السبت , ديسمبر 13 2025
الرئيسية / اراء / مأزق “إسرائيل” الكبير!

مأزق “إسرائيل” الكبير!

عبد السلام بنعيسي*
تركّزُ الميديا الغربية على الترويج في ذهن الجمهور على فكرة أن حركة حماس هي الجهة الوحيدة المستهدفة من الحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة. القادة العسكريون والمدنيون الصهاينة يدلون بتصريحات صحافية يرددون فيها نفس المعزوفة، وتتبعهم وسائل الإعلام الغربية في ترديد النغمة ذاتها. وعلى نفس النسق يتكرر النغم الواحد الذي يؤكد على أن حماس هي المسؤولة عن تبعات ما يحدث من قتل، وتدمير، وتجويع، وتعطيش، وتهجيرٍ للشعب الفلسطيني، ويتم ذكر القيادي الحمساوي يحيى السنوار بالاسم في بلاتوهات التحليلات والنقاشات بين من يسمون أنفسهم محللون صهاينة وغربيون، ويعتبرونه مدبر الهجوم على غلاف غزة، وهو المخطط والساهر على تنفيذ عملية طوفان الأقصى..
نحن أمام نفس السيناريو الذي يقع اعتماده من طرف الغرب، في كل حروبه التي يشنها على الآخرين، ففي العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، كان القصف الإعلامي الموجه ضد الرئيس المصري جمال عبد الناصر يسير بشكل متواز مع قصف الطائرات والمدافع والدبابات التي كانت تصب جامَّ حممها على الأرض المصرية، وفي سنة 1991 خلال حرب تدمير العراق تحت يافطة إخراج قواته الغازية من الكويت، وفي سنة 2003 حين كانت الجيوش الأمريكية والبريطانية والكرواتية تغزو بلاد الرافدين، كان الإعلام الغربي يضع في بؤرة ضوئه، صورة صدام حسين، ويعمل من أجل أن يزرع في ذهن جمهوره، فكرة أن الحرب ليست على الشعب العراقي، وإنما على من كانوا يصفونه بصدام الدكتاتور، وعلى نفس المنوال تعاملوا مع ليبيا وسوريا، حيث كانت الأضواء تُسلَّطُ على الرئيسين معمر القذافي وبشار الأسد، على أساس أن الحرب تخاض ضدهما، وليس ضد الشعبين السوري والليبي..
بموقفه هذا الذي يعيد إنتاجه في كل لحظة، يبين الغرب بأنه لا يعترف بوجود الشعوب العربية والإسلامية. بالنسبة للغرب، هذه الشعوب وجودها من عدمه، في خضم الحرب، سيان، إنه يختزلها في حكامها، وعندما يقصفها بالقنابل وبالصواريخ وبالرصاص، فإنه يخاطب نفسه ويخاطبنا من منطلق أننا نقصف مجرد الأشخاص الحاكمين وليس الشعوب. لا يهم الغرب أن يُقتل من العرب والمسلمين الآلاف والملايين من البشر، كما جرى في العراق، وسوريا، وليبيا، ولبنان، واليمن، وفلسطين حاليا. قتلُ هؤلاء في مذابح ومجازر جماعية، وتدمير عمرانهم ومؤسساتهم فوق رؤوسهم، أمرٌ مستساغ ومرحب به غربيا، إن كان الغرب سيجبي من ذلك، إزاحة عن السلطة، حاكما عربيا تمرّد على هذا الغرب وخرج عن طاعته.
العالم يعاين إبادة جماعية لأهالي غزة، تعدى سقف الضحايا من الشهداء والجرحى فيها الأربعين ألف ضحية، والغرب لا يزال يردد على مسامعنا، وراء الكيان الصهيوني، أسطوانة أنه يحارب منظمة حماس ويسعى للقضاء عليها، وعلى قائدها الميداني يحيى السنوار، ووقتها سيقبل وقف إطلاق النار، مسبوقا بالإفراج عمن يسميهم الرهائن. يحارب حماس لأنها، في عرفه، تنظيم إسلامي متطرف وإرهابي، ويسعى لتدمير دولة إسرائيل، وعليه، لا ينبغي أن يكون لحماس، ولقادتها وعلى رأسهم السنوار، مكان في غزة بعد الحرب.
