريكا هي مع إسرائيل في الحل والترحال. والسلاح الذي تستخدمه إسرائيل ضد إيران هو سلاح أمريكي، فضلا عن دعم أمريكي متواصل. ولكن، لأن أمريكا كانت قد أعلنت أنها ليست طرفا في الحرب، فإن الدول المناوئة والمتنافسة مع أمريكا، مثل روسيا، الصين وكوريا الشمالية، لم تلعب دورا ظاهراً غير إصدار بيانات رسمية تندد بما وصفته “إعتداء إسرائيلي على إيران”. ولكن اليوم، بعد الهجوم الأمريكي على إيران، فهذه الدول لا تقف مكتوفة الأيدي دون عمل شئ. فالحرب لم تعد بين دولتين إيران وإسرائيل، بل هي حرب بين إيران، وخلفها المعسكر الذي تمثله، ضد المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في تنافس محموم على النفوذ في العالم. وفي كل الأحوال، وبما أن إيران محسوبة على المعسكر الذي يجمعها بروسيا والصين وكوريا الشمالية، فإن إنتصارها يعني إنتصار معسكرها كله، والعكس، فإن هزيمتها تعني إنكسار معسكرها أيضا. لذلك، فإن الفرصة جاءت على طبق من ذهب لروسيا لتثأر لنفسها من أمريكا و أوروبا اللتان دعمتا أوكرانيا ضدها لأكثر من ثلاث سنين، في حرب إستنزاف كلّفت روسيا الكثير. ومن هنا، فإن الروس هذه المرة وخلفها كوريا الشمالية والصين، سترد الصاع صاعين لأوروبا وأمريكا في حرب إستنزاف ضدهما عبر إيران ضد إسرائيل ليس لها سوى طريق واحد وهو دعم أوروبا وأمريكا لإسرائيل وهو ما يكلّفهما الكثير. لكن المال الخليجي بدأ يغطي التكاليف وهذه الزاوية تشكل مكمن النصر والهزيمة للمعسكر الإيراني-الروسي-الصيني-الكوري الشمالي.
أمريكا بضربتها ضد منشآت إيران، قدمت هدية ثمينة لها، وستتدخل دول المعسكر المقابل بثقلها وراء إيران سواء بتزويدها بأسلحة إستراتيجية للحفاظ على التوازن، أو بتعزيزها بالقوة المطلوبة لردع العدوان وصده وإلحاق الخسائر المطلوبة بأمريكا ومعسكرها وإستنزافه. ولكن ما هو السلاح الإستراتيجي الإيراني الذي لم تستعمله حتى الآن؟
في الواقع، إن هجوم أمريكا اليوم على إيران يشكل خرقاً للقوانين الدولية والإتفاقيات المبرمة بين الطرفين، عبر وكالات دولية تبت في شؤون الطاقة النووية. فالهجوم جاء خارج سياقات العلاقات الدولية المعهودة، ونابع من تصميم يستند على منطق القوة الصرف. الإيرانييون يعلمون ذلك جيداً، وهم اليوم متفقون أنه لم يعد هناك ما يخافون عليه من أمريكا، مثل المبلل الذي لا يخاف من المطر. إذن، إذا كانت إيران حتى أمس قريب، تحسب أي حساب لأمريكا، أملاً بدفعها عن التدخل المباشر في الحرب، فإن هذا الحساب تلاشى كلياً بعد هجمات أمريكا على منشآتها بطائرات أقلعت من قواعد عسكرية أمريكية، موجودة في دول الخليج. على أرض الواقع، تشكل إيران دولة كبيرة من حيث المساحة (حوالي مليون و ستمائة وخمسون ألف كلم) وهي تقع على بحر الخليج، وخليج عمان وبحر القزوين، حيث قنواتها للإتصال بالعالم. وهي الدولة السابعة عشر عالميا من حيث كبر المساحة وعدد السكان. ولدى إيران جيش قوي متمرس، خاض حروبا لعقود من الزمن، ولديها سواعد كثيرة في المنطقة خصوصا في العراق، لبنان واليمن. من حيث القوة العسكرية، تملك إيران حوالي مليون عسكري جاهز للقتال. وفي العراق هناك ما لا يقل عن ربع مليون مسلح تابع لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران. هذا ما عدا الجيش النظامي العراقي الذي يتشكل في غالبيته من الشيعة، وهم موالون لإيران، خصوصا في مواجهتها مع أمريكا وحلفائها. أما في اليمن، فإن القوات الحوثية وميليشياتها فتبلغ زهاء ثلاثمائة ألف مقاتل مسلح. وفي لبنان تقدر إيران على تجييش ما لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل.
إذن، تملك إيران أكثر من مليون ونصف مليون مقاتل على الأرض، وهم مسلحون تسليحا جيدا وبخبرة وتمرس طويلين وشجاعة مشهودة. ومن الجدير بالذكر أن القوات العسكرية العراقية، وخصوصا الحشد منها، فهي تملك أسلحة أمريكية وأوروبية متطورة. وبهذه الكوامن والميزات، فإن إيران قادرة اليوم على قطع الطريق عن أمريكا، من إستعمال دول الخليج كقواعد للهجوم عليها. إن سيطرة إيران على دول الخليج، إذا ما أرادت، لا تستغرق سوى أيام قلائل، وهذا ممكن عبر الإطباق عليها من بحر الخليج ومن العراق و اليمن. وإذا ما أقدمت إيران على هذه الخطوة، بالتنسيق مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، فإن الإحتلال الأمريكي للخليج سينتهي دون رجعة. وبهذا الإقدام ستفتح إيران صفحة عالمية جديدة، تظهر فيها كزعيمة إقليمية عظمى، في وقت تعوض روسيا خساراتها في السنوات الأخيرة، مع حضور صيني قوي في منطقة الشرق الأوسط، مقابل تراجع أمريكي محتوم. وعلى الصعيد العالمي، ستتراجع قوة أمريكا كونها القوة العظمى المهيمنة. وستتخلص إيران من هذا التهديد والشر القائم على تخومها والخارق لحدودها. وكل ما تحتاجه إيران في سبيل تحقيق ذلك، هو عنصر المباغتة، في تحريك هذا الجيش الكبير والمتمرس نحو الخليج. وأصبح الواقع مشجعا لتحقيق هذه النتيجة، بعد تدخل أمريكا في الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل. ومما يشجع أكثر، هو وجود دول مسلمة تشعر بخوف حقيقي من أمريكا وعدوانها المستمر. ومن هذه الدول تأتي تركيا في المقدمة بإعتبارها المرشح القادم للحملة التي تستهدف المنطقة، ثم باكستان وأفغانستان ومصر و معظم الدول العربية، ما عدا الخليجية التي أصبحت مستباحة من الألف إلى الياء من قبل أمريكا، ولا يهمها سوى الإحتفاظ برغد العيش الآني، إذْ لا هدف أبعد من ذلك، ولا فن يشغل البال، ناهيك عن التفكير في أمور المستقبل. وفوق كل ذلك، فإن تذمر المسلمين والعرب من حكامهم وخضوعهم المذل لأمريكا، يشكل كوامن غضب بركاني ينتظر الإنفجار. إذا لم تقف دول المنطقة مع إيران، طبعاً سيأتي الدور عليها بذل كبير، وفق مثال أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
إذا لم تستعمل إيران هذا السلاح الإستراتيجي فالمصير الذي فتك بالعراق، سينتظرها على بوابة بريسبوليس المعروفة بالبوابة الفارسية وهي التي صمد أمامها آريو بارزان القائد الإيراني الذي أوقف حملة الأسكندر لمدة شهرين، وقضى على نصف جيشه، لكنه تلاشى في النهاية، لأن داريوش الثالث لم يستطع أن يهزم الأسكندر في عقر داره، أو بعيدا عن تخومه الفارسية فكان المصير محتوما!
لا يستطيع القابعون داخل الصندوق صناعة التأريخ. والأراكوز الذين لا يتحركون إلا بأصابع فوقهم، يعتبرون أدنى حركة لهم نحو المقدرة على إثبات الذات، أمرأ مستحيلا. لكن الذين يستمدون وجودهم من عظمة ما يؤمنون به، يصنعون الأحداث ليحققوا نتائج تعكس عمق إيمانهم، لا ينتظرون أن يتحركوا وفق ما يرسمه الآخرون لهم، فالآخرون بالنسبة لهم جزء من المشهد الذي ينبغي عليهم مواجهته والتعامل معه. على البوابة، تأريخ عظيم ينتظر إيران والشرق كله. وزحف إيران وقواتها نحو الخليج، هو أول إنبلاج هذا التأريخ العظيم. ونفس التأريخ ينتظر إسرائيل وحلفائها. فإذا ما نجحوا في تحقيق أهدافهم، فإن الشرق كله يصبح طيراً أليفاً في كفهم أمدا طويلا. إنه صراع الوجود والتأريخ، فمن يسبق لينتصر!
*كاتب عراقي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

حين قالت الجامعة لا لإسرائيل!

د. محمد كرواوي* في حياة الشعوب لحظات لا تقاس بالأرقام، ولا تختزل في بيانات، وإنما …