الثلاثاء , مارس 19 2024
الرئيسية / اراء / جنين والقدس والعسل المُرّ!

جنين والقدس والعسل المُرّ!

خالد شحام*
طائر عملاق ، نسر عظيم حلق بجناحيه وانطلق من فلسطين ومن القدس بالتحديد ليعلن ولادة جديدة وإنطلاقة روح ثائرة حرة لا يحدها شيء ولا يوقفها شيء ، هذا الطائر أظل بظله المرابطين فوق كل مدينة وكل قطعة من أرض فلسطين وبلاد العرب وألهم الملايين ليكونوا أحرارا من جديد، هذه هي معجزة المقاومة الفلسطينية التي تعيد الروح إلى الجســد العربي المتعب وإلى جسد الحرية المنهك من الاعتقال والمطاردة والتصيد والخيانة ، إنه الخير لأمة العرب والمسلمين بطعم العلقم الفلسطيني المُرّ الذي تنبته الأرض التي باركها الله للعالمين ليذيقه للمجرمين والمعتدين ، هنا فلسطين ، هنا القدس ، هنا الشعب الذي يرفض الموت والمذلة ، هنا يمكن للمسدس أو السكين أو الصاروخ أن يكون كائنا حيا يشعر ويتكلم ويمكن أن يقول الله أكبر أثناء العملية وأهلا بكم في رحاب الشهادة.
في العام الماضي وعقب اغتيال الصحفية الفلسطينية الشهيدة شيرين أبو عاقلة كانت صورة النعش الذي يتعرض للهروات والضرب من قبل الجنود الأموات وسط أيدي المشيعين تمثل لقطة من كتاب العجائب في السنة الثالثة من السبع العجاف ، منح الكون هذه الصورة جائزة البوليتزر التراجيدية في سجل المأساة الفلسطينية التي لا تنتهي ثم سافرت الغيوم بلا رجعة .
يوم الخميس كانت صورة الجثامين التسعة المحمولة وسط بحر من الأيدي الساخطة هي الصورة الأولى التي سنمنحها نفس الجائزة في فئة الحزن الفلسطيني الأول لمطلع هذا العام ، تسعة جثامين مسجاة على الأرض يصلى عليها صلاة الجنازة للوداع الأخير لشبان قدموا حياتهم في سبيل الله دفاعا عن أرضهم وعرضهم وبلادهم وكرامتهم ، مصلون يرتشعون ألما وغضبا أما الجثامين فكانت في سحب السماء تقيم صلاة الجنازة على أمة عددها نصف مليار .
في مساء الأمس قدم الشعب الفلسطيني الرد الساحق والمزلزل ، ليمنح صورة وجه السيد نتانياهو وصورة وجه بن زفير مركز الجائزة الأولى في فئة الخسران والحسرة والخذلان أمام شعب فلسطين ، لا شيء يمنح الدرجات العشر لهذه العملية سوى الانعكاسات الممتقعة في وجه هذين الإثنين اللذان عانيا من ليلة صعبة بمعنى الكلمة .
تريد تشكيلة الحكومة الصهيونية بما يمثلها من الكتلة النتانياهوية والغفيرية أن تصنع تحولا تاريخيا في مسار(شعب الله المختار) لنقله إلى حدود تمنحه العظمة والخلود لأمثال هذه الكائنات الضارة التي نمت وترعرعت في بيئة التزمت والدم واللانسانية ، يريد نتانياهو الذي حقق معجزات المكاسب خلال حقبة حكمه السابقة أن يجدد البيعة لشبه شعبه الذي يرفضه الان ويثور عليه ويريد الإطاحة به هو وعصابة ال كابوني الجدد الذين يحيطون به .
ما يقوم به هؤلاء في جنين مرحليا وبما نتوقعه في غزة في الأيام القادمة من جرائم وقتل وتدمير لا يمكن أن يسمى أعمالا حربية ولا انتصارات ولا مكافحة التهديدات التي تحيق بالدولة المزعومة ، إنها مظاهر الرفاه التي تخدم ادخال البهجة في المجتمع المتعطش لمزيد من الدماء والامتهان والقتل الذي يشبع الشعور بعظمة الاختيار وقدسية الحاخامات ، إن ما يقومون به في حقيقة الأمر لا يتعدى القسط الأخير من رحلة النهاية لكل هذه التجميعة البشرية الشاذة عن الزمان والمكان ، كل ما يقوم به آل كابوني بزعامة نتانياهو اليوم هو تحويل المواطن الفلسطيني المسالم إلى مشروع استشهادي وثورة عارمة لن يفلت منها شيء ولا سينفع معها القصف ولا الخسف ولا كل العمليات الاستخبارية .
