الجمعة , ديسمبر 27 2024
الرئيسية / اراء / شباب فلسطين يخطّون بدمائهم أسس التحرير!

شباب فلسطين يخطّون بدمائهم أسس التحرير!

د.سعد ناجي جواد*
ما ضاع حق وراءه مطالب، حكمة بليغة تعلمناها وحفظناها منذ الصغر، واثبتت مصداقيتها في الكثير من الأحداث.
اليوم هذه الحكمة تتأكد وتترسخ في فلسطين وعلى أيدي ابنائها الأبطال. العديد من القادة العسكريين الذين فشلوا إدامة الاستعمار وفي قهر شعوب المناطق الباحثة عن التحرر من الاستعمار القديم عزوا سبب فشلهم الى استعداد ابناء المناطق المُستَعمَرة للتضحية بحياتهم من اجل اوطانهم، وقال الكثير منهم ان القوة العسكرية مهما كانت عظيمة وفتاكة فإنها تقف عاجزة عن قهر هذه الظاهرة وهذه الرغبة الفردية والجماعية للذهاب الى الموت من اجل الوطن. في مقابلة صحفية لاحد القادة العسكريين الامريكان الكبار في فيتنام الشمالية المحتلة من قبل القوات الامريكية بالكامل، قال وهو ينظر من نافذة مكتبه المطل على الشارع الرئيس للعاصمة انذاك (سايغون)، والي اصبحت تعرف بمدينة (هوشي منه) بعد التحرير، (كيف لك ان تضبط الامن وتسيطر على الامور وانت لا تعلم كيف تفرز او تحدد الفدائي المستعد لتفجير نفسه من بين هذه الجموع التي تبدو مسالمة ومهتمة بأمورها الحياتية اليومية؟) وهو يتحدث بذلك قفز فدائي فيتنامي وفجر نفسه وسط مجموعة من الجنود الامريكان. طبعا النموذج الفيتنامي يعترف بصراحة ووضوح، ان اهم أسس تجربته بنيت على دراسة النموذج الجزائري الذي وضع قواعد الكفاح المدني المسلح، والذي اربك كل حسابات الآلة العسكرية الفرنسية وتفكير قادتها، وكيف ان كل أساليب البطش والقهر والقتل العشوائي والتعذيب، لم تمنع الجزائريين المسلحين بالأسلحة البسيطة من الحصول على استقلالهم، وكذلك فعل شعب جنوب أفريقيا وأسقط النظام العنصري فيها، على الرغم من كل الدعم الذي قدمه الغرب والولايات المتحدة واسرائيل للإبقاء على ذلك النظام العنصري.

هذا النموذج بدا يتصاعد اكثر وأكثر في فلسطين المحتلة. واحداث الايام الماضية اثبتت ان الاحتلال الاسرائيلي عاجز، ليس فقط عن قمع المقاومة، وإنما عن منع الإعداد المتزايدة من المدنيين والشباب من التضحية بحياتهم والرد، وفي غضون ساعات قلائل وبدون تخطيط مسبق، على جرائم القتل الاسرائيلي. هذه الرغبة في الاستشهاد ورد الصاع بصاعين من قبل شباب لم تسجل عليهم اية ملاحظات من الأجهزة القمعية الاسرائيلية، ولم تظهر على سلوكهم اليومي اية تصرفات تنم عن ما اقدموا عليه من بطولة واندفاع، لا يمكن لأية قوة عسكرية اسرائيلية ان تنهيها او ان تقمعها. وهذا ما دفع اسرائيل الى الاستنجاد بالولايات المتحدة مرة اخرى، والتي طار مسؤوليها الكبار الى فلسطين المحتلة لتهدئة الامور.

