د. حامد أبو العز*
قد نُتهم في بعض الأوقات بالترويج لنظرية المؤامرة والإيمان بها، ولكن الواقع على الأرض يعزز موقفنا ورؤيتنا من الفلسفة السياسية وتخطيط السياسات العامة للدول. منذ البدء كان المطلوب تدمير لبنان بشكل كامل على المستوى الاقتصادي والثقافي والسياسي والمجتمعي. ويأتي هذا المشروع بعد تدمير سوريا بشكل كامل. الغايات باتت معروفة اليوم بالنسبة للجميع فالغاية هي التخلص من دول المواجهة عبر التدمير الداخلي بعد أن فشلت حروب إسرائيل في تحقيق هذه الغاية.
350 ألف مودع صُودرت أموالهم في بنوك لبنان العامة والخاصة، هؤلاء في الإطار العام لا يستطيعون الولوج إلى حساباتهم ولا يستطيعون الاستفادة منها إلا القليل بما تسمح به هذه البنوك. على الجانب الآخر تفتقر البلاد إلى أدنى مقومات الحياة من الكهرباء والغاز والدواء والمياه في أعقد أزمة يعيشها لبنان منذ الحرب الأهلية.
كما ارتفع سعر صرف الدولار في السوق اللبنانية إلى مستويات قياسية وصلت إلى 37 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد. وعلى المستوى السياسي فإنّ التشكيل الحكومي عالق ولا آفاق لإنفراجة قريبة. كل ما تم ذكره قد يوحي بأن البلاد تنزلق نحو مزيد من الفلتان والاضطراب والنار تشتعل تحت الرماد تحضيراً لجولة جديدة من الفوضى العارمة وانهيار المؤسسات والدخول في دوامة عنف ولا استقرار جديدة.
في الأمس هاجمت فتاة لبنانية بنكاً لبنانيا حاملة سلاحاً (قيل فيما بعد بأنه مجرد لعبة) وطالبت بتحرير رصيدها المجمد في البنك. القصة في خطوطها الأولى تأتي في سياق طبيعي. إذ أن الفتاة تعتبر مجبرة على القيام بمثل هذا العمل خصوصا بأنه يقال بأن لديها أختا مصابة بالسرطان وتنتظر العلاج على سرير المستشفى. ولكن إذا ما ذهبنا أبعد قليلاً في التحليل وربط الأحداث ببعضها البعض، سوف يتضح لنا بأنّ هناك تحضير لجولة جديدة من العنف والفوضى يتدخل فيها لاعبون إقليميون ودوليون.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس ميشال عون بإيجابية عن محادثات ترسيم الحدود مع إسرائيل وكيف أن المقترحات الجديدة والمحادثات المشتركة قد أمّنت مطالب جمّة من ناحية الطرف اللبناني، تجري اليوم حملة شعواء في الأوساط الإسرائيلية لنسف الاتفاق من أساسه. بالطبع يجري التعويل في هذا الملف على نشر الفوضى في لبنان ابتداءً من خلال استغلال حاجات المودعين وانتهاءً بملف الرئاسة اللبنانية.
لا ينبغي على المسؤولين في لبنان الإغراق بالتفاؤل في ملف الترسيم فالمعركة طويلة ودقيقة وعليهم فهم المؤامرات التي تحاك ضدهم والتحضر لها جميعاً. لقد خلقت المقاومة معادلة محورية في عملية ترسيم الحدود ينبغي للكل الاستفادة منها وهي معادلة “الثروات النفطية والغازية أو الحرب”. ينبغي على كل مسؤول لبناني أن يستفيد من هذه المعادلة بالحد الأقصى.
لبنان الذي يعيش عملية تجويع ممنهجة ضد شعبه من لاعبين إقليميين ودوليين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى عليه أن يعلم بأن الحل يكمن في المقام الأول في تحصيل حقول النفط والغاز. هذه الثروات ستوفر للبلاد فرص عمل هائلة بالإضافة إلى أنها مقدمة لإنشاء بنى تحتية مستحكمة ستوفر للبنان الغاز والكهرباء. ومن ثم سيتم الحديث عن الصادرات وأثرها الإيجابي على معيشة المواطن.
ختاماً، لا تمروا مرور الكرام أمام التصريحات الإسرائيلية الجديدة القائمة على استعداد إسرائيل لتأمين 10 بالمائة من الغاز الأوربي هذا الشتاء، فهؤلاء عينهم على الثروات اللبنانية وحسب. وعليه فعليكم أيها اللبنانيون حكومة وشعباً التحلي بالصبر وصيانة المعادلة الجديدة للاستفادة من خيرات لبنان. “ثرواتنا أو الحرب”.
السياسة العامة والفلسفة السياسية
* باحث وكاتب فلسطيني
