السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / ماذا يريد الغرب من سوريا؟!

ماذا يريد الغرب من سوريا؟!

علي الزعتري*
قبل عامين هبت الدول العربية، مصر و الأردن و سوريا و لبنان، لتسييل الغاز و الكهرباء للبنان عبر سوريا. لكن لبنان لليوم لم يرَ “أمپيراً” عربياً واحداً و لا الغاز سال. و لمن يسأل عن “الأمپير” فهو وحدة بيع الكهرباء من المولدات الكهربائية المملوكة لمتنفذين في القطاع الخاص في المدن اللبنانية و السورية و حتى العراقية حيث تُولَّد الكهرباء للأحياء و يشتريها القادر كُلٌّ حسب استطاعته. و لذلك تنتشر في أحياء كثيرة في المدن أسلاك الكهرباء و تتدلَّى عبر الشوارع في منظرٍ مفزعٍ و حالٍ خطير. و في المناطق الغنية النموذجية بتلك البلاد نظامٌ أكثر جماليةً يتلاءم و السكان المنمقين. عندهم الأمور سلسةً و “الأمپير” جزءٌ من هندسة البناء فتختفي البشاعة و لا يختفي “الأمپير” طالما كهرباء الحكومة مقطوعة. إذاً “الأمپير” حَلَّ محل كهرباء الدولة التي لا تستطيع توليد كهرباء كافية للسكان للشح في الوقود الذي يغذي المحطات، و في سوريا لشح قطع الغيار و صعوبات الصيانة لمحطات أُنشإت في السبعينات و الثمانينات. ذلك لأن قيصر البيت الأبيض، في حال لبنان و سوريا، قال لا للغاز والنفط اللازمين لإدارة محطات التوليد و لا للصيانة و قطع الغيار لسوريا. أذكر جدالي مع رؤسائي أن الكهرباء في هذا الزمان حقُّ إنسانيٌُ و يستحق دعماً في خطة الاستجابة الانسانية. لكن الرد كان سلبياً لتمنع المانحين، عدا اليابان، عن تحسين إنتاج الكهرباء السورية. كما تتذكرون، يوم ارتفعت وتيرة احتجاج اللبنانيين علي انقطاع الكهرباء مالت واشنطن كغصن البانِ دلالاً و شَفقةً علي لبنان فوعدت بالتعاون و غضِّ النظر عن قانون قيصر الذي يمنع التعامل مع أو عبر سوريا. و البنك الدولي أرسل المناديب و الوفود واعداً بالتمويل. و اجتمع الوزراء العرب و هللَّ الجمعُ و انفض السامر. لكن عاش “الأمپير” و عاش قيصر. فلا الغاز وصل و لا اللبنانيون رأوا غير كهرباء القطاع الخاص. لأن الولايات المتحدة بعدما امتصت فورة الدم العربية علي الشقيق اللبناني سحبت البساط من تحت الأرجل و أوقفت العمل بضخ الغاز المصري للبنان عبر الأردن و سوريا.
منذ تزلزلت الأرض في تركيا و سوريا لم يكترث بقيصر، في الظاهرِ، من العرب ممن قدم المساعدات لسوريا. أودُ تصديق ذلك و لكنني أعتقد أن مشواراتٍ حصلتْ لتلافي زعل قيصر قبل تقديم المساعدات. واضعوا قانون قيصر هم نفسهم الذين يقررون المساعدات المالية لكثيرٍ من الدول العربية و هم لن ينظروا بحنو لدولةٍ تعتمد علي مساعداتهم ثم تتحدي قوانينهم القيصرية. و لأن الدم لا يصير ماءً والمصاب جللٌ يُدمي النفس و القلوب تنوعت المساعدات و صُلِّيَتْ على المتوفين الصلوات. لكنك تلحظُ متحسراً كيف بعض الجسور الجوية كانت تصلُ لتركيا من دولٍ عربيةٍ قافزةً فوق سوريا، و تحتفلُ بذات الوقت آملاً أن يكون بزغَ عصرٌ فيه كرامةٌ عربيةٌ تتجاوز الظلم عندما بعضها حطَّ باللاذقية و حلب و دمشق بالمعدات و المواد و الخبرات. لكنك لا تلبث أن تكتشف أنها عند البعض لا تزال الحرب المقدسة بين النظم الشرعية والنظم العلمانية و أن الثارات القديمة لا ينمحي دمها بالدم المساح بالزلازل بل بتغيير النظم و نشوةِ الثأر. سخافةٌ لكنها واقعية و فيها الضحية هو الإنسان. مع هذا أنها أيامٌ قليلةٌ قبل أن تتحول فيها مهمة الإنقاذ للأحياء تحت الأنقاض إلى المهمة السوداء لانتشال الأموات و هدم المباني المائلة. ستعود الفرق لبلادها تحملُ القصص المبكية و المعجزة و تتوقف الطائرات و القوافل. تدركُ أن قيصرَ كان مرناً في هذا فلا عينٌ حمراء ظهرت و لا انتقاد لكن قيصر لن يتحمل المزيد من الأخوة بعد الجنازات وسيقفل الباب علي سوريا كما كان قبل الزلزال و ربما أشد.
لمن يقرأ، لم تتراجع بريطانيا عن وعدها بالتعاون مع الخوذ البيضاء خارج مناطق الحكومة. ذات الخوذ البيضاء التي فتح لها الصهاينة ثقباً في سور الأسلاك لتصل لهم من جنوب سوريا هرباً بعد إنهيار الجنوب. و لا الولايات المتحدة سكتت و هي التي قالت أنها لن تتعامل مع النظام الوحشي الذي يقتل شعبه. حربُ سوريا منذ ٢٠١١ تمضي قُدُماً عندهم. هذه تصريحاتٌ أتت الآن قبل هدأة الدم السوري و التركي و قبل آلاف الجنازات. قيصر لا يمنع المساعدات الإنسانية. قالت المتحدثة الإقليمية للخارجية الأمريكية وهي من أصلٍ عربي كما يبدو. و لكنه يفعل لأنه يُرهبْ من يريد أن يرسل كيلو حليب لطفل. كيف؟ كلفة تقديم المساعدات التي تتطلب إذناً و استثناءً تقول للمُرسلْ خفف الوطء و لا تدخل بما قد يضر. و الأمم المتحدة انتقدت العقوبات والحصار. العقوبات ليست عقوباتها بل هي عقوبات الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و بريطانيا ، لكن الأمم المتحدة تراعي العقوبات. كيف لا و الثلاثة مع ألمانيا هم الأعلى منحاً للمعونات الإنسانية. و لماذا، قد تسأل، هذا الانتقاد الآن وليس سابقاً؟ لأن المطلوب فتح منافذ غير باب الهوى مع تركيا و هو المطلب الذي عارضته سوريا و روسيا و طالبت بها الأمم المتحدة و باقي المانحين. سوريا بالمقابل قالت لا مانع من مساعدات من جهتها الحكومية للجهة السورية المتمردة بشرط تقديمها عبر الهلال السوري والصليب الأحمرين و بتعاون الأمم المتحدة. موقفٌ لم يتغير عن مواقف السنوات الماضية و فيهِ ما فيه من تنسيقٍ مُضنٍ بين الجهتين يجعل المهمة شبه عقيمة. العقبة كانت في التفاصيل التي تتغير كما عايشتها مراراً. لهذا لا تفاؤل أن تصريحات و أفعال ما قبل الزلزال و خلاله ستستمر بعده. مجلس الأمن سينظر في المأساة بعد أيام و مطلب فتح المزيد من المعابر سيتكرر. وستتكرر المواقف ذاتها. روسيا وسوريا ستقول مرروا المساعدات من المناطق الحكومية و المناوئون سيتهمون الاثنتين باللعب بالأرواح. و قيصر سيرفع رمحه الطويل و سيفه العريض و ستتراجع حمية الدم العربي لما هو مقبولٌ لقيصر. سوريا الحكومة و سوريا المعارضة يبقيان علي طرفي نقيض. السيد مارتن غريفيثس سيناشد لفتح المعابر من داخل و خارج سوريا. و السيد غيير بيدرسن سيقول أن الحل و الخلل سياسي. لا ألوم أحداً فهذا هو العالم الذي نعيش فيه. الحكم و الولاء و السطوة فيهِ لقيصر.
يريد الغرب تغيير الحكم السوري و لا يهمه إن يمر هذا الحكم بمصاعب حياتية له أو للسوريين بتاتاً. يساعدهُ في هذا المطلب قسوة الحرب و مئات الأدلة علي سطوة الحكم و بالطبع التزام سوريا الخط المقاوم. البديل المقترح من الغرب هو في الحقيقة مجهولٌ الآن لاختلاف أنواع المعارضة السورية واتساع انتماءها و هلاميتها. فمن سيستلم حكم سوريا بعد حزب البعث إن سقط؟ “المجاهدون” أم العلمانيون؟ أم خليطٌ؟ الغرب يريدُ مساراً سياسياً له سمات و ليس جوهر الاختيار الديموقراطي لمن سيحكم سوريا والكل يعرف أن هذا المسار سيريد أن يستثني الحزب الحاكم بكل وسيلةٍ ديموقراطيةٍ أو تآمريةٍ ممكنة و كل حزبٍ فيه روح أو نبرة المتحدي. بيتَ القصيد ليس في ديموقراطية سوريا. نعلمُ أن ديموقراطيات العرب و ديكتاتورياتهم لا تهم أحداً ما لم تعادي “إسرائيل” و لذلك فإن سوريا ديموقراطية هي آخر ما يهم الغرب. فليحكم سوريا الجولاني أو أبو سياف أو جورج واشنطن أو غوار الطوشة طالما المحصلة هي التصالح مع “إسرائيل” و الطلاق البائن مع من يقاومها. و ما سيحصل داخل سوريا عندها سيكون شأنها الداخلي و لو امتلأت محافظاتها جوراً و ظلماً.
لذلك “قيصر” و استمرار الحصار و العقاب. لا يهم الزلزال كثيراً هذا الغرب الذي التهم أرواح الملايين في أرجاء العالم. من يجرؤ على تحديه بعد الزلزال سيجد نفسه أمام عقباتٍ لا تخطر علي البال. و بالمناسبة، هناك قياصرة كثير في جعبة الغرب لكل دولة تتحداه. و سيلدغ المؤمن من نفس الجحر مراتٍ و مرات. لكن الزلزال الذي سبب هذا الألم المتكرر هو فرصة للسوريين. فليكن الصدع جسراً للالتقاء. تحتاج لهذا لارتقاءٍ سوريٍّ. و يحتاج هذا لارتقاءٍ تركي. و تحتاج الدول العربية أن تدير لقيصر ظهورها لأنها باتحادها بوجهه ستصنع تاريخ المنطقة القادم. كثيرةٌ هي التضحيات الثلاثة، أعلمُ ذلك. لكن دماً كثيراً سيحاسب كل مسؤول عن ضياع الحياة يوم الحساب إن لم يحاولوا كلهم إنقاذ البلاد و العباد. هذا إن كنتم تؤمنون.
*دبلوماسي أُممي سابق

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …