الخميس , أبريل 25 2024
الرئيسية / أخبار / موسم حرق القرآن الكريم.. أقتل فلسطينيا والثاني مجانا!

موسم حرق القرآن الكريم.. أقتل فلسطينيا والثاني مجانا!

خالد شحام*
صباح السبت الماضي أقدم المدعو راسموس بالودان الدانماركي على إحراق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في السويد ( احتجاجا ) على المفاوضات الدائرة بين تركيا والسويد لإنضمام الأخيرة لحلف الأطلسي وبفعلته هذه يبدو أنه افتتح موسما خاصا لحرق القرآن الكريم .
أشارت الصحف والتحليلات الكثيرة التي علقت على الموضوع إلى شخصية المذكور بكونه عنصريا وحاقدا وشعبويا من الطراز الأول ولم يتوانى في سجله الطويل عن دعواته بطرد المسلمين ووضع المهجرين داخل معتقلات خاصة وشن الحرب على المظاهر الاسلامية في بلاده وفي أوروبا .
بعيدا عن شخصية هذا الرجل وكثيرين مثله عبر سلسلة ممتدة من عمليات المس الرمزية عالية الحساسية فهنالك السؤال الذي يطرح نفسه بقوة : ما العلاقة التي تربط حرق القرآن الكريم بوجود مفاوضات تركية -سويدية ؟ ثم لماذا يتم الزج بحرق القرآن كلما دق الكوز بالجرة ؟ الشيء الثاني الذي يتوجب التأمل الساخر عنده هو أن السويد كحكومة ( تتعاطف ) معنا نحن العرب والمسلمين لهذا الفعل المؤسف وبالتالي فنحن نعبر لها عن عظيم الشكر والامتنان لهذا التعاطف الفذ ، كما لا ننسى بأن نذكركم بأن السويد حاليا تتصدر مع الشلة الأخرى جملة من حملات الترويج والتكريس القسري للمرحلة اللادينية من الانحلال والعصيان العالمي والتي فرضت عليها من (الرب) الكبير الراعي للنظام العالمي الجديد الذي يصعد بشراسة.
درجت العادة أن المواقع الإخبارية والتحليلات والتقارير تشير الى الجهات الفاعلة بأنهم متطرفون ويمينيون متشددون يبحثون عن الشهرة وجمع الاصوات وخوض الانتخابات وكسب التعاطف من الطبقات المماثلة لهم من خلال الانتهازية الشعبوية والدينية وسياق الحريات الكاذبة التي يقفون على أسسها ، لكن الحقيقة أن الإجابة عن ذلك السؤال -وهي بهذه المناسبة نفس الإجابة التي تتكرر في الخفاء كل مرة عندما يتم ارتكاب مثل هذه الفعلة القبيحة او التهجم على رسولنا الأكرم أو الاعتداء على مسجد أو مركز اسلامي – هي أن كل هذه الشخصيات والهيئات والجهات التي تقدم على هذه الأفعال هي في الأساس أدوات مبرمجة تحركها أصابع الصهيونية العالمية والحركات السياسية السرية الباطنية التي تتزعمها فئة حلف الشيطان للقيام بهذه الأفعال دون أن يتمكن أحد من إثبات شيء او تأكيد هذه الروابط .
ad
في فترة ما من كأس التاريخ المليء بمزيج العار مع الدم كانت الحملات الصليبية ضد المسلمين تمارس كل أشكال الموبقات والفظائع تحت ذريعة الهية ابتدعها رجال الدين منحت القتلة والمجرمين اسم ( جيش الرب ) وكان جيش الرب هذا يقتل ويذبح ويحرق ويسرق كل شيء بفرمان من ( الله ) الخاص بهم ويترجم احتقاره وحقده على المسلمين والأديان من خلال القتل او ( التطهير ) لحماية الصليب المقدس الذي لاعلاقة له بحقيقة المسيحية المسالمة وكلنا نتذكر كيف استعار جورج بوش الابن هذه البدعة التاريخية ليعيد إحياء تجربة جيش الرب الخاص بالولايات المتحدة لحرق العراق وأفغانستان ويكرس الصليب المزيف مرة أخرى لإذلال العالم ، اليوم وبنفس المنطق الأعوج تتم الحروب على كل الأديان والإسلام في مقدمتها ضمن قانون (رباني) جديد يشرعه النظام العالمي الجديد شعاره هو الحريات المتحللة المطلقة بلا أديان ولا الله ولا رسل ! وخلف هذا الشعار الجديد الذي يتم تكريسه وفرضه تتخفى اليهودية المتزمتة في المركز كالعادة لكي تفكك العالم دينيا وتمنح نفسها وسم الديانة الأسمى والأعلى والخاصة بأمة اليهود لتكون هي المرجع في عالم لا دين فيه !
أن الأمر وصل إلى حالة الاستخفاف المطلق بالعرب والمسلمين إلى الدرجة أننا وصلنا جميعا إلى حالة (الممسحة بالأرض ) لأن الأمة بأكملها عاجزة وقاصرة عن الاتيان بنصر واحد أو مقابلة ذلك بإنجاز جمعي ضخم يعيد لهذه الأمة وزنها أو اعتبارها ، كنا نتمنى مثلا ممن يتزعمون العالم الإسلامي والذين بادروا إلى الاستنكار والنداء بالتآلف والمحبة أن يتصرفوا برد فعل يتناسب مع التحرشات المستمرة المهينة التي تلقيها السويد والدانمارك وفرنسا وغيرها بقطع العلاقات الدبلوماسية مثلا أو تقديم شيء يرد العين عنهم !
الحقيقة البسيطة الكلية التي لا يكاد أحد يراها أو يذكرها مباشرة بأن هذه الهجمة على الشعوب العربية والاسلامية المرتبطة بشكل عضوي لم تتكن لتتولد لولا تفريط العرب والمسلمين بالقضية المركزية الأولى لهم جميعا وهي قضية فلسطين أو قضية بيت المقدس التي لا تقبل الفكاك مطلقا عن الجذور التاريخية لحكاية جيش الرب القديم والذي ينوب عن الصهيونية بحلتها التاريخية القديمة ، هذه هي قضية الأرض المقدسة المسروقة والمغتصبة من كل عربي وكل مسلم والتي تمثل خزان الكرامة والهيبة لكل هذا الرصيد البشري الذي يشغل حالة الإطفاء التاريخي ، وبمجرد أن حدث مثل هذا فقدنا جميعا كعرب ومسلمين جدار الحماية الأول لكل الموبقات والطفيليات والهجمات الحضارية التي لا تتوقف عن التوالد وأصبح سور العرب والمسلمين واطيا وقصيرا وغير قادر حتى عن الذود ضد بعض الحشرات التي تطن قرب الوجه ! .
نتيجة لهذا التفريط التاريخي الذي مضى عليه أكثر من قرن مضافا إليه هزيمة حضارية جذرية بتهاوي الدولة العثمانية وتشكل الكيانات الاستعمارية الجديدة على جثتها يشعر الغرب بحقه الطبيعي كمنتصر في فرض شروطه وهيمنته على كامل بلاد العرب المفتتة والخالية من الدسم ، وبذلك تمت ترجمة كل مشاعر ورغبات ورؤيا الاستعمار الغربي في رمزية واحدة هي الكيان الصهيوني الذي يمثل في حضوره نائبا عن غائب هو الغرب بأكمله من بريطانيا الحاضرة دوما إلى الوريث ( الشكلي ) الجديد لها وهو الولايات المتحدة الأمريكية ، وكما ترون فخير من يمثل الكيان الصهيوني شخصيات حاخامية متخفية من أمثال المجرم شارون صاحب صبرا وشاتيلا وجولدا مائير التي لاتعترف بإنسانية العرب من الأصل وشخصيات مثل جولدشتيان الذين قتل المصلين في الحرم الابراهيمي ومرورا بقذر ومجرم آخر مثل بن غوريون الذي فتك بالفلسطينين بتسميم الابار وانتهاءا بشخصيات فامبيرية مثل نتانياهو وسموتريتش وايتمار بن زفير ، هؤلاء هم سادتي من يقعدون في قاع البئر الذي تتولد منه حركات وسلوكات الكراهية التي تنفذها أداوت من مثل راسموسن وخيرت وصحيفة مثل شارلي ايبدو وتيري جونز وغيرهم من قافلة أدوات التحرش التاريخي .
لقد تولد عن كل هذه الجدليات والصراعات المولود الحقيقي الديني المتخفي وراء كل الأحداث السياسية التي يحاول البعض جاهدا تفسيرها بمسارات سياسية – اقتصادية – علمانية -طبيعية دون جدوى ، المنتوج هو الدولة اليهودية الصافية وشعارها المعلن الذي يقول دون أن يتكلم بأن الحرب أساسها ديننا ودينكم وليس غير ، في جذور هذا الاعتناق تم تحويل القتل إلى الإعلان المباشر المضمر لكل هذه الأمة ، وبالتالي تحول قتل واغتيال المواطن الفلسطيني على أرض فلسطين الى رمزية تذهب بنا لرؤية ما لا يمكن رؤيته من اسقاطات حقيقية حول جوهر ما يحدث وترجمته الأبعد من المنظور ، لقد تحول قتل الانسان الفلسطيني ثم العربي بالتبعية ( كما في العراق واليمن وسوريا وليبيا ) الى الحقيقة المطلقة التي تعكس الحقد والصراع الوجودي والكره الأعمى المكرس استعماريا لمعالم الإسلام والتصاقه بهذه الشعوب التي ينظر لها نظرة دونية تبيح قتلها وسرقتها وإذلالها وحرق قرآنها الكريم وسب رسولها عليه أفضل الصلوات وتكرس فكرة الغوييم الجذرية في نظرتهم لنا التي لم تعد شأنا خفيا .
وضمن هذا النهج غير المنظور لا يكاد يمضي أسبوع واحد دون أن نسمع بخبر إطلاق النار على واحد او أكثر من أبناء فلسطين ورميه بالرصاص مباشرة في الشارع لإثبات نظرية الهيمنة الدينية والاستعلاء العقائدي وإثبات فكرة العلو الكبير التي يعتقدها البعض خرافة وأسطورة ترويها الكتب البائدة .
إن قتل هذا الفلسطيني لا يقتصر على إنهاء حياة فرد واحد أو عدة أفراد كل أسبوع ، إن الجريمة الأشد فداحة هي ان هذه الفعلة قابلها السكوت ثم التوافق ثم التطبيع ثم الاستعباد ، هذه الجريمة التي تبدو فردية محلية هي في الحقيقة هالة متكاملة من الجريمة التي تظلل بلاد العرب بأكملها ، مع قتل كل فلسطيني يجري استعباد المواطنين العرب وامتهان كرامتهم كرما وحبا لبني صهيون ، مع كل فلسطيني يقتل تزداد شراسة المتواطئين من خلفاء العرب في احتقار شعوبهم وتجويعهم والتلذذ بصناعة الفقر في اوساطهم ، مع كل جريمة ترتكب على أرض فلسطين هنالك عشر جرائم تقع في حق بلاد العرب على أيدي العملاء والشركاء في بيعة سقيفة بني اسرائيل ، مع كل مواطن فلسطيني يسقط مضرجا بدمائه هنالك ألف عربي يسرق حقه في الحياة وألف آخرون يلقون في السجون وألف آخرون يستأسد عليهم النظام الأمني العربي ويركعهم ويذلهم لأن رمز الصمود يُفعَل به هذا ، مع كل فلسطيني يسقط شهيدا بلا سبب وبلا عجب يسقط ألف صحافي عربي وألف رجل دين ومثلهم من مفكري الأمة الذين حولوا الثورة الى تبغ كوبي او معلقة من معلقات الكذب على الذات ويرفضون التسليم بأن لينين وماركس قد رحلوا .
مع كل عملية قتل لفلسطيني ستجدون باقة متكاملة من الهدايا تظهر على شكل صندوق يأتي من العدم ولا احد يعرف مصدره ولا منبعه يتضمن في داخله : رجل في السويد يريد حرق القرآن – منة شلبي وهي تتعاطى المخدرات – سفارة فلسطينية مشبوهة بتجارة الخمور – هبوط في سعر العملة العربية الى الحضيض – وزير عربي يتجلى ضحكا وفرحا بين أحضان السفير الصهيوني على أرض عربية – مسؤول عربي يتباهى بأن بلاده ذات سيادة بينما هو وبلاده يأكلون مما يعافه السبع ومن الموقوذة والنطيحة ومما لم يذكر عليه اسم الله – اختبار للغة العربية يتضمن فقرات من أغاني ( الراب ) – لجان في تحكيم الشعر تمارس العوراللغوي – سفهاء عرب يمارسون البغاء الحضاري ويسجلون إنتماءهم لمملكة القرود والسعادين – – أئمة وأمراء الويسكي يرفعون أيديهم لصلاة الاستسقاء لكي تمطر النار على سوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين ولبنان وكل بلاد المجاعات .
الحقيقة التي يجب إدراكها يا سادة أننا تعدينا مرحلة التحليلات السياسية ومرحلة الرؤيا الاستنتاجية لمسار الأحداث وتفاعلات الأزمات العالمية والصراع الداخلي في دولة الكيان الصهيوني وانتظار معجزة سياسية بالوقوع في أركان هذا الحيز الكبير الذي نفشل في تحقيق أي انتصار فيه .
