الأحد , ديسمبر 14 2025
الرئيسية / اراء / امبراطورية الشرق الأوسط الجديد..!

امبراطورية الشرق الأوسط الجديد..!

د. ادريس هاني*

في الوقت الذي ينظر الاحتلال وحلفاؤه إلى الأحداث نظرة موغلة في نظرية الألعاب، كأحداث يؤطرها هدف استراتيجي واحد، يسعى الطابور الخامس لتعزيز نظرة متشظية للأحداث، مما ينزع عنها منطق الدومينو ووحدة النسق. ثمة إذن فجوة شيطانية وفصام نكد يجعل النقاش غير متكافيء بين جبهة المقا..ومة وجيهة المحميين.
من هنا جاءت فكرة شيطنة الإسناد باعتباره من وجهة نظر العدو هو تدخل في شأن خاص بين الاحتلال والشعب الفلسط..يني في غزة، بينما تراه جبهة المحميين توريطا في شأن أجنبي. وهي في الحقيقة حرب على الوعي الاستراتيجي والأمن القومي تتكامل فيها الرؤية والادوار، باعتبار أن التهديد الصهي..وني لا يقف عند غز..ة، بل هو يستهدف الأمة والاقليم وسائر الدول، بل وكما أكدت الأحداث، هو يتهدد النظام الدولي والقيم التي ينهض عليها القانون الدولي. فحرب الإبادة هي حرب على الإنسانية والضمير الإنساني ومكتسبات حضارة الإنسان.
ويحدث الأمر نفسه في قضية حصر السلاح، فهو يقوم على خدعة الفصل التعسفي بين الأحداث، ويمنح الاحتلال مساحة الارتداد على كل اتفاق، لأن الاحتلال يؤدي مهمة تاريخية، من أجل شرق أوسط بمرجعية تلمودية، وهو غير معني بأي التزام بالقرارات الدولية، حيث يراها قرارات تخص الغوييم لا الكيان العنصري. فنظام الفصل العنصري هنا ليس فقط موجه ضد من يقع عليهم الاحتلال، بل هو موجه ضد العالم وقوانينه وقيمه.
ad
ولا تخرج الأحداث في سوريا عن هذا الوضع، فانقلاب الصورة في سوريا انتهى إلى هذا النمط من الفصل التعسفي بين ما حدث هناك وما يحدث في المنطقة. لقد سعى خصوم سوريا منذ البداية إلى هذا الفصل التعسفي، واستهانوا بعملية التآمر على سوريا وإسقاطها، ودل خطابهم الغبي عشية سقوط سوريا على ما اعتبروه انفراجا، قبل أن تظهر نتائج هذا السقوط في صورة كوارث، ليس فقط على الدولة والمجتمع السوريين ، بل على الأراضي المحتلة ولبنان والمنطقة.
لا يمكن الإستهانة بهذا النموذج من الخطاب السياسي للمحميين، فدورهم هو تقويض الوعي القومي والاستراتيجي ومتابعة فصول الحرب النفسية، وتحجيم الدول العربية وإخراجها من أي تأثير داخل الإقليم والعالم. وهذا الخطاب يقصي جميع الدول العربية من أن يكون لها عمق استراتيجي أمني ممتد، بل تصبح مجرد كانتونات أشبه بدول وظيفية في حدود تصريف الأعمال.
هل يضمن العرب مصيرهم في هذه الدوامة من لعبة الأمم؟ وهل سيستمرون في لعبة تحجيم الدول ومنحها دورا مكملات لبرنامج الاحتلال الذي يسعى لتعزيز إمبراطوريته في إقليم مبلقن؟ دول معزولة على هامش الإمبراطورية العظمى لشرق أوسط جديد كشف في ذروة الإبادة عن وجهه التلمودي ومهمته التاريخية والروحية. الاحتلال لا يفصل، بينما العرب يفصلون، وبين الفصل والوصل قصة وعي شقي يرتهن إليه المصير العربي.
لا حق لمن راهن على سقوط دمشق أن يتحدث عن المصير
سيرة القردة الثلاثة التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، باتت مفرومة حين حل الثالث المرفوع في المهزلة العربية الرسمية، حيث باتت لا ترى ولا تسمع لكنها تتكلم كثيرا.
لقد فقد الحديث في السياسة آخر معناه، فهذا طور الإهانة العظمى، طور الاستيلاب الأعظم. فلقد قرر الاحتلال أن يبوح بمهمته التاريخية، مهمة روحية تنتهي بقضم الجغرافيا العربية. إن قيام الإمبراطورية التلمودية، ليس فقط يناقض أنشودة الإبراهيمية ووهم التعايش مع قادة الإبادة الجماعية وحروب التطهير، بل هذه الإمبراطورية لها مهمة لا رجعة فيها: القضاء على الوجود العربي. لم يعد هناك ما يخفى من خطاب ينقل كل أهداف الاحتلال. والواضح أن النظام الدولي يمنحه تلك الشرعية ويغطي على الأعمال العدوانية التي تقع في مقدمة هذا المشروع. وقد بات الوجود العربي بمسلميه ومسيحيين وسائر مكوناته هدفا لهذا المخطط الهمجي.