طوال سنين مريرة وهؤلاء يزرعون الخراب والفشل والفوضى في شعوب العرب وقصم أية بادرة أمل او رمق من تقدم أو نصر ويكرسون قناعة تكاد تصبح قرآنا منزلا بأن (دولة )اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بالديموقراطية والنزاهة والانتخابات الحرة ، و الدولة الوحيدة المدنية والوحيدة العادلة والتي يحكمها الكنيست والقانون !
هذه هي الأكذوبة التي يروج لها منذ ألف سنة ونسمعها كل عام وكل مناسبة الان تتعرى جهارا عيانا أمام كل العالم حيث تتبدى حقيقة هذا الكيان أو هذه ( الدولة ) ، حقيقتها هي ذات حقيقة العصابات الأولى التي بدأت بها ، عصابات الهاجانا والارجون المجرمتين والخارجتين عن قانون الدول وقانون الإنسانية ، هما نفسهما تحورتا واتخذتا شكل (دولة ) ، لا توجد دولة ولا ما يحزنون إنها عصابة من المتشددين الدينيين المجانين الذين يتنكرون في هيئة وزارات ورئيس وزراء ومكاتب وإعلام وجيش ، حفنة من المرتدين عن الانسانية والتاريخ وحافظي العهد القديم حيث الآضحيات البشرية وشرب دماء الآطفال وذبح الشعوب عرف مقدس ، دولة مؤلفة من المال الفاسد والمسروق من شعوب العرب وامريكيا اللاتينية وافريقا واسيا ، دولة قائمة على التمييز العنصري وتفريق الناس بين عربي وأعجمي واسود وابيض ولا عدالة فيه ولا رحمة ، دولة قائمة على الاغتصاب والذبح بلا رحمة ولا تعرف قانونا ولا وازعا ، دولة قائمة على تربية المتشددين المجانين الذين يؤمنون بأنهم أفضل خلق الله وأن الله سخر كل الشعوب وكل الدواب وكل الأرض على وجه المعمورة لهم فقط وحلال عليهم كل شيء ويحق لهم فعل أي شيء ، دولة مؤلفة من مدارس دينية تربي روادها على الإفساد والتآمر على الشعوب وتحليل الرذيلة ونشر الاباحية وتقديس الشيطان لكي يفسدوا البشر ويتمكنوا من حكمهم ، دولة يتبارى كل ( وزير ) فيها بإراقة وذبح أكبر عدد من الأبرياء وترتفع نسب التصويت له كلما ارتكب مجازر اكثر وكلما أراق من دماء أطفال فلسطين أكثر ، دولة مسخر كلها كل الشر من أمريكيا وبريطانيا وفرنسا لتكون حارس الاستعمار على دمار الاسلام والعرب وتخلف الشعوب لألف سنة قادمة ، إنهم هم صناع الرذيلة والزنا والربا والمتاجرة بالبشر وسرقة الثروات واحتكار الحاجات وسفك الدماء وتحريض الشعوب على الشعوب وايقاع الأذى بكل الناس .
إنها (دولة ) من عصابات يحملون كل الشر في هذا العالم ونقلوه لكل من يقف معهم او يساندهم ولذلك نشروا وباء الخيانة والإجرام والحرام والرشوة والفساد وصناعة الفقر المدقع إلى كل دولة عربية وضعوا أيديهم فيها هذه هي اسرائيل التي تتهمنا بأننا متشددين اسلاميين وبأننا شعوب متخلفة بدائية ، هذه هي اسرائيل التي تقف خلف السد الأثيوبي لتعطيش مصر وهي التي أفقرت ودمرت لبنان وهي التي أحرقت اليمن وليبيا والسودان وسرقت العراق وسوريا، إنها دولة الكذب الأولى وأكبر مركز عبر التاريخ لصناعة التضليل والتمويه والخداع وأكبر مركز لصناعة الفتن ومحفزات الدم والحروب بين شعوب الأرض.
نطمئن هؤلاء بأنه لا يمكنكم هزيمة فلسطين ولا شعب فلسطين لأن الأدلة أمامكم والشواهد أكثر من أن تحصى ، كل من شاهد المقاطع المصورة لاستبسال الفلسطيني في كل صدام وتشابك مع جنود اليهود يمكنه ان يدرك حجم النار التي تعيش في قلوب المرابطين على أرض فلسطين ، هؤلاء هم من سيكسر حالة الجمود والموات التي تكبل أمة العرب والمسلمين بأكملها ، كل من شاهد الروح العظيمة في بسمة المعتقل وسخريته من جلاديه يدرك انه أمام جبروت لا ينحني مهما طال الزمان ، كل من يشاهد صور الأمهات الفلسطينيات والشابات المحاربات وهن يقفن بتحد فائق أمام الخنازير البشرية يدرك ان كل المؤامرات و الخدع والحيل باءت بالفشل ، اقتربت الساعة وانشق القمر واقتربت نهاية بني اسرائيل بإذن الله ، معركة جنين ليست إلا مقياسا آخر مضافا لمقاييس الحياة في هذه الأمـة ولحراس فلسطين وحراس العهدة العمرية ، أبناء القدس الذين تصورهم شاشات التلفزة الميتة هم انبياء الثورة الجديدة ورسل الحق الذين سوف يسومون بني اسرائيل سوء العذاب ، هؤلاء هم من سيفتح الثورات في كل بلاد العرب ليكون الربيع الفلسطيني الحقيقي وربيع الحرية الأخيرة والانتصار على بني اسرائيل وكل جيوشهم الغربية والعربية ، هؤلاء هم من سيحطم أسطورة ترامب وبايدن وابناء المسوخ ويحطمون كل الأصنام ، هؤلاء من سيكسرون المائدة المستديرة لملوك اسرائيل ويطفؤون نارهم المستمرة منذ العهد القديم .
في الفقرة التي قدمها الآعلامي الكبير المناضل كمال خلف في قناة الميادين ليوم الخميس وبحواره مع شخصيتين من أصحاب المسؤولية السياسية لم يسعني شخصيا أن أتحمل كل هذا القدر من دبلوماسية الشاشات التي بطعم اللاشيء خاصة أن الوجوه الشمعية متخمة بالدهون من فرط الشبع والراحة ، يتبين سريعا أننا في النهاية جميعا في موقف محرج أمام الشهداء وأمام الشعب الفلسطيني الذي عجزتم عن أن تكونوا بحجم ما تقولونه أمامه ، ما المغزى من اسم فتح إذا افتقدنا خاصية الفتح وما المغزى من حماس إذا فقدت حماستها في الغاية التي أنشئت لأجلها ؟ كيف يمكن للوجوه المخصصة لزمن السلام الذي توفي أن تتجرأ على الظهور في زمن الحرب التي أعلنت منذ أن انتهت حفلة السلام قبل ثلاثين سنة ؟
لم يعد الشعب الفلسطيني راغبا في سماع الميكانيزميات الصحيحة من الكلام الزئبقي لأن هذا سيمنح الشهداء الإهانة الكافية بعد الرحيل ، وسنتحول جميعا إلى جزء من محفوظات متحف الحياة السياسية للكيان الصهيوني التي لا يمكنه التفريط بها ولا بهذه الوجوه لأنها تمثل حالة ثمينة لا يمكن السماح بضياعها أو الإتيان ببدائل أفضل من الخبرة والحنكة في الحفاظ على المصلحة العليا للقومية اليهودية !
نريد تذكير المقاومة الفلسطينية بأنه ليس مطلوبا منها أن تكون حكومة وضرائب و وزارات ومهاترات رسمية لأن كل ذلك لا يليق بنا أمام صوة الجثامين العشرة ولا أمام جنين التي فقدت للتو عشرة من أبطالها ولا أمام الأسرى الأبطال الذين دفعوا عمرا من أجلنا جميعا .
على كل وحتى لا يطول الكلام فقد أنقـذ العسل الُمّر حرج الشاشات وقالت القدس كلمة الفصل ثأرا لجنين و في جنين يصبح الموت أداة للوصول إلى الحياة والصعود إلى جبل الحرية لأن الموت كتب على الشعب الفلسطيني دربا للخروج من ردة القبيلة وتحالف الرذيلة وفي بلاد الخداع والاعتقال والكذب على الشعوب والله والتاريخ تتحول الحياة إلى موت متنكر جيدا بمؤشرات شكلية من التغذية والإخراج والتكاثر والتنفس والاحتفالات.
أنا أحمدُ العربيُّ فليأتِ الحصارْ

جسدي هو الأسوار فليأت الحصار

و أنا حدود النار فليأت الحصار

و أنا أحاصركم

أحاصركم

و صدري بابُ كلّ الناس فليأت الحصار!

*كاتب عربي فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الإبادة والتهجير وحرب “المطمطة”!

د. كمال ميرزا* بحسب الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار فإنّ حرب الإبادة والتهجير …