الخميس , يوليو 17 2025
الرئيسية / اراء / تطبيع “الشرع” .. تحوّل استراتيجي في خريطة الصراع الإقليمي!

تطبيع “الشرع” .. تحوّل استراتيجي في خريطة الصراع الإقليمي!

نجاح محمد علي*
كما كنا توقعنا بشأن ما سمي الثورة السورية و أنها تستهدف فلسطين و إنهاء المقاومة، وفرض التطبيع كأمر واقع في سوريا التي كانت الحلقة المركزية في محور المقاومة.
ففي تحول استراتيجي خطير جداً في خريطة الصراع التأريخي من أجل تحرير فلسطين ، و في تحول دراماتيكي يحمل في طياته تداعيات أمنية وسياسية بالغة الخطورة، جاء إعلان رئيس مجلس الأمن القومي للكيان الصهيوني، تساحي هنغبي، عن انطلاق حوار مباشر مع مسؤولين سوريين، وتحديداً مع قادة النظام الانتقالي الذي يترأسه أحمد الشرع أي أبو محمد الجولاني .
جاءت هذه التصريحات خلال جلسة مغلقة للجنة الأمن والسياسة الخارجية في برلمان كيان الاحتلال(الكنيست)، حيث أكد هنغبي أنه يشارك شخصياً في سلسلة اتصالات تشمل مستويات متعددة، تهدف إلى تحقيق تنسيق أمني وسياسي في مناطق حدودية حساسة، بهدف خفض التوتر ومنع التصعيد العسكري.
وفقاً لتقارير عبرية متعددة، فإن هذا الحوار بدأ بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مع تولي الشرع رئاسة الإدارة السورية الانتقالية، الذي جاء مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية ، ووساطة من دول إقليمية، فضلاً عن دور روسي وتركي ملحوظ في تسهيل هذه الاتصالات.

خلفية التحول: من المواجهة الشاملة إلى التفاوض المعلن

لطالما شكلت سوريا تحت حكم بشار الأسد وأبيه الراحل حافظ الأسد جبهة رئيسية في محور المقاومة الذي يضم إيران وحزب الله وغيرهما من الفصائل المعادية للكيان الصهيوني.
كانت إيران، كداعم رئيسي للأسد، قد أبدت موقفاً صلباً منذ بداية ما سُمي “الربيع السوري” في 2011، حيث رأت فيه محاولة غربية-صهيونية لتقويض نظام حليف استراتيجي يشكل جزءاً أساسياً من “مشروع المقاومة” الذي يهدف إلى مواجهة الاحتلال الصهيوني ودعم القضية الفلسطينية. دعم إيران العسكري والسياسي للأسد ، كان استثماراً طويل الأمد للحفاظ على خط دفاعي إقليمي يمتد من طهران إلى بيروت عبر دمشق، ويعتمد على دعم الفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين.

عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا، اعتبرت إيران أنها جزء من خطة أوسع بقيادة الغرب وحلفائه الإقليميين، بما في ذلك بعض الدول العربية، لإسقاط نظام الأسد وفك الارتباط بين طهران ومحور المقاومة.
هذا التحليل لم يكن بعيداً عن الواقع، حيث شهدت سوريا تدخلاً دولياً غير مسبوق، بدءاً من تمويل وتسليح الجماعات المسلحة وصولاً إلى فرض عقوبات اقتصادية خانقة هدفت إلى إضعاف البنية التحتية السورية ودفعها نحو الانهيار.
الهدف النهائي، كما ترى إيران وأنصارها، كان إزالة سوريا كعنصر رئيسي في “مشروع المقاومة” واستبداله بنظام جديد يخدم مصالح التطبيع مع الكيان الصهيوني ويعزز النفوذ الأمريكي في المنطقة.

الربيع السوري والحرب العالمية: أدوات لإسقاط المقاومة

ما سُمي “الربيع السوري” لم يكن انتفاضة داخلية ، بل تطور إلى حرب إقليمية ودولية استهدفت تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي لسوريا. شهدت البلاد تدخلاً من قوى متناقضة، من دول خليجية دعمت فصائل معارضة إلى تركيا التي سعت لتعزيز نفوذها عبر المناطق الشمالية، وصولاً إلى الولايات المتحدة التي نظمت عمليات عسكرية تحت غطاء محاربة الإرهاب. في المقابل، كان الكيان الصهيوني يستغل الفوضى لتوسيع احتلاله للجولان وتنفيذ غارات جوية متكررة على مواقع عسكرية سورية، بدعوى منع تسليح حزب الله، واغتيال المستشارين الإيرانيين.
هذه الحرب الشاملة، التي استمرت أكثر من عقد من الزمن، أدت إلى تدمير البنية التحتية السورية ونزوح الملايين، مما مهد الطريق لسقوط النظام في ديسمبر 2024. ومع صعود أحمد الشرع كقائد انتقالي، بدأت تظهر بوادر تحول جذري في الموقف السوري. الشرع، الذي يمثل تياراً سياسياً كان يُعتبر معارضاً للأسد، أظهر مرونة غير متوقعة تجاه الكيان الصهيوني، مما يعزز النظرية القائلة بأن الهدف الأساسي من الحرب كان إعادة تشكيل سوريا لتتماشى مع رؤية التطبيع الإقليمي بدلاً من دعم المقاومة.