بهاليل السياسة العربية يعتقدون أنهم أشطر من غيرهم حين يعاكسون الحكمة الخالدة للحرب: أكلت يوم أكل الثور الأبيض. بل الأغرب أن تصفيقاتهم الحارة وفرحتهم البليدة بسقوط دمشق، كانت مقدمة لما حصل اليوم، حيث أن مكونا مهما في النسيج الاجتماعي السوري بات يطالب بتدخل الكيان كما حصل بالسويداء. هذا ليس جديدا ، بل كان متوقعا حتى الثمالة. نسائل اليوم أولئك البلداء الذين تحمسوا لسقوط سوريا، أين مواويلكم وقراءاتكم التافهة، ألم ننبهكم يا رؤوس البغال، بأن سقوط سوريا سيضعنا أمام نظرية الأواني المستطرقة؟ متى كان الظلاميون، الذين تحالفوا مع العدو لإسقاط دولة عربية، مع الديمقراطية، وقد رأيناهم يناصرون التطرف القاعدي في سوريا؟ ألم يدركوا بعد أن الأسد كان آخر قائد حمى سوريا من العدوان والنسيج الاجتماعي من التمزق؟ ستلاحقهم لعنة الأسد حتى آخر رمق، لأنه كان انقى منهم وأوفى، وهذا حديث للتاريخ لا لبنات آوى. لأن ما يحدث كفيل بوضع كل هذا الشريط من التشنيع ضد بطل لم يوقع، تحت الأقدام. إن الحقد غالبا ما يؤدي إلى الدمار، وها قد دمروا آخر قلاع الصمود وسلموا دمشق لحرافيش الايغور.
لقد ساهم الطابور الخامس وسلالة الظلامية في تقويض مقدرات العرب، وهاهم يراهنون على سلاح المقا..ومة، ليمهدوا الطريق للنتن كي يواصل تغيير معالم الشرق الأوسط، الذي لن يكون فيه للعرب إن هم غطوا في سباتهم، مكانة. من ساهم ظاهرا أو باطنا في سقوط سوريا، ليس له الحق في أن يتباكى اليوم على المهزلة العربية. لقد ساهموا فيما سيكونون فيه عبيدا طوعيين.
إن الجهل والنفاق متى اجتمعا في أمة، حل بها الخراب.
لبنان في مواجهة اختبار السيادة
يتم استنزاف المنطقة في مساعي ونقاشات عامة وخاصة، تعزز في مجملها وضعية إكراه على التخلي عن بديهيات الوجود العربي شعبيا ودولتيا. إنهم يتعاملون كمنتصرين يملون شروطهم على منهزمين. ويكون الهدف هو سيادة الدول والشعوب والأمم. الجهل أو التجاهل لأساليب الإمبريالية في طورها الجديد، ينتهي إلى تنامي هذا الاستنزاف.
يظل السؤال الأساسي هنا يدور حول من هزم من؟ ومن انتصر على من؟
فرضت الإمبريالية منذ عقود حصارا عنيفا على دول الطوق، ورهنت أحيانا مساعداتها لبعض الدول بتنازل هذه الأخيرة عن جزء من سيادتها. بل إن شئنا القول، أن ذلك الجزء المستهدف من السيادة هو الجزء الأهم. نزع قرارها السياسي والاقتصادي، خرق حدودها السياسية، الحد من قدراتها العسكرية، فرض أحزمة أمنية…لقد كان ذلك جزء من حرب على تلك الدول، فإذا ما باتت حربا معلنة، فهذا يعني أن تلك الدول تخوض حربا غير متكافئة، حربا داخل الحصار المطبق. صمود بعض الدول في هذه المعركة، إنما هو انتصار مضاعف، لأن الحرب داخل الحصار يمنحها نقاطا إضافية. وهنا تبدو الإمبريالية جبانة، لأنها تخوض حروبا غير معلنة لشل قدرات الأمم المكافحة. هي إذن حرب على السيادة، على الاقتدار، حرب الحصار والتجويع، هي إذن حروب جديدة مختلفة عن عهد حروب الفرسان.
وحيث أن الإمبريالية واجهت واقعا مختلفا، حين استطاعت بعض شعوب المنطقة أن تحدث توازنا استراتيجيا بفعل انبعاث المقاومات، كان ذلك مما اعاق الاحتلال وحلفائه، لتبدأ حروب أخرى مادية ورمزية، اقتضت خرق كل المواثيق والأعراف الدولية: حرب على الناس. لقد وضعت الإمبريالية نصب عينيها تعزيز سيادة الاحتلال على حساب امن واستقرار المنطقة. وفي هذا الإطار لم يعد مهما سيادة سائر الدول واستقرارها وتنميتها. بالمقابل هدر العرب الكثير من الفرص والإمكانيات لحماية أنفسهم، في وقت كان الإحتلال يخطط لتدميرهم.
اليوم، يتقدم الاحتلال عبر وسائطه لنزع سلاح المقاومة، دون حتى أن يقدم وعدا بشيء. فهو يدرك أنه لم يعد مصدر ثقة بالنسبة لشعوب تعرضت منذ قيام الاحتلال للعدوان. سيناقش المجلس الوزاري في لبنان قضية نزع سلاح المقاومة بشروط يفرضها الاحتلال ووسائطه. وطبعا، هناك التفاف كبير على جوهر المشكلة في لبنان. فالأمر يتعلق بالبيان الوزاري السابق حول تكامل دور الجيش والشعب والمقاومة. البيان الذي شكل عقدة من يريدون بلبنان شرا مستطيرا. هذا مع أن المقاومة في لبنان جاءت استجابة موضوعية للخطر الذي أحاط بلبنان منذ ٤٨ حتى زماننا هذا. وهي قرار الشعب والحركة الوطنية، الشعب بوصفه مصدر السيادة الأساسي في كل الأعلاف الدستورية.
إن قضية احتكار الدولة للعنف أمر طبيعي في الأوضاع الطبيعية، هو اليوم خارج عن موضوع النقاش الدستوري المجرد. فالمؤامرة على لبنان تستهدف الجيش نفسه الذي جردوه من حقه في التسلح. المقاومة الشعبية هي استجابة لتحدي يتهدد سيادة بلد هو اليوم يقع فعليا تحت احتلال أجزاء من أرضه.
وتحظى حركات التحرر بحقها الذي يعزز القانون الدولي في الدفاع عن شعبها و كيانها. إن حرب الاختزال الذي يسعى لإظهار المقاومة في لبنان كما لو أنها دخيلة على البلد أو على تاريخ أشكال حركة التحرر الوطني، هي حرب خارج القانون الدولي فضلا عن مقتضيات التعبير عن السيادة. شيء مهم يجب أن يسبق الحديث عن نزع سلاح المقاومة، الا وهو تسليح الجيش الوطني اللبناني، وحتى مع فرض هذا الشرط، تظل المقاومة قرارا سياديا للشعب الذي يقع عليه الاحتلال. فهل يا ترى، يملك الجيش أن يؤمن حياة أهل الجنوب ويرد العدوان ويخرج المحتل؟ واضح ان الاحتلال يسعى للاستفراد بجيش هو نفسه في حالة نزع سلاح مقنع. انها حرب على سيادة بلد يقع تحت طائلة الأطماع الإمبريالية. فإن كان نزع سلاح المقاومة غير وارد في السنوات السابقة، فهل يا ترى من المنطقي تسليم سلاح مقاومة وطنية، بينما المحتل يصول ويجول داخل التراب اللبناني، ويعيد تموقعه داخل بلدان لها حدود مع لبنان؟ هناك سياسة استغباء فضلا عن الإهانة. واليوم القوى الوطنية في لبنان أمام اختبار قاسي لسيادتها وإرادتها، وطبعا يبقى خطاب النشاز جزء مؤثثا لمشهد بلد يعيش هذا الاختبار منذ التأسيس، نشاز يرافق النغم الجميل للإرادة الوطنية المكافحة .
إن تسليم السلاح هو إضعاف للبنان، وهو عنوان هزيمة لا يستحقها شعب كافح وضحى ووقع عليه كل هذا القدر من الدمار. فلبنان، وفي هذه الشروط الجيوسياسية، إما أن يكون مقاوما أو لا يكون.
*
مجرد الحديث عن سلاح المقا.ومة إفك سياسي
ليس من المتوقع أن تقع مواجهة بين المقا.ومة والجيش، فهذا من أمنيات الاحتلال والطابور الخامس فقط، ولكن في حال إصرار العصابة على زعزعة استقرار بلد شديد الحساسية، سيكون الجيش في الموقع الصحيح. الذين يحملون الجيش تنفيذ مخطط أجنبي هم بالتأكيد يغامرون بمؤسسات الدولة واستقرار المجتمع.
واضح وضوح الشمس أن سلاح المقا.. ومة أكثر حساسية في هذه الظرفية، حيث يتعرض لبنان لمخطط كشف عن أبعاده التلمودية. ولا ندري لم يبلغ الصمم ذروته حين يتعلق بتصريحات الاحتلال وحلفائه؟
إن صمت المقا.. ومة هو فرصة متاحة في انتظار تعقل الحكومة. ذلك لأن المجازفة في تنفيذ مطلب امبريالي هو بداية الإنفجار. فالمقا..ومة مستعدة للتحدي والذهاب إلى أبعد مدى في حماية سلاحها، فهل الطابور الخامس مستعد لذلك، أم هو الضجيج الذي يختبر صبر المقا.. ومة فحسب؟
في أجوبة لاريجاني ما يكفي لفضح مزاعم الطابور الخامس. هناك رسائل واضحة من مسؤول الأمن القومي لبلد معني بتداعيات الصراع في المنطقة، ليس ما يتعلق بنصائح جدية لتفادي ما هو أسوأ فحسب، بل أيضا عبر عن عدم تدخل في قرارات لبنان بقدر ما هناك تدخلات واضحة من حلفاء الاحتلال، لعل قرار حصر السلاح أهمها.
لا ذريعة بعد زيارة علي لاريجاني لتحميل المقاو..مة وزر التدخلات الأجنبية المسكوت عنها، تلك التدخلات السافرة والمكشوفة التي تسعى إلى استهداف دولة ومجتمع ومكون أساسي. ويظهر أن الحكومة تريد أن تعود بلبنان إلى المربع الأول، حيث قوة لبنان تكمن في ضعفه.