صدقوا أولا تصدقوا فنحن الان نعيش مرحلة ما فوق المنظور وتحقيق النبؤات التي كُذِّبت لألف سنة ، كل ما يجري من سيناريوهات الحشد والتجميع ليس عبثا ، وكل سيناريوهات الافراط في الاذلال والكيد والانحسار غير الطبيعي لمسارات النصر ليست صدفة ولا محض سراب ، إنها علامات الاقتراب من النهاية وصدق الرؤيا النهائية التي ستحسم كل شيء وكل أمر مذكور في الصحف .
إن القرآن ليس في خطر وكل مشتقات هذا الكتاب العظيم وصولا إلى الشعب الفلسطيني الذي ليس في خطر أيضا ، إنه شعب لا يمكن الخوف عليه لأنه أثبت كفاءته وتجدده بعد كل عمليات الإبادة والحرق والتصفية وسنوات طويلة من الاغتيالات الفردية والجماعية ، من يجب أن يخافوا اليوم على مصيرهم ومستقبلهم هم دعاة الأمة والمفكرين العرب الذين تم تدجينهم بصحبة موجة السلام الثعلبي التي تعم المنطقة ، المفكرون العرب والصحافيون الكبار الذين رضوا أن يكونوا مع القواعد وتخلفوا عن رسول الله وعن شعوبهم ومحور حياتهم ، دعاة الأمة الذين تحولوا من منطقة الإلهام المعنوي والروحي إلى باحثين عن سنوات العيش وتمديد العمر بأية وسيلة وتجنب الصدام والخوف من الأنام والتمسك بعقائد سياسية بالية سقطت وتحجرت ثم ترمدت .
نحن في خطر كبير لأن مفكري الأمة وكتاب الأمانة راحوا يتغنون بالقصائد خوفا من المقاصل ونسوا أن الأمة بأكملها تتألم وتستصرخ ، نحن في خطر ماحق لأن من يرشد الأمة تركوا المهمة لفقهاء الأمركة وسفهاء بني اسرائيل ، هذه فلسطين وليست كأي أرض أو مكان أو حقائق ، إن كل حجر في هذه الأرض له ميزان يعادل التاريخ بأكمله ، لقد نسي الكل من وما هي فلسطين ، فإذا جاء الوعد الآخرة جئنا بكم زحفا وجمعناكم ليوم تشخص فيه .
في مثل هذه الملابسات والظروف التي نعيشها لا يمكن أن يكون السلام إلا مجرد حادثة دخيلة على الصورة الكلية السوداء أو ضربة حظ تأتي لمن فقد كل شيء فجادت عليه الأقدار بقرش يلقى في صحن التسول ، في هذه الصورة البائسة لحالة العالم العربي والاسلامي الملتقطة على مسرح السخرية والتهريج كصورة سيلفي جماعية فنحن لسنا بخير على الاطلاق ، ايقاف الهجمة على الاسلام وأيقوناته الخالدة لا يمكن ايقافها الا بإيقاف الهدر في الدم العربي أولا وهدر الكرامة العربية ثانيا والتي يحمل معناها وأيقونتها الرمزية الشعب الفلسطيني بحكم كونه في ارض الرباط الأخيرة وبحكم كونه الأول في خط المواجهة مع الأعداء الحقيقيين لأمة العرب والإسلام وبحكم أن الكل تخلى عنه وعن الأرض التي جعلها الله الامتحان الأخير لكل هذه الأمة .
تعاني الأمة من احتباس في إرادة الحياة لأنها الان تؤمن بأن الخبز والسكر والبنزين هو الحياة وكل ما عدا ذلك هو كلمات انشائية يكتبها بعض الهراطقة من أمثالنا .
لقد استمر احتلال النسخة القديمة من الصهاينة لبيت المقدس ما يقارب التسعين سنة ثم جاءهم البأس الذي فتك بهم وأحلهم دار الهزيمة على يد البطل المحرر صلاح الدين ، صهاينة اليوم تجاوزوا المئة عام ولكنهم يقتربون من نفس المصير ونفس النهاية التي ستقطع دابرهم وعند ذلك لن تسمعوا بعد ذلك بمن يحرق نسخة من كتاب الله ولا من يشتم نبيه او تعاليمه .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

فضل غزة عبر التاريخ!

الياس فاخوري* توثق المراجع التاريخية كيف هبت “غزة هاشم” لإنقاذ “مكة” من المجاعة في أعوام …