أما حزب الليكود وقائده نتنياهو، ومعه حزب القوة اليهودية برئاسة إيتمار بنغفير، والصهيونية الدينية بقيادة بتسئيل سموتريتش، هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتشكل منها الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإن لا إشكال حول وجودها في السلطة بإسرائيل، ولا حرج في اقترافها للمذابح والمجازر ضد الشعب الفلسطيني، ومقبول منها، الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وقرارات الشرعية الدولية، ومنهم من يرفع شعار، العربي الجيد هو العربي الميت، ومنهم من يصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية، ولا يتحرج في التصريح العلني بأنهم يستحقون القتل والسحق. هؤلاء ليسوا يمينيين، ولا متطرفين، إنهم سياسيون طبيعيون ويُفرَشُ لهم السجاد الأحمر في زياراتهم للعواصم الغربية، وحماس وحدها هي اليمين المتطرف التي يتعين اجتثاثها من القطاع، وسفك دم قادتها وعلى رأسهم السنوار..
طيب، سنفترض جزافا معهم، أن حماس تنظيم إرهابي، رغم يقيننا، أنها مقاومة مشروعة لاحتلال غير مشروع، لكن ماذا عن منظمة التحرير الفلسطينية التي غيرت ميثاقها الوطني واعترفت بالدولة العبرية، ووقعت مع إسرائيل اتفاقية أوسلو، ماذا كان مصيرها؟ كيف عاملتها الدولة العبرية ومعها الغرب؟ ألم يفرغوها من محتواها النضالي، ويحولوها إلى قوقعة جوفاء وجسم متهالك خال من أي نفس وروح؟ لقد خسرت المنظمة نفسها، وأضاعت تراثها النضالي هباء منثورا، من غير أن تحصل على أي شيء، ونتج عن الفراغ الذي تركته في الساحة الفلسطينية بروز حركة حماس. وكان من الطبيعي أن ترفض حماس إعادة سلك نفس النهج الذي مضت فيه المنظمة المتمثل في الاعتراف والتوقيع على ما يسمى بالسلام مع دولة الاحتلال…
إذا كانت إسرائيل تريد اغتيال يحيى السنوار لأنه، حسب زعمها، إسلامي متطرف، وكان وراء عملية طوفان الأقصى، فلماذا اغتالت الموساد، قبله، بعقود طويلة، غسان كنفاني، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، وخليل الوزير، ومصطفى أبو علي، وياسر عرفات، واللائحة طويلة من الشهداء الفلسطينيين العلمانيين، حتى قبل ظهور حركة حماس؟ فهل هؤلاء كانوا أيضا إسلاميين متطرفين؟؟؟
لقد اغتالت إسرائيل عبد العزيز الرنتيسي، وأحمد ياسين، ويحيى عياش، وفتحي الشقاقي، وأحمد الجعبري، وعددا هائلا من المقاومين الإسلاميين، دون أن تستفيد من التجارب التي تعيشها. إنها تعيد إنتاج ذات الممارسات السابقة، بلا كلل ولا ملل، وبلا استخلاصٍ للدروس، ففي كل مرة كانت الموساد تغتال قياديا فلسطينيا، تتفاجأ ببروز قيادي آخر يخلفه، ويكون في مستواه وأحيانا أقوى وأشد من الذي استشهد. ولذلك فإن حرصها اليوم على السعي لاغتيال يحيى السنوار يثير الاستهجان، إنها تتحدث عن هذا الاغتيال المفترض وكأنه سيجلب لها الانتصار المزعوم..
حين تفكر إسرائيل على هذا النحو، فهذا يبين أنها في مأزق كبير. إنها تريد تبسيط أزمتها واختصارها في وجود حماس بقيادة السنوار والضيف، في حين أن مشكلتها مع الشعب الفلسطيني الذي فشلت في ترويضه وتدجينه، وظل على امتداد قرن من الزمان يقارعها في أرضه فلسطين، ويطرد النوم من جفونها، ويشكل كابوسا يؤرقها، في صراعه معها، في اليقظة وفي المنام. التاريخ لا يعود إلى الوراء، ومعركة طوفان الأقصى معركة فاصلة في تاريخ هذا الصراع. إنها نصر حققه الشعب الفلسطيني وسيجعل منه قاعدة لتحقيق انتصارات أخرى تفضي لكنس هذا الاحتلال من أرضه الطاهرة، سواء ظل السنوار على قيد الحياة، أو ارتقى شهيدا، معززا، مكرما في ميدان الجهاد…
*صحافي وكاتب مغربي

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

عبدالقادر هلال : رجل ترك بصمة في قلب صنعاء

  بقلم / عادل حويس في كل عام عندما يحل الثاني عشر من ديسمبر تلتقط …