هناك من يصنع المجد للبنان، وهناك من يجلب الذل للبنان، وبين هذا وذاك، توجد فجوة أسميها: الفجوة الشيطانية( l écart diabolique)، وهي الفجوة التي يمثلها اليوم موضوع حصر السلاح أو بتعبير أصح، كسر شوكة المقا.. ومة، تحت ذرائع شتى، يغلب عليها التضليل والتشنيع واللامسؤولية. من ليسوا في اللحظات الحرجة من سطوة الاحتلال رجال مقا.. ومة، لا يمكن أن يكونوا أبدا رجال دولة.
قبح السياسة في البلد الجميل
عجبت من هذيان الأوغاد حين يضعون المقا..ومة مقابل الدولة. وفضلا عن أن الميثاق ما فتيء يذكر بوحدة المقاومة والجيش والشعب _ وتلك هي قوام الدولة_ فإن المقاومة هي الضامن لوجود الدولة. فهل يا ترى امتلكوا إنشا من الوفاء ليعترفوا بأن من حمى الدولة وكيانها من المتاهة هو المقا…ومة؟
عجيب أمر هذه العصابة، لا يشبهها في قلة الوفاء في التاريخ، سوى الأفاعي الرقطاء. حين يكون بلد ما محتلا كلا أو جزء منه، فلا صوت يعلوا فوق صوت المقا…ومة.
هم يستعجلون لأنهم يلعبون في مربع زمني محصور ومشروط بالتوتر، ولكنهم لا يملكون التاريخ طولا وعرضا، نفسهم قصير، وأقدامهم حافية كي يجتازوا اشواك الطريق.
في مباراة الأوزان الثقيلة لا مكان لوزن الريشة. إذا كانت العصابة الكيدية أصغر من أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، فعلى المقا..ومة أن تتقدم وتمسك بناصية الدولة، أي أن تشكل البديل من خلال كتلة تاريخية تتولى بقرار ثوري إنقاذ مصير الدولة. اذا رفعوا إيقاع الهزيمة، فلترفع المقا..ومة إيقاع النصر. فالدول تقوم على مجد الانتصارات لا ذل الهزائم. فقط هنا وهنا فقط تسعى الهزيمة لفرض شروطها على المنتصرين بوقاحة سياسوية. ومن أصيب بعما الألوان يصعب عليه أن يقشع الأفق ويرى معالم الصمود والانتصار. إنها قرارات لاتاريخية، قرارات سيدرجها التاريخ يوما في أرشيف المبادرات البهلوانية. لبنان قادر بفرقة كاركلا أن يطيح بمخطط الاحتلال. ولا خوف عليكم، يمكن للمقاومة أن تبني لكم كازينو لتضمن لكم قدرا من الحياد الاكسيولوجي.
زعيم الاحتلال يتحدث عن مهمة تاريخية، والعصابة اللامسؤولة في قراراتها تتحدث عن خلاص يشبه خلاص الثعلب الذي يقطع رجله للإفلات من المصيدة. فهل يوجد حكيم يقول لهم: يا واش يا واش؟ اه، نسيت، الحكيم هناك له موال آخر.
سلاح المقا.ومة أو المقامرة بمصير وطن، ماذا تفضلون؟
على مهلكم، لا تصدقوا أنفسكم، المقا..ومة الجريحة هي مثل طائر الفينيق، تنبعث من الرماد، وهي في شرعة الاجتماع البشري لا تأخذ شرعيتها من لقطاء السياسوية والعملاء، رويدكم، لا “تكوعوا” أنتم أيضا، دعوا التاريخ يعبر عن مكره الخفي، هذه الحرب النفسية هيى أشبه ما تكون ببهلوانية السعادين.
حتى لو قرأنا المشهد بمنطق الميكانيكا، يكون الزمن المقرر لسحب سلاح مقاومة راكمت من قوتها عشرات السنين، هو زمن خرافي، لأن ما بني لعقود و إرادات صلبة لا يؤخذ بين عشية وضحاها، وبإرادات مشبوهة، بميكانيكا القوى هذا عبث. إنهم يتآمرون باستقرار بلد ومجد وطن ومصير أمة، يستهينون بالغضب، ويراهنون على الوهم. الأوطان ليست موضوع مقامرة، والذين قدموا كل هذه التضحيات لن يثنيهم أن يدافعوا عن كرامتهم، والذين يتحملون مسؤوليتهم في هذه الفوضى هم من يقامر وسمعني في المقامرة.
إن من جرأ صبيان السياسوية على المقا..ومة، هو رهانهم على مساندة الاحتلال وحلفائه، المشهدية باتت حارقة، وإن ارادوا تحديا، فهم أصغر من أن يصمدوا في لعبة التحدي. ومن كان لا زال يخون سلاح المقااوومة، ويعتبره موجها إلى الداخل، فهو جزء من ماكنة التضليل. قد يكون ذلك هو الميلاد الثاني لمقاومة وجب أن تدرك من الآن أن سحب سلاحها هو مقدمة للخراب. عبيد السياسوية لا يرون في إملاءات الإحتلال وحلفائه قضما للسيادة وتدخلا في شؤون الدول. إنها سبعة أيام الباكور ، وسيعود الأمر كما بدأ، فلا يصح إلى الصحيح، ولا نامت أعين العملاء.
المهرولون
سلاح المقاومة هو عين السيادة
ثلاثون عاما مرت على اوسلو2 (1995)، بعد أوسلو 1 (1993)، تاريخ ميلاد قصيدة “المهرولون” للشاعر العربي نزار قباني، وفيها ينعى حالة السقوط والاستسلام، لقد خسرنا كل شيء، حتى مدامعنا، فلم نعد قادرين على بكاء الأطلال:
لم يعد ثمة أطلال لكي نبكي عليها.
كيف تبكي أمةٌ
أخذوا منها المدامع؟؟
الحكاية بدأت من هناك، من أوسلو، ولعمري، لقد كان حدس نزار قويا، فما أتى بعد ذاك هو الخراب:
بعد هذا الغزل السري في أوسلو
خرجنا عاقرين..
وهبونا وطناً أصغر من حبة قمحٍ..
وطناً نبلعه من غير ماءٍ
كحبوب الأسبرين!!..
بعد خمسين سنة..
نجلس الآن, على الأرض الخراب..
ما لنا مأوى
كآلاف الكلاب!!.
بعد خمسين سنة
ما وجدنا وطناً نسكنه إلا السراب ..
ليس صلحاً,
ذلك الصلح الذي أدخل كالخنجر فينا..
إنه فعل إغتصاب!! ..
ما تفيد الهرولة؟
ما تفيد الهرولة؟
عندما يبقى ضمير الشعب حياً
كفتيل القنبلة. .
لن تساوي كل توقيعات أوسلو..
خردلة!!
ثلاثون عاما مرت على القصيدة التي وثقت للسقوط، في ذات السنة من نشر القصيدة على صفحات الحياة الصادرة من لندن، حدثني عالم المستقبليات د.مهدي المنجرة ، وهو الخبير الدولي الذي قضى ردحا من الزمن في دهاليس اليونسكو وسراديب نادي روما، عن أهم منجز لتلك السنة. قال المنجرة بأن قصيدة “المهرولون” هي من أهم إنجازات هذا العام. ليته طال به العمر، ليدرك أنها قصيدة تليق بزماننا المر ، زمن المهرولين حقا. ليته روى لنا حكاية سقوط دمشق، والنكبة الجديدة في غزة، والهرولة إلى ما هو أنكى وأمر من أوسلو.
ثم ماذا؟
لم أر هرولة أسرع من تطبيق القرار الوزاري الذي ولد خداجا ببيروت. اليوم باتت تهمة المقاومة في لبنان هي أنها مصرة على حماية نفسها وتاريخها ومكتسبات وطن وخريطة مجد رسمت بالدم. لقد أخرج المشهد أثقاله بكل أشكال الهزيمة والعمالة، لقد كان أسرع قرار اتخذ في تاريخ القرارات السياسية وفرمانات الذل، حطم الرقم القياسي، فهو يستحق الدخول إلى موسوعة غينس للأرقام القياسية ، كأسرع أشكال الاستسلام والاستجابة لمطالب الاحتلال. أين كان يختبيء كل هذا الحقد ضد من منحوا الوطن كرامة ومجدا تاريخيا، وضد من كانوا طليعة وفاء وتضحية؟ أهكذا، تربت يداك، يجازى الأحرار والوطنيون؟ أهكذا يكون الوفاء لدماء الشهداء؟ إنه الحقد نفسه الذي يحمله الاحتلال ضد المقاومة، وأحيانا أكثر.
حصر السلاح في يد الدولة يأتي بعد تأمين البلد. لبنان الحر مهدد اليمن بالالتحاق بركب المحميين. سيدرك العرب بعد ذلك، أنهم دخلوا عهد القنية الطوعية.
لقد تمت مساومة المقاومة قبل سنوات مقابل تمكينها سياسيا واجتماعيا، بوساطات عربية وغربية، لقد عرضوا عليها كل شيء: إن أردتم ملكا ملكناكم، وإن أردتم مالا اغنيناكم ، ولكنهم لم يبيعوا وطنهم للمحتل، ولم يغدروا بشركاء الوطن.
إن السلاح المستهدف، هو سلاح الدفاع عن وطن، بينما السلاح لا يزال يتدفق على الاحتلال بدون حساب. سلاح المقاومة هو أكثر شرعية من سلاح الاحتلال. لكنها مرحلة انقلاب الصورة، وزمن استئساد بنات آوى.
هناك من ذهب أبعد من ذلك في الزعيق الكيدي، إلى المطالبة بمحاكمة رجال المقاومة؛ فلا حدود للإسفاف. لقد انشغلت المقاومة عن زعيق الداخل، وتحملت كل أشكال الاستفزاز.
لقد بات مؤكدا أن المقاومة من حقها أن تحمي لبنان من الهيمنة، لأنها مكون شعبي رئيسي، ولأنها الشريك والوطني الأكبر، ولأنها الأكثر تضررا من عدوان الاحتلال. الذين أهدوا نحورهم للاحتلال في معارك الكرامة، لن يسلموا سلاح المجد لمن باع الوطن في سوق النخاسة، وهم أقدر على قطع اليد التي تمتد إلى سلاح الشرف.
