بقلم: أشرف شنيف
تتسابق الدول العظمى والقوى الإقليمية بالظفر على المناطق والمنافذ البحرية في منتصف العالم على إمتداد طول البحر الأحمر والبحر المتوسط والخليج العربي، وترجع أهمية المنطقة لأمرين؛ الأول “جيوسياسي” من حيث الموقع الإستراتيجي كنقطة متوسطة في العالم تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، والآخر “اقتصادي” لثراء المنطقة المحيطة بالثروات الطبيعية مثل الغاز والنفط والمعادن، فمن يسيطر على أكبر عدد من النقاط فيه ستكون له اليد الطولى في ميزان القوى اقليميا ودوليا، وذلك ما فطنت له أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية، وما قامت به بريطانيا قبلها عندما احتلت جنوب اليمن مع مصر وتأسيس كيانات سياسية تتبعها في الشرق الأوسط، وباقي الدول العظمى الأخرى سابقا ولاحقا، وما تقوم به الصين وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وتركيا…
وفي نفس السياق، نجد الجميع يسعى لإثبات حدوده البحرية من أجل الحفاظ على حقوقه السيادية والاقتصادية وفق قانون البحر الدولي الذي ينص على 12 ميل بحري كحدود اقليمية و200 ميل بحري كحدود اقتصادية يحق لكل دولة الاستفادة من ثروات الغاز والنفط والمعادن والاسماك والاستثمار …إلى آخره. وتأتي عملية التطبيع العربية الاسرائيلية لمد جسور التعاون الاقتصادي ووصل الطرق البحرية وتوقيع بروتوكول ربط بين ميناء جبل علي في دبي بميناء إيلات الإسرائيلي في العقبة، واتفاق تطوير ميناء حيفاء الإسرائيلي مع شركة موانئ دبي العالمية، كل ذلك بحاجة لتأمين الطريق الملاحي البحري على امتداد الساحل اليمني وخصوصا الساحل الغربي وباب المندب مما دفع الإمارات بمساعدة إسرائيلية أمريكية للتموضع في جزر ميون وسقطرى وزقر وكذا الموانئ والسواحل اليمنية.
مما سبق، يتضح لنا أهمية اليمن الاستراتيجية والاقتصادية لموقعها المتميز على مضيق باب المندب، وخصوصا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 لتكون على الطريق البحري الأهم عالميا، وتزداد أهميته لعبور قرابة 4 مليون برميل نفط يوميا من باب المندب، ولأكثر من 90 في المائة من تجارة اليابان العابرة نحو أوروبا، وتمر فيه ما يقرب عن 38 في المائة من الملاحة العالمية.
تلك الأهمية تجعل من اليمن وسواحلها وموانئها وجزرها ذات أهمية اقتصادية وجيوسياسية في المنطقة والعالم، وذلك ما جعل الجميع يطمع في وضع موطئ قدم له على حدودها الساحلية الممتدة والمقدرة بـ 2500 كيلومتر. وتلك الحدود تمتلك ثروات الطبيعية عديدها منها ثروات نفطية ومعدنية وسمكية وسياحية. فبالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي والذي من الممكن استغلاله من خلال تبنى رؤية اقتصادية متكاملة، تتمثل في عده محاور منها على سبيل المثال: انشاء مدن سياحية ساحلية تستهدف القطاع السياحي الداخلي والخارجي، إنشاء مدن صناعية تستغل المواد الخام المتوفرة في اليمن وتساهم في تسهيل تصديره، أو المستوردة عبر الموانئ اليمنية وتضيف عليها قيمة التصنيع ثم تصدرها مباشرة بأقل التكاليف الممكنة، وبجودة تلبي السوق المحلية والاقليمية والدولية مما يمكن تحقيق الاكتفاء، والكفاءة والفاعلية.
كما يجب علينا الاستفادة من المبادرات الاقتصادية الدولية والتي من اهمها مبادرة الصين في طريق الحرير البحري “حزام واحد طريق واحد” والعمل الدبلوماسي الجاد للانضمام لها، وفتح أسواق قريبة من الطرق الملاحية، وتطوير وبناء الموانئ والبنى التحتية الملاحية، بما يسهم لتحقيق التنمية المستدامة في الجمهورية اليمنية. كل ما سبق بحاجة أولاً لإستعادة السيادة، ثم إنشاء قوات بحرية قوية تدافع عن المصالح الاقتصادية في المياه الاقليمية للجمهورية اليمنية، وحماية الطرق الملاحية الدولية من القرصنة والعمليات الإرهابية عن طريق دعم قوات خفر السواحل، وكذا توقيع اتفاقية وبروتوكول مع مصر للتكامل والربط بين الموانئ اليمنية والمصرية، وفتح باب الاستثمار المشترك.
أخيرا، نعلم جيدا أن هناك أطماع وهناك ايضا نزعة استقلالية لدى الشعب اليمني لا تقبل بالمستعمر أو الوصاية أو بالقواعد العسكرية، ومن هذا المنطلق يجب الموازنة بين مصالح اليمن مع مصالح الخارج في التكيف مع الثقافة اليمنية الرافضة لكل ما سبق، ومع الشراكة مع دول العالم بما لا يمس بالسيادة الوطنية والوحدة الوطنية والهوية اليمنية، وذلك ممكن في عالم المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل للثقافات، فلا بد من الحفاظ على خصوصية اليمنية مع الانفتاح مع الغير وفق رؤية اقتصادية وطنية تحقق الشراكة الدولية والإقليمية وتجنب العزلة السياسية، والتسويق للفرص الاستثمارية الهائلة في القطاع البحري والسمكي والملاحي في الجمهورية اليمنية اقليميا ودوليا.