الثلاثاء , مارس 19 2024
الرئيسية / اراء / قضية فلسطين والنفاق الدولي!

قضية فلسطين والنفاق الدولي!

د. عبد الحميد فجر سلوم*

يقول الأديب والشاعر أديب إسحاق (1856 ــ 1885) الدمشقي المولد، واللبناني النشأة، والأرمني الأصل، والشخصية البارزة في حركة النهضة القومية العربية:
قتلُ امرئٍ في غابةٍ ــ جريمة لا تُغتفَر..
وقتلُ شعبٍ آمنٍ ــ مسألةٌ فيها نظر ..
والحقُّ للقوةِ لا ــ يُعطاهُ إلا من ظفر..
هذا هو تاريخ الاستعمار.. فالمُستعمِر، أو المُحتَل، لا يقيمُ أي وزنٍ لحياة البشر التي يستعمرها.. إبادة شعبٍ بالكامل لا تعني له شيئا، ولكن موتُ مُستعمِرٍ واحدٍ، مُعتدٍ واحدٍ، عنصريٍ واحدٍ، فهذه جريمة فظيعة لا يمكن السكوت عنها..
**
يتسارع العالم لإدانة عملية واحدة يقوم بها شابٌّ فلسطيني، محكومٌ بالقهر واليأس والذلِّ من طرفِ أشرس احتلال عرفهُ تاريخ البشرية، وهو الاحتلال الإسرائيلي..
لا ينظرون بالأسباب.. لا يتوقفون عند الدوافع.. لا يُبرِّرون أي عمل يقوم به حتى طفل فلسطيني يرشقُ بالحجارة إسرائيليا مُحتلّا لبيتهِ وأرضهِ، وداعسا على كرامتهِ، على مدى الساعة..
كل ما يقوم به الفلسطيني الضحية، هو (إرهاب) وكل ما يقوم به المُعتدي الإسرائيلي، هو دفاعٌ عن النفس..
**
اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين في الضفة الغربية بشكلٍ وحشي، يوم الخميس 26 / 1 / 2023 ، وروّعت البشر، كبارا وصغارا، نساء وعجائزا وأطفالا، ارتكبت مجزرة، وقتلت 10 شباب فلسطينيين في زهرة شبابهم(وهي ليست المرة الأولى بل ربما الألف) وصدرت بيانات من جهات عالمية عديدة، ولكن ولا واحدٍ منها وصف العمل الإسرائيلي بالعمل الإرهابي.. وإنما فقط عبّرت عن أسفها لوقوع خسائر بين المدنيين، ودعت إلى ضبط النفس وعدم اللجوء للعنف..
من الطبيعي جدا، بل أقل من الطبيعي أن تكون هناك ردّة فعل من أي شابٍّ فلسطيني في عزِّ شبابه، يرى بأمِّ عينيه هذه الاستباحة الإسرائيلية لدماء أبناء شعبهِ، وأهلهِ وأقاربهِ، وأصدقائهِ وجيرانهِ، وشرفهم وكرامتهم، كي يُفرِّغ بعضا من الغضب الذي يشتعل بداخلهِ نيرانا مُلتهِبة، وسط هذا النفاق الدولي واللّامبالاة إزاء الدم الفلسطيني..
هذا لا يحتاج إلى من يُخطِّط لهُ ولا إلى من يُعطيهِ الأوامر، وحدها مشاعر العنفوان الذاتية هي من تدفعهُ، وتدفع أي شابٍّ فلسطيني كي ينتقم للدماء البريئة..
حصل ما حصل في مستوطنة النبي يعقوب في القدس الشرقية يوم الجمعة 27 /1 / 2023 ، أي في اليوم الثاني لمجزرة جنين، وقُتِل 7 مستوطنين، أو مُستعمِرين إسرائيليين، فقامت قائمة المنافقين في هذا العالم،
والكل أخذ يصف العمل بالإرهابي، ويُدين ويستنكِر..
هذا العمل ليس سوى رد فعل على الأعمال التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدى الأيام والسنين، منذ احتلال فلسطين، ومنذ احتلال القدس الشرقية، والضفة الغربية.. فإسرائيل تمارس الإرهاب منذ عام 1948، بل وقبل ذلك بسنينٍ طويلة، من خلال منظمات صهيونية متطرفة وإرهابية ومعروفة ومُدوّنة في التاريخ، وهي ذاتها، من شكّلت لاحقا النواة لِما يُعرف بـ (جيش الدفاع الإسرائيلي) بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 .. فتلك المنظمات الإرهابية هي من شكّلت عقيدة الجيش الإسرائيلي..
**
ما إن وقعت العملية في مستوطنة النبي يعقوب، حتى سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وووووو الخ، بإدانة العملية ووصفها بالإرهابية.. وأعرب الجميع عن وقوفهم إلى جانب الصديق الإسرائيلي..
هذا ليس مُستغرَبا عن هذا المجتمع الدولي المنافق، ولكن لا استطيع أن أفهم كيف أن دولا عربية تصفُ ما حصلَ في مستوطنة النبي يعقوب، بالإرهابي..
ألَم تقولوا جميعا أن التطبيع سوف يُوقِف بناء، أو توسيع المستوطنات الإسرائيلية؟.
ألم تقولوا جميعا أن التطبيع سوف يُساعِد في الحل على أساس الدولتين؟.
هل تحقّق شيئا من هذا؟.
هل أعارتكُم إسرائيل أي اهتمام لدى تنفيذ مخططاتها العدوانية؟.
هل امتنعت عن ارتكاب عدوان واحد في الضفة الغربية، وغزّة، وضد سورية؟.
ألَم يسأل الجميع أنفسهم، ماذا يفعل هؤلاء الإسرائيليون في القدس الشرقية؟.
ألَم يسألون أنفسهم، لماذا هناك مُستعمَرة إسرائيلية، في القدس الشرقية؟.
ألم يسألون أنفسهم لماذا إسرائيل تُصادر أحياء وبيوت الفلسطينيين في أحياء القدس الشرقية، وترميهم بالعراء؟.
هل سأل أمين عام الأمم المتحدة، الذي غضب جدا من عملية مستعمرة النبي يعقوب، لماذا إسرائيل لم تُنفِّذ قرارا واحدا من قرارات مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي هو اليوم أمينها العام، منذ عام 1948 وحتى اليوم؟.
هل سأل الجميع أنفسهم، لماذا إسرائيل تتحايل وتلتف على مبدأ قيام الدولتين، وتتوسع كل يوم، ولا تُطبِّقهُ؟.
**
لا أحدا مع الإرهاب.. ولا أحدا مع الموت.. ولا أحدا مع القتل.. والشعب الفلسطيني ليس إرهابيا.. ومقاومَة الاحتلال ليست إرهابا، وإنما هي دفعا للقتل والإرهاب الإسرائيلي ودفاعا عن النفس الذي أقرّتهُ كل شرائع الدنيا السماوية والوضعية..
على هذا المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، وأوروبا، أن يعترفوا بأن هناك قضية شعبٍ مظلوم بالكامل، تحتاج إلى حل عادل ومُنصِف ودائم.. ولن تعرف فلسطين التهدئة، ولا المنطقة، دون حلٍّ عادلٍ لهذه القضية.. والمُرتكِب هو من يتخلّى عن قضيتهِ وقضية شعبهِ، وليس من يُضحِّي ويستشهد لأجلها..
*كاتب سوري وزير مفوض دبلوماسي سابق

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

الإبادة والتهجير وحرب “المطمطة”!

د. كمال ميرزا* بحسب الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار فإنّ حرب الإبادة والتهجير …