ماذا لو احتلت المقاومة لبنان، وشكلت حكومة غير طائفية، حكومة مقاومة، وقادت ثورة شعبية ضد المحميين؟ فالشارع يغلي، والذين وقع عليهم القصف هم من ينتفض اليوم، في حين هم يزجون بالجيش في وجه الشعب والمقاومة، وهذا هو الهدف. والحسابات الخاطئة التي ضربها حراس التبعية والهزيمة، ستجلب الخراب، لأن الجيش يدرك الحقيقة، ولا يمكن أن يستمر كحصان طروادة في مؤامرة يقودها من فشلوا في حل مشكلة الودائع. ماذا لو التأم الجيش والمقاومة وخاضوا الثورة التصحيحية؟
لقد ارتفعت عقيرة من اعتبروا الموقف الإيراني تدخلا في الشأن اللبناني على هامش تعليق عراقجي حول سلاح المقاومة، غير أن الكوميديا السياسية تجعل تنابلة السياسة يتساءلون: وهل بقي أحد لم يتدخل في الشأن اللبناني؟ سبق للحكومة أن رفضت فك الحصار عن تسليح جيشها الوطني، في العرض الإيراني السابق. هذا رأي مقابل آراء تلقتها حكومة سلام بالأحضان.
بل إن فكرة الهرولة لسحب سلاح المقاومة في توقيت غير مناسب، هو مغامرة بمصير بلد في ذروة الأزمة ، واستجابة لتدخلات عديدة في الشأن اللبناني ومصادرة قراره السيادي.
نعم، لقد دفع لبنان أثمانا باهضة، ومن حقه أن يعالج قضاياه بناء على مصالحه وأمنه القومي. والسلاح ليس ممتنعا عن موضوع النقاش، حينما يكون النقاش وطنيا صرفا. فالأصل في الدول المقتدرة احتكار السلاح، لكن لبنان تعرض للحصار والعدوان ليس بسبب المقاومة، بل بسبب العبث السياسي بمصيره. العالم كله يعلم أن الدولة عاجزة عن ردع العدوان.
يسعى الاحتلال إلى تجريد المقاومة من سلاحها عبر الضغوط الإقليمية والدولية ليكمل خريطته التوسعية. لبنان هو جزء من خريطة الاحتلال التوسعية. ولو كانت المقاومة انهزمت، كما يردد الذباب الالكتروني، فلم الخوف من سلاحها؟ يبدو أن قرار سحب السلاح هو قرار إنهاء المقاومة، وهو مطلب الاحتلال نفسه. يحدث هذا في غياب ضمانة لانسحاب المحتل، وضمانة لتمكين الجيش من حماية ثغوره. سلحوا الجيش أولا، مكنوه من القوة الكافية للدفاع عن لبنان، ثم يكون الحديث منطقيا عن سحب سلاح المقاومة. ألا يعلم هؤلاء بأن الدولة التي تتعرض للعدوان في حال ضعفها، هي من يوزع السلاح على الشعب وتمكينه من الدفاع عن نفسه؟ لا أهمية لأي سردية ينتجها من لا عهد لهم بسيادة الاوطان.
طبعا إن ما بعد القرار الوزاري ليس كما هو الوضع قبله، فالمقاومة التي هي بنت الشعب تعاني من جرح نازف، والاحتلال يضرب حسابا لما تستطيع فعله المقاومة التي جردت الاحتلال من اساطيره في التفوق، وهو وحده يضرب حسابا لثأر المقاومة من كل أشكال الحرب القذرة التي لجأ إليها احتلال عاجز عن خوض معارك حقيقية في الميدان، وهو يحارب المقاومة بالحرب على الناس. المقاومة هي أكبر من قرار وزاري أملته العبثية السياسية وفرضته الهيمنة على القرار السيادي. هم فكروا في إشعال فتيل الحرب الخطأ بين الجيش والمقاومة، لأنهم غير معنيين بمصلحة الوطن والاستقرار، انقلاب سافر على مؤتمر الطائف، على الميثاقية، هناك هرولة لبيع لبنان، وتحويله إلى كازينو، يبدو أنهم تناسوا السابع من ايار 2008. فحين تقول المقاومة لن نسلم السلاح، وحين يتراكم الاستفزاز ضد مكون في حالة احتقان وعضب، نكون أمام حالة لعب بالنار. باختصار، إن المقاومة التي حاصرت الاحتلال وحلفاءه منذ سنوات، لا يمكن محاصرتها بقرارات انهزامية. إنهم جبناء منذ فكروا في تحريف جوهر الحرب، لا أخطر على الأوطان من حثالة المحميين.
هاتيها من الأخير
قل من جرأ المحميين على الشعب والمقاومة؟
ألم يكن يكفي إصدار قرار استبدادي دون حاجة إلى عقد اجتماع ممسرح بمجلس الوزراء، حيث كان واضحا منذ البداية أن وثيقة جوزيف عون لم تتشبث بأولوياتها في اجتماع أمر واقع؟ أهو انقلاب يدخل في سياسة الإذلال وإعلان حرب على مكون وطني كبير وعلى مقاومة وطنية لم يشهد لبنان لها مثيلا في البأس والتضحية ؟ هل توجد دولة مركزية كاملة السيادة في لبنان منذ نشأته، حتى يكون هناك مراد جدي لحصر السلاح في يد دولة ممنوع على جيشها الوطني أن يتسلح، دولة حوربت سياسيا ومصرفيا؟ في بلد يعتبر فيه الجيش عمليا منزوع السلاح، بلد تستباح أرضه وتباد ساكنته وهو في حالة احتلال وعدوان مستمر، حيث يصبح النقاش حول نزع سلاح مقاومته جزء من عبثية السياسة الدولية والإقليمية.
لقد جرى النقاش الوزاري تحت التهديد، واتخذ قرار من جهة لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية لبنان، حيث يصبح الحديث عن الدولة مغالطة، لا سيما حين تقحم ويقحم معها الجيش في قرار شكلي يخفي مضمونا خطيرا، أي تجريد لبنان من قوته، ولا سيما مكون يتعرض للثأر الإقليمي ولن تكون النهاية عند تجريد مقاومة وطنية من سلاحها، بل ستكون هناك تبعات أخرى لذلك. هل سيحمي الجيش المنزوع السلاح عمليا مكونا هو اليوم موضوع على طاولة الثأر الدولي والإقليمي؟
وعلى خلاف ما رامته رئاسة الحكومة، فإن ساعة الخراب دقت، فالمقاومة لم تنهزم، وسلاحها في حوزتها، وشعبها محتقن من جراء قرار يأخذ البلد نحو المجهول، وإنما أساء المحميون فهم وتقدير تنازلات الثنائي، حيث أولها ذلك بالضعف، بينما كانت غايته تسهيل المأمورية على حكومة ضعيفة.
الحكومة التي هي المعني الأول بحماية لبنان ومقاومته، كانت أكثر استسلام لشروط الاحتلال وحلفائه. كما أن القرار الأخير اتخذ في غياب المعنيين بالأمر. ماذا إذن ينتظر من قرار عجول وملتبس كهذا، سوى أن يفجر الوضع الداخلي، بل قد يكون بداية انفجار المنطقة برمتها. ما الذي جرأ رئاسة الوزراء على أن تبادر بهذا الانقلاب دون الأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر أخرى مطالبة بتأجيل هذا الموضوع؟
إن لبنان الذي يعيش أزمة دولة ولا زال عاجزا عن تغيير النظام الطائفي، لا يتوفر على دولة عميقة هي وحدها المعني بقرار سيادي على هذا القدر من الخطورة، وليس قرار رئيس حكومة غير مقنع حتى لفريق حكومته. طبيعة اختيار الحكومة في لبنان، يؤكد على ضعفها البنيوي تجاه الضغوط الدولية، هذا في حين أن المقاومة لها نشأة وتطور، وهي ولدت من رحم شعب مكافح، حمى لبنان من العداونين: الاحتلال والإرهاب.
وعليه، فقد كان قرار كهذا يتعين اتخاذه بعد إجراء استفتاء عام نظرا لحساسيته وخطورته، وليس في اجتماع وزاري و”طأت حنك “، إلا أن هناك من يضغط في اتجاه جعل لبنان عاريا أمام كل استهداف وعدوان، حيث لم يكلف فريق المحميين البحث عن ضمانة لحماية لبنان.
يعتقد المستعجلون لنزع سلاح لبنان، وليس فقط سلاح المقاومة، بأن هناك إمكانية للاستفراد بالمقاومة وبيئتها ضمن السيناريو الآتي:
– قرار حكومة يترتب عليه الزج بالجيش في هذا التكليف
– في حال رفضت المقاومة الاستسلام لهذا المطلب الانهزامي، تتدخل دول إقليمية غير معنية بما يمكن أن يحدث من آثار وخيمة على النسيج الاجتماعي اللبناني.
– تشكل حلف عربي للتدخل، وتمكين سوريا _الايغور من التدخل في لبنان
– طبعا كل هذا تحت مساندة مباشرة من الاحتلال وحليفه الغربي.
لكن ما لم يؤخذ في الحسبان، أن سيناريوهات أخرى ستكون معاكسة ومحتملة في حال أقدمت حكومة نواف على ذلك، وهي عابر سبيل على طريق الحكومات المتعاقبة على لبنان. هذه السيناريوهات المتوقعة هي التالي:
– لا يمكن لبيئة مجاورة طوبغرافيا للاحتلال ان تسلم سلاحها، لأن كلفة تسليمه كبيرة، وبأن كلفة التمسك به أقل من كلفة تسليمه.
– لا يمكن لبيئة محاذية لدولة كبيرة في حالة مخاض وتفكك كسوريا، أن تسلم سلاحها، لا سيما وأن التهديد باقتحام البقاع ظل غواية للمسلحين.
– لن ينفع المكون المعني بالمقاومة بموجب الحتمية التاريخية والجغرافية أي تحالفات رخوة، فلا يوجد من سيسانده حتى آخر رمق سوى حلفاؤه الموضوعيين. فحين يشتد الخطب ويحمى الوطيس، لن تجد المقاومة إلا نزرا قليلا ممن يحتفظ لها بوفاء، ودعك من كل أشكال المجاملة: مجاملات زمن الانتصار والقوة. وعليه، أن بيئة الجنوب والبقاع لن تترك وحدها في هذه المعركة، وستكون ارتدادات أي موقف غير مسؤول كالتالي:
– تفكك داخل الجيش الوطني اللبناني. ومثل هذا حصل إبان الحرب الأهلية.
– إن ظن النمر الوردي بالشام أنه يملك التدخل في لبنان تحت ذرائع شتى، فسيكون ظهره عاريا، حيث لن يتخلى العراق الشعبي عن بيئة المقاومة، كما أن التدخل الإيراني في سوريا_ الايغور سيكون هذه المرة عبر القصف الصاروخي. سيكون ذلك مدعاة لدخول سوريا مجددا. تستطيع المقاومة وحدها خوض معركة مع سوريا_ الايغور، ولم لا احتلالها وتمكين القوى المناهضة من استعادة قدرتها على المبادرة. الحرب على المقاومة ستكلف الإقليم والعالم معارك طاحنة، غلق مضيق هرمز وباب المندب وعودة القتال داخل سوريا، فضلا عن تحويل لبنان إلى جحيم.
– باختصار، المقاومة ليست لقمة سائغة لا للاحتلال ولا للمحميين. المقاومة هي استجابة وطنية ومطلب شعبي، والحكومة بشروطها اللبنانية هي أصغر من اتخاذ قرار استراتيجي يتهدد النسيج الاجتماعي ويهدد الإقليم ، ويجرد لبنان من كل أوراقه. والظاهر أن المحميين لهم حنين إلى زمن لبنان “يا عيني على البساطة”. والواقع أن الأمور هي في غاية التعقيد. ومن التبسيط الاعتقاد بأن أم المشكلات هي سلاح المقاومة. فهذا تفصيل صغير في أجندة شرق أوسط جديد يقتضي تجريد المنطقة من قوتها واستقلالها، وتحويلها إلى إقليم محمي. فلا نحتاج إلى نظرية الفراشة، لنؤكد على أن سحب سلاح المقاومة هو مقدمة الواجب لتجريد مصر من قدراتها وسائر العرب. فمن لم يقشع ذلك، فهو يفكر بالزائدة الدودية وليس بالدماغ. سينتشي المحميون كثيرا بهذه القرارات الصبيانية، لكنهم لن ينتشوا طويلا، ومع ذلك سيكون لمعركة الإسناد نمط أعلى ونفس أطول ومزاج غضوب حتى آخر رمق.
المقاومة انتصرت وحتما ستنتصر
الاختبار الأعظم اليوم، والتهديد الأكبر في المنطقة هو موضوع حصر السلاح، أي تقويض المقاومة وتعرية لبنان من آخر وسيلة للدفاع عنه ككيان في قلب المعمعان. وعلى الرغم من الحرب النفسية التي يطلقها الاحتلال ويشيعها الإعلام المضلل، والتلويح بعزم قوات الجولاني على الدخول للبقاع، فإن الحقيقة التي لا يمكن اخفاؤها، هي أن المقا.. ومة وحدها قادرة على على رد العدوان وإعادة قوات الجولاني إلى إدلب. فلقد اكتسبت المقا.. ومة مزيدا من التضامن والمساندة خلال هذه المحنة، ولم تكن تصريحات الأمين العام الشيخ نعيم مجرد تلويحة، بل هي الحقيقة التي يكتشفها العالم متى جد الجد وفاض الكأس.
ما يحصل هو نوبة من الاختبار لمقا..ومة لا زالت تحتفظ بعنفوانها رغم كل الجراح. المهزوم هو الاحتلال الذي جند الوسطاء لسحب سلاح، وحده يعلم أنه المانع الحقيقي من تنفيذ المخطط التلمودي في لبنان والمنطقة.
ستربح المقا.. ومة هذه الجولة من التحدي، وستنتصر على مهزلة الروح الانهزامية والتآمرية التي تعيش عصرها الذهبي المؤقت. قد تكون هذه المرحلة هي الأخطر من كل المراحل السابقة، لأن المؤامرة تستهدف الجبهة الداخلية. المقا.. ومة ليست حكومة ينقلبون عليها، بل هي تعبير عن إرادة شعب قرر أن يكافح الاحتلال. إن قوة لبنان بالأحرى، كما سطرتها المقا.. ومة بالدم، تكمن في قوة الكفاح التحرري وفي المقا.. ومة التي غيرت ذات عام المعادلة وحققت ردعا حقيقيا. لقد فرضوا الاستسلام ذات مرة على اليابان بعد إطلاق القنبلة النووية على هيروشيما وناكازاكي، ولكن مثلها في قوة الانفجار، أطلقوها على قائد المقا.. ومة وعدد من رفاقه برسم الحرب القذرة. الفرق أن هذه مقا..ومة تكافح الاحتلال، وليس قوة توسعية. لذا، انتصرت وستنتصر..

*كاتب ومفكر مغربي

 

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

عبدالقادر هلال : رجل ترك بصمة في قلب صنعاء

  بقلم / عادل حويس في كل عام عندما يحل الثاني عشر من ديسمبر تلتقط …