التطبيع مع الشرع: تفاصيل وأبعاد

 

وفقاً لتقارير من مصادر إعلامية عبرية وغربية، يعكف الشرع على مشروع شامل يشمل الاعتراف بالكيان الصهيوني كطرف سياسي، الدخول في مسار تطبيع كامل مع الولايات المتحدة، قبول الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي السورية، ووقف أي دعم للفصائل الفلسطينية والجماعات المعادية للكيان. مقابل ذلك، يطالب الشرع بحزمة ضمانات تشمل انسحاب القوات الصهيونية من بعض المناطق التي احتلتها مؤخراً (مع الإبقاء على وجود محدود)، دعم دولي لتثبيت شرعيته السياسية، رفع العقوبات الاقتصادية (الذي تم بالفعل)، وتفعيل دور سوريا في جامعة الدول العربية.
هذا التحول يعكس تغيراً استراتيجياً في موازين القوى، حيث تحولت سوريا من معقل للمقاومة إلى شريك محتمل في إطار جديد يهدف إلى تعزيز الأمن الحدودي للكيان الصهيوني. الاتصالات التي أشار إليها هنغبي تشمل لقاءات وجهاً لوجه في المناطق الحدودية، بما في ذلك أراضٍ تُحتل، وتهدف إلى وضع إطار لاتفاق أمني يمكن أن يتطور لاحقاً إلى تطبيع كامل، رغم نفي بعض المسؤولين السوريين، مثل قائد الأمن الداخلي في السويداء أحمد الدالاتي، لأي مفاوضات مباشرة، مؤكدين على الدفاع عن السيادة السورية.
موقف إيران ودورها التأريخي

 

كانت إيران قد أيدت بشار الأسد بقوة خلال السنوات العشر الماضية، معتبرة أن دعمها له ضروري للحفاظ على خط الدفاع ضد التوسع الصهيوني. عندما بدأت الاحتجاجات في 2011، رأت طهران أنها مؤامرة لفك الارتباط بين سوريا وحلفائها، وبالتالي ضرب “مشروع المقاومة” الذي يعتمد على التنسيق بين دمشق وبيروت وطهران. هذا التحليل دفع إيران إلى تقديم دعم عسكري وسياسي كبير، بما في ذلك نشر كبار المستشارين العسكريين من قوات الحرس الثوري وقيادة عمليات عسكرية مشتركة مع روسيا لدعم الأسد.
اليوم، مع صعود الشرع وتحوله نحو التطبيع، تواجه إيران تحدياً كبيراً. الضغوط الدولية تزداد على طهران، مع إحتمال استئناف الغارات الجوية الصهيونية المدعومة أمريكياً على المنشآت الإيرانية، بهدف إضعاف البرنامج النووي ودفع إيران نحو تسوية إقليمية تشبه ما جرى مع مصر والأردن. هذا الوضع يعزز الرؤية القائلة بأن الحرب السورية كانت جزءاً من خطة أوسع لتفكيك محور المقاومة وإحلال نظام موالٍ للتطبيع مكانه.

سيناريوهات مستقبلية: نحو “اتفاق أبراهام” جديد؟

 

 

تؤكد دراسة صادرة عن مؤسسة “راند” الأمريكية أن واشنطن تعمل على إعداد إطار شامل لاتفاق سلام إقليمي قد يشمل السعودية ولبنان ضمن الدول التي تُطلب منها الانخراط في عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني. في حال تحقق هذا الإطار، قد نشهد ولادة “مشروع شرق أوسطي” جديد يعيد تشكيل جغرافيا التحالفات ويعمّق الانقسامات داخل محور المقاومة. سوريا، تحت قيادة الشرع، قد تتحول إلى حليف إقليمي للكيان الصهيوني، مما يعزز الأمن الحدودي له ويضعف الدور الإيراني.

التحديات والتداعيات

مع ذلك، يواجه هذا المسار تحديات كبيرة. داخل سوريا، هناك فصائل وجماعات لا تزال ترفض التطبيع وتطالب باستعادة الجولان، مما قد يؤدي إلى تصعيد داخلي. على المستوى الإقليمي، قد تستجيب إيران ومحور المقاومة بتصعيد عسكري للضغط على الشرع وإفشال المفاوضات ، وهذا الاحتمال ضعيف حالياً . أما على الصعيد الدولي، فإن نجاح التطبيع يعتمد على دعم أمريكي وروسي مستمر، وهو ما قد يتعرض لعرقلة إذا تغيرت السياسات الدولية.

خلاصة القول

إن ملف التطبيع الذي يقوده أحمد الشرع مع الكيان الصهيوني يمثل استدارة تأريخية استراتيجية، تدمج فصائل كانت تعلن “الجهاد” في مسار سياسي جديد ينهي حالة العداء المفتوح. هذا التحول يتزامن مع تصعيد ضد إيران ومحور المقاومة، مما يعكس مساعي الولايات المتحدة وحلفائها لتطويق الدور الإيراني وتقسيم المشهد الإقليمي وفق مصالحهم. ومستقبل هذا الملف سيكون محور تنافس إقليمي ودولي معقد، وما يُتخذ من قرارات في الأشهر المقبلة سيحدد بشكل كبير وجه المنطقة لسنوات قادمة.
*كاتب عراقي مختص بالشأن الايراني

 

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

نزع السلاح والتوازنات الجديدة في قلب المعركة…!

زياد فرحان المجالي* مع تصاعد الحرب على غزة ودخولها شهرها الـ21، تتكثّف الضغوط الدولية للتوصل …