ان تقرأ الطريقة التي تصرف بها الشهيد خيري العلقم قبل أقدامه على العملية الاستشهادية وكيف ذهب وصلى بالمسجد الأقصى، ثم نفذ عمليته بكل هدوء وبدون اي ارتباك، وكان لديه من الأخلاق والقيم العالية ما يكفي لكي يبلغ امرأة اسرائيلية بان لا تقلق (لاننا لا نقتل النساء)، وان يقوم بتغيير مشط المسدس الذي استعمله في العملية باخر جديد، وقتل بمفرده عددا يساوي ما قتلته قوة اسرائيلية عسكرية كبيرة مدججة بالأسلحة من فلسطينيين في مخيم جنين، إنما هو دليل جديد على عجز القوة العسكرية الفتاكة في قهر الشعوب التي تطالب بحقها، وفشل الفكرة التي تقول ان القضاء على حركات المقاومة سينهي الحلم الفلسطيني في تحرير فلسطين.

والصورة المعبرة الاخرى التي تجعلك تشعر بالفخر على الرغم من الدموع التي تتساقط من عينيك هي تلك ظهرت فيها ام الشهيد البطل وسيم خليفة وهي تحمل جثمان ولدها الطاهر على كتفها الى مثواه الأخير، كما طلب منها في وصيته. هذه الصور لابد وان ترعب الصهاينة، وهي ليست كتلك التي تباهت بها العصابات الصهيونية عندما فتكت بأبناء القرى الفلسطينية العزل وذبحتهم عن بكرة ابيهم بالأسلحة التي زودتهم بها سلطة الانتداب البريطاني، في نفس الوقت الذي جردت الفلسطينيين حتى من السكاكين الصغيرة للدفاع عن أنفسهم.

وتبقى هناك ثلاث ملاحظات. الاولى ان شعب فيه هذا النموذج والطراز من الأمهات الطاهرات الماجدات، وهذه النماذج من الأبطال المستعدين للاستشهاد من اجل وطنهم وشعبهم ودينهم ومقدساتهم، وهم لم يعيشوا نكبة ولا نكسة ولا مذابح عصابات الأرغون والهاغانا، والذين اعتقدت اسرائيل انها دجنتهم بعد عقود من الاحتلال والترهيب، لا يمكن ان يقهر او ان تضيع حقوقه. وستثبت الايام القادمة هذه الحقيقة اكثر وأكثر.

والملاحظة الثانية ان بروز هذا النمط الجديد من المقاومة، المقاومة التي تعتمد على المبادرات الفردية وعلى ابناء المخيمات، سيكون الطريق الأقصر لإجبار الاحتلال ومن يدعمه على التسليم بالحقوق الفلسطينية، ورد الفعل الامريكي خير دليل على ذلك.

الأهم ان هذا النموذج من المقاومة يبقى حرا فيما يفعل ولا يمكن ان تقيده اية ضغوطات او محددات خارجية.

الملاحظة الثالثة، والمؤسفة حقا، ان بعض الحكومات العربية ما زالت تعتقد انها يمكن ان تكسب عن طريق (مغازلة) مشاعر الاحتلال. ولهذا بادرت الى (استنكار) عملية القدس الاستشهادية، ولم تستنكر جرائم الاحتلال اليومية، وتوهمت بانها ستحظى بدعم الغرب والولايات الذات، هذا الدعم الذي بدا يتآكل لان الولايات المتحدة باتت بحاجة لمن يدعم مكانتها التي تزداد اهتزازا يوما بعد يوم.

في النهاية فان كل الأخبار القادمة من فلسطين المحتلة تقول ان انتفاضة شعبية جديدة قد بدأت تشتعل، وكما ندم الجنرال الاسرائيلي يوم امس على ارتكاب مجزرة جنين بسبب ما افرزته من مواقف مقاومة (فردية)، فان حكومات الاحتلال ستندم كذلك على اي تصعيد عسكري جديد في الضفة الغربية، وان غدا لناظره لقريب.

رحم الله شهداء جنين والقدس الأبطال وجعل مثواهم الجنة، واللهم اهلهم وذويهم وبالذات امهاتهم الأبطال الصبر والسلوان.

*كاتب واكاديمي عراقي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

2024 .. مع اللي ذرت طحينه !!

بقلم/محمد العزيزي يقول المثل التعزي وهو مثل سائد في المحافظات اليمنية تقريبا ، حيث يذكر …