السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / أخبار / ألاعيب الكبار !

ألاعيب الكبار !

بقلم / فيصل مكرم*

▪︎تحتَ مظلةِ النظامِ العالميِّ الجديدِ تديرُ الدولُ الكُبرى أزماتِ العالم ومنازعاتِه وحروبَه وحرائقَه المشتعلةَ في بقاعٍ عديدة بما تمتلكه من نفوذٍ وأجهزة استخباريَّة وإمكانات بشرية وتكنولوجية وأجهزة تنصت ومراقبة الاتصالات العابرة للدول بواسطة محطات رصد وتجسس مزروعة في مواقع موزَّعة بعناية على خريطة العالم، مدعومةً بآلاف الأقمار الصناعيَّة داخل وخارج أجواء هذا الكوكب، وكلها تؤدي مهماتها العابرة للحدود والقارات والمحيطات بما يتفق ومصالح الدول الكُبرى المُتحكمة في مصير العالم، وتقلبات العصر بما تمليه متطلباتُ نفوذِها وسباقها المحموم عسكريًا واقتصاديًا، وبالنسبة للكبار لا بأسَ لديهم من أن يكون لهم دور في إشعالِ الحرائق هنا وهناك واحتوائِها في أماكن أخرى، وممارسة الابتزاز المنظم لأنظمة ودول تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان وتصدير الديمقراطية.. إلخ، في حين لا تمتلك تلك الدول الإمكانات لمقاومة أطماع القوى الكبرى أو التعاطي معها بشيء من الندية، وحين تقع دول الصدارة في النظام العالمي الجديد في ورطة عسكريَّة أو اقتصادية تجدها في حالةِ ارتباكٍ وعجزٍ في إدارة أزماتها كما هو الحاصل في الحرب الروسيَّة في أوكرانيا، وفي التعاطي مع الصين فيما يتعلق بالسباق والهيمنة الاقتصادية على العالم.
▪︎وكشفت الحرب الروسيَّة الراهنة في أوكرانيا عن الوجه القبيح للمصالح التي تحكمُ العالمَ اليوم وعلوّ كعبِها على مبادئ التحضر واحترام حقوق الإنسان وتغليب إرادة الشعوب في ممارسة الديمقراطية والحكم الرشيد، واحترام سيادة الدول وإنهاء المنازعات والحروب عبر الحوار، بحيث تقوم الأمم المتحدة بدورها لجهة النأي بالبشرية عن كوارث الحروب والصراعات الدولية والإقليمية والأهلية، وأن تؤدي مؤسساتها المعنية بالسلام الدولي ومناهضة الحروب دورَها لجهة الحفاظ على السلام العالمي ووقف التصعيد الذي قد يؤدِّي إلى فناء البشريَّة، وللأسف فإنَّ العالم المتحضر والديمقراطي يمارس النفاق السياسي بصورة بشعة في التعاطي مع تطورات الحرب في أوكرانيا، وكأنها لا تشكل خطرًا مدمرًا للعالم، وفي أسابيع الحرب الأخيرة أخذت منحًى تصعيديًا خطيرًا لا يمكن تجاهله، ومع ذلك كل الأصوات الداعية للسلام تغطُّ في سُبات طويل، ومنظمات حقوق الإنسان والحيوان والمناخ والبحار هي الأخرى في سُبات مماثل، وكذلك الأمم المتحدة عاجزة عن وقف الحرب في أوروبا وتركت مصير العالم بيد الخمسة الكبار في مجلس الأمن الدولي، وكل دول العالم الأعضاء مجرد بيادق على طاولة اللاعبين الكبار.
▪︎واشنطن على رأس النظام العالمي الجديد المُتخم بالشعارات الفضفاضة، وتقدم نفسها كمدافعة عن حقوقِ الإنسان وتحقيق العدالة والمُساواة وحامية حمى الديمقراطيات العريقة والناشئة حول العالم، وهي تفتح مخازن أسلحتها وحلفائها في حلف الناتو وتشغل مصانعَ السلاح في أمريكا وأوروبا وتقدمها لأوكرانيا من أجل هزيمة روسيا وليس دفاعًا عن الشعب الأوكراني وجعلها مقبرة للجيش الأحمر كما فعلت في أفغانستان في حقبة الاتحاد السوفييتي، وللدفاع عن كبرياء الدولة العظمى، وباتت أوروبا الصناعية والمتحضرة اليوم بين ضغوط واشنطن والخوف من جموح الرئيس بوتين الذي يؤكد أن حربه في أوكرانيا مسألة وجودية لبلده، ولن يقبل بالهزيمة وبين يديه أكبر ترسانة نووية في قواعده وتطوف في بحار العالم، ولا يزال القادة الروس يذكرون واشنطن بما آلت إليه دول باتت تعج بالفوضى والفساد والفقر والتخلف بعد تدخل أمريكا وحلفائها، ومنها دول كانت من أثرى دول العالم بثرواتها النفطية وتاريخها الإنساني والحضاري، وها هي اليوم تعاني شعوبها من الفقر والبطالة والصراع الطائفي وفي دُوامة الفوضى والحروب الأهلية التي لم يتدخل النظام العالمي الجديد لوقفها.
أنا هنا لا أبرر الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، ولكن إلى متى ستستمر الحرب وإلى أي مآل ستنتهي، وفي حين نجد واشنطن تشحذ همم العالم ضد روسيا، تعلن أنها مستعدة لدعم إسرائيل بكل الإمكانات التي تمكنها من الاستمرار في البطش والقتل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يقاوم جبروت المحتل ويتصدى لجرائمه اليومية منذ ثمانية عقود، فكيف يمكن للعالم أن يطمئن إلى نظام عالمي أوحد يكيل بمكاييل عديدة ويؤكد فشله في إنهاء حرب تدور في قلب أوروبا، وقد تؤدي إلى حرب كونية، وبعد أن أصبح العالم في زمن الثورة الرقمية قرية واحدة في التواصل الإنساني والحضاري سيصبح بقايا أطلال بعد الطوفان الذي قد تحدثه ألاعيب الكبار.

*نقلا عن الراية القطرية

fmukaram@gmail.com
@fmukaram تويتر

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …