د.ميساء المصري*
من المفارقة السياسية الساخرة أن بنيامين نتنياهو الذي إدعى قبل 6 سنوات أن بقاءه رئيساً للوزراء ,هو الضمان الوحيد لإستمرارية إسرائيل بعد عقدها الثامن وما يزيد على قرن، على خلاف الحال مع ممالك إسرائيل التاريخية السابقة. يبدو أنه اليوم مع حرب غزة سيكون سببا في دمار الكيان مع اتساع الفجوة على مداها بين النخب العسكرية والسياسية من الموساد والشاباك والجيش والحكومة والأحزاب والشعب ككل . ورغم خسارات نتنياهو لكنه لا يجرؤ على ايقاف الحرب. وجميع الاستطلاعات التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي يجريها هو نفسه بشكل سري، تشير إلى أنه خسر الحكم ،رغم حديثه من الغرف المغلقة بأن الحرب ستستمر, وأن المخاطرة والنصر لصالحهم .
استمرار الغباء المتفرد لحكم نتنياهو في إدارة الحرب والتعنت السياسي , يطرح أسئلة حول طبيعة سوء علاقة جيش الإحتلال مع الحكومة، والى أي مدى حدود تلك العلاقة؟ إذ يوجد سوابق عديدة لجيش الإحتلال ضد السياسيين الاسرائيليين وضعت نهايات سياسية مثبته , كما حصل في 1967 حين أجبر جيش الإحتلال, رئيس الحكومة على إجراء تغيير وزاري وإعلان الحرب . وكما حدث قبل انتخابات سبتمبر 2019 من وقف للحرب. وأيضا عندما أوقف رؤوساء المؤسسة الأمنية الهجوم المزمع على إيران الذي اقترحه القادة السياسيون في عام 2010، و2012 في عهد رئيس الأركان بيني غانتس ورئيس الموساد تامير باردو. لنطرح سؤالا في عام 2024 عن ماهية النهاية العسكرية السياسية المؤجلة ؟
الكيان هو جيش له دولة , والجيش والمؤسسات الأمنية صانع رئيسي للقرارات، لتجد المؤسسة العسكرية نفسها في صراع واضح بلا قرارات مع حكم نتنياهو الذي يعاني من انعدام الخبرة العسكرية، وهو تقليديا لا يستمع للمؤسسات الأمنية ولا يحترم قيادات الجيش, لذلك يتخوفون من أن يحطم الدولة ويفقدها كيوننتها. إضافة الى أنه أساء للجيش وقلل من قيمته وصورته الدولية القاهرة وبات بصورة الجيش الضعيف غير المؤهل والذي يفتقد لمعايير كثيرة دمرت مكانته شعبيا وعالميا، رغم أنه منذ عام 1967 لم ينتصر كجيش بشكل حاسم في أي حرب بل خرج مهزوما من أغلبها, فالكيان عسكريا يندرج جيشه تحت معنى الأمة المسلحة لمجتمع بأكمله, ويتشكل بجيش من المواطنين يعكس كافة أطياف المجتمع المدني. وبالتالي، فهو يمثل بقوة فكرة “المملكتيوت” الإسرائيلية وهنا خطورة ضعفه وإنهياره .
تطورت الفجوة بين المؤسسة العسكرية والسياسية في الكيان لدرجة بات الإنسحاب من ساحة القتال علنا وتمردا . كذلك التصريحات بأن الوقت إنتهى , ولم تعد إسرائيل مكانا للعيش , وبأن الجنرالات الذين انخرطوا في السياسة وكان هدفهم عدم الخلط بين السياسات الحكومية الحزبية والديكتاتورية، بات دورهم حماية سلطوية غامضة وعدم القدرة على تحديد السياسات الإسرائيلية. وبات رئيس الحكومة أهم العراقيل والأسباب التي أفقدت الجيش هيبته وتعامل نتنياهو معه كأداة لسلطته وتطرفه. وأصبحت المعادلة لمن البقاء لنتنياهو أم الجيش أم الكيان؟
حكومة نتنياهو قتلت نفسها بغباء التيار السياسي السائد إلى أقصى اليمين, الأكثر تطرفًا في المجتمع، والتي فتحت بابا لنوعية جديدة من التناقضات بين كل الأطراف ,حكومة غبية ,متغطرسة , ومتطرفة . وضعت أهدافا تعجيزية لم تحقق شيئا منها ,حرب أربعة أشهر كلفتها اليومية 275 مليون دولار وتدمير الآلاف من الآليات العسكرية , وعشرون ألف معاقا في صفوف جنودها , ومقتل ما يقارب من عشرة ألف جنديا وضابطا والآلاف من المرضى نفسيا بصدمة الحرب. وخسائر إقتصادية تعدت 60 مليار دولار, وهجرة أكثر من مليون ونصف المليون اسرائيلي ,وخسارة عسكرية وسياسية وإعلامية واستراتيجية وإقتصادية وقانونية وخسرت دعما عالميا وداخليا.
والمعارضة ترى أن الدولة التي يبنيها نتنياهو لا تستحق التضحية , وأن الحكومة الإسرائيلية ككل ليست متفقة على الحكم في غزة وعلى حل عسكري لحماس ، حيث يلعب كل طرف في حكومة الكيان نغمة مختلفة. والخلافات حول صفقة تبادل أسرى محتملة لتأمين عودة المختطفين الإسرائيليين. وبطبيعة الحال، هذه ليست نقاط الخلاف الوحيدة. فقد باتت اجتماعات مجلس الوزراء في الكيان كمساحة محرجة للمواجهات والمعارك والمجادلات التي لا تؤدي إلى شيء . وبصرف النظر عن المجانين الموجودين على الهامش ومختلف عوامل الفوضى وعدم تحمل المسؤولية في معسكر نتنياهو ، فإن إسرائيل غير قادرة على إظهار القدرة والإرادة على الخروج من الحفرة التي وقعت فيها.
من جهة أخرى جنرالات الجيش فقدوا قدرتهم على الحوار السياسي مع الحكومة وفقدوا ثقة الشعب وأيضا إتساع الفجوة بين المجتمع العسكري والمجتمع المدني، ورمي التهم على الجيش وعدم الإيمان بإمكانية تحقيقه النصر في الحرب مع حماس ، وعدم القدرة على تنفيذ سياسة قوية وعدوانية ضد الفلسطينيين، وتغذية الميول الإنهزامية، وإصابته بـ”اليسارية” وشعوره بالعجز القتالي الذي دعمه احضار مرتزقة متعددة الجنسيات من خارج الكيان للمشاركة في الحرب ,والدعوة الى إقالات لمستويات عليا إلى جانب الدعوة الصريحة إلى التطهير السياسي للقيادة العسكرية وأصبح الجيش في ورطة سياسية وعسكرية ,وهو أخطر ما قد يواجهه جيش الإحتلال داخليا .
خلاصة القول هي أن التصريحات الأمريكية تزداد سخونة ضد بيبي وبات حاله مثل عزاء الرجل الفقير, ورغم تظاهره بالثبات إلا أن دائرته تزداد تفككا, وقد يعني هذا التحول إعادة ضبط السياسة الأمريكية الضيقة تجاه فلسطين. خاصة و أن جيش الكيان يريد وقفاً فورياً للحرب في غزة، التي تحولت إلى هزيمة كبرى وأسفرت عن خسارة هائلة. وتحريض ضد قادة الجيش . نتنياهو الآن لا يوجد من يدافع عنه في الأيام القادمة مع التصعيد الشعبي والإنقسام العسكري والأمني والحكومي من أجل الهروب من دقات الساعة السياسية التي لا هوادة فيها, والتي سوف تنتهي قريباً مع الحرب التي يشنها.
نتنياهو سيرحل ولكن كيف؟ هل يفعلها شعبه أم على الجنرالات أخذ ثأرهم .
*كاتبة وباحثة أردنية
شاهد أيضاً
كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!
محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …