الجمعة , نوفمبر 22 2024
الرئيسية / اراء / طيور النار التي تصنع الفجر القادم..!

طيور النار التي تصنع الفجر القادم..!

خــالد شـــحام*
هذه المقالة المتراكبة من الشظايا التي تتساقط من السماء ، والدخان الذي تخلفه الكرامة التي تعصف بالمنطقة ، تقدم لقراء رأي اليوم الخلفية النظرية لفيزياء الصواريخ بقدرها الأولي المبسط ، وتكشف لكم المفاهيم الضرورية اللازمة لإدراك الحرب التقنية وحرب التحديات التي تخوضها قوى المقاومة ضد الحلف الصهيو- مسيحي – إسلامي الذي يحاول الإطاحة بأية بارقة أمل لهذه الأمــة ويسعى حثيثا لتغيير جيوسياسة بلادنا وشعوبنا ، تأتي هذه المقالة لتؤكد مرة أخرى بأن المعركة العلمية مع العدو لا تقل أهمية عن المعركة العقائدية ، وفي البداية أشير بأن من لا تهمه القضايا العلمية أو المقالات الطويلة فيمكنه النزول من الحافلة الان .
تعتبر الصواريخ سلاحا فــذا له أناقته وجاذبيته ، سلاحٌ ذو كبرياء يتمتع بهيبةٍ خاصةٍ وسـطوةٍ عسكرية ونفسية هائلة ، إنها ماردٌ له يد طولى تصل أي مكان ، عندما تقلع وهي تزمجر بشواظ من النار تشعر كأنها تتكلم بنبرة نفوذ ، هي أيضا سلاح الفقراء والأغنياء على حد سواء والفارق بين الإثنين تحدده الإضافات الميكانيكية والإلكترونية الإبداعية التي تمنح سلطة كبيرة في تسريع وتوجيه هذا العفريت المتعجل المنفلت من قمقمه ، لقد انتقلت الصواريخ من كونها لعبةً نارية كان يصنعها الصينيون لإطلاقها في الأعياد الدينية والوطنية إلى سلاح مرعب على يد هتلر ، سلاحٌ نقل الجحيم بحد ذاته إلى اوروبا إبان نهايات الحرب العالمية الثانية في العامين 1944-1945 ، وبعدما استولى وسرق الأمريكان التقنيات الألمانية تحولت بُعَيد التطوير والتحكم والأبحاث إلى سلاح استراتيجي محمل بالهلاك ، ثم وسيلة النقل في الطائرات النفاثة ، ثم إلى وسيلة التنقل في الفضــاء وستكون وسيلة إنقاذ لمستقبل البشرية الباقية عندما سيفقد كوكب الأرض صلاحيته للحيــاة ذات يوم ، لقد دخلت الصواريخ عهدا جديدا من القدرة على القتل والإبادة عندما أضافت إليها يد الشر الغربية البطاقات الإلكترونية المحملة ببرمجيات الذكاء الصناعي وعددا هائلا من الحساسات التي ضبطت حركتها ومنحتها آفاقا جديدة في القتل والتدمير كما شاهدنا في غزة البطولة .
في بداية هذه المقالة سأطلب من كل منكم القيام بصنع (صاروخه الخاص ) في تجربة منزلية آمنة ومضبوطة ، كي يفهم بعد ذلك السياق الذي يتم فيه توضيح الأمور :
أحضر قنينةً بلاستيكية من تلك المخصصة للماء أو العصائر بشرط أن يكون غطاؤها مرفقا معها ولتكن من حجم لترٍ فأكثر ، أفرغها جيدا من آثار المشروب ، اثقب الغطاء بأية أداة حادة لعمل ثقب بقطر 1 سم تقريبا ، اسكب فيها ما يقارب 1 -2 مللتر من كحول الإيثانول المستخدم في التعقيم أو غيره وحركها جيدا ، إذا لم يتوافر لديك الكحول يمكنك ضخ كمية بسيطة من غاز الولاعة داخل القنينة أو اسقاط قطرات من جل التعقيم وتركها لدقائق حتى يتبخر في حيز القنينة ، مددها أرضا في مكان مناسب ثم قرب شعلة من الثقب وراقب جيدا المفاجأة التي ستحصل عليها ، التجربة ليست خطرة ولا تشكل أي ضرر ما دامت خاضعة لسيطرة شخصٍ بالغ .
في داخل حيز القنينة وقبل إضافة أي شيء كان يوجد الهواء ، وبإضافة الكحول أو غاز الولاعة يتكون لدينا مزيج سريع الإلتهاب مؤلف من الهواء وبخارالكحول ، عند إشعال هذا المزيج تتولد غازات الاحتراق والتي تتمدد عاجلا بسبب الحرارة المتولدة ، عند خروج هذه الغازات الساخنة من الفوهة الضيقة بسرعة عالية تتولد قوة دفع كبيرة بسبب التصادم الجزيئي (قوة رد الفعل حسب قانون نيوتن الثالث دون الإسهاب أكثر) وهي تدفع بهذه القنينة بعكس اتجاه خروج الغازات ، لاحظ بأن قطر الفوهة يجب ألا يكون ضيقا جدا فيتسبب بفرقعة القنينة ، ولا يجب أن يكون واسعا زيادة حتى لا تنخفض سرعة خروج الغازات ، كلما كانت سرعة خروج الغازات أكبر كلما حصلنا على قوة دفع أكبر وهذا مرهون بكمية المزيج المشتعل وسرعة اشتعاله في الداخل وكذلك قطر الفوهة ، في هذه التجربة وبمجرد أن تقرب الشعلة من فوهة القنينة ستلاحظ بأن القنينة اندفعت بقوة نتيجة هذا السلوك، لقد حصلت على تجربة صاروخية بجرعة دفعٍ لمرة واحدة فقط ، وما يحدث في الصواريخ الحقيقية مماثل بالضبط لهذا الأمر سواءا كان الصاروخ لعبة نارية أو عابرا للقارات أو فرط صوتي، ولكن الفارق في الصواريخ الحقيقية أن هنالك قوة دفع متواصلة على شكل ألوف الجرعات من تجربتك بفضل وجود كمية أكبر من الوقود الذي يحترق بصورة متواصلة ويولد قوة الدفع طوال رحلة الصاروخ المحسوبة.
هذه الأفكار البدائية كانت معروفة جيدا منذ قرون حيث اكتشف الصينيون الخاصية الصاروخية ، وتم استخدام هذه الفكرة كوسيلة احتفالية نارية وكسلاح لاحقا في بعض المعارك ولكنها لم تصل إلى مستوى النضج الملائم كسلاح استراتيجي حاسم في الذهنية العسكرية أو غيرها.
كان صاروخ اللعبة النارية مؤلفا من أنبوبٍ مجوف من نبات الخيزران الجاف ومحشوا بمسحوق البارود ، وهو عبارة عن مزيج لا يختلف في الأداء كثيرا عن المزيج الغازي الذي استخدمته في التجربة ، سوى أن البارود مسحوق صلب ، والبارود كيميائيا ليس إلا مزيج سريع الإحتراق مؤلف من مادة مانحة للأكسجين مثل نترات البوتاسيوم ووقود مثل الفحم مع مادة ضامة للتفاعل مثل الكبريت الأصفر، لقد تم ابتكار عشرات الخلائط المحسنة الشبيهة التي تتمتع بخصائص أعلى او أدنى من البارود التقليدي ، وإذا قدر لأحدكم زيارة لإحدى الدول الأوروبية أو تايلاند أو الصين أو بلدان آسيا او بعض مدن المغرب العربي فسوف يجد نوادي هواة الصواريخ من الطلاب والباحثين والمدنيين ، وفي تايلاند مثلا يعقد احتفال سنوي حول مسابقات الصواريخ العاملة بالبارود التقليدي وبعض هذه الصواريخ يزن مئات الكيلوغرامات والتي يصنعها السكان المحليون.
بقيت الأمور على هذا الحال حتى نهايات الحرب العالمية الأولى التي كانت نافذة التغيير الذي سيقود الى نتائج مهلكة ولكن حاسمة في مستقبل البشرية ، كانت ألمانيا تشعر بإذلال شديد عقب معاهدة فرساي التي منعت نشوء جيش قوي لألمانيا ونزعت عنه سلاح الطيران والدبابات والتسليح الثقيل ، لذلك كان على القيادة الألمانية التفكير بطريقة خارج الصندوق لرد الاعتبار ، وبذلك قررت القيادة الألمانية البحث عن طريقة لتحميل القذائف على محرك نفاث يتم ارساله إلى الجبهة القتالية ، حدثت تلك المعجزة بتضافر الجهد العسكري مع معهد برلين للتقنيات وشركات التصنيع الألمانية مثل فيزلير وسيمنز وفوكس فاجن ، وتم بذلك إنتاج السلاح الصاروخي الأول والذي أطلق عليه اسم (V1) وهو الحرف الأول من كلمة الانتقام بالألمانية ، كان V1 عبارة عن قنبلة طائرة ، طائرٌ معدني مجنح بجناحين ممتدين لغاية 5 متر، وطول يصل إلى 8 متر ، يحمل في باطنه خزانا للوقود وآخر للهواء المضغوط ، وفي مقدمته تم وضع قنبلة تزن 850 كغم ، عند إطلاق هذا الطائر المميت كان يتوجب إكسابه بعض التسارع على سكة مخصصة ، ثم يُرمى في الهواء ويتولى المحرك النبضي النفاث مواصلة الدفع في الهواء على ارتفاع عدة كيلومترات ، كان صوت المحرك النبضي تماما مثل صوت الدراجة النارية عالية الهدير ، كان هذا الصوت بالتحديد مثارا للرعب في لندن التي تهاوت فيها هذه الصواريخ وكان يطلق عليها إسم القنبلة الطنانة بسبب هذا الصوت الفريد.
في معية هذا السيناريو كان هنالك توالد آخر أشد رعبا يحدث في حبكات الغيب بموازة إنتاج وتصنيع صاروخ V1 ، توالد سيغير مستقبل البشرية ويبدأ من أبسط الأمور ، تحدث مثل هذه اللحظات الوامضة في التاريخ عندما يتواجد الإنسان الموهوب والعقل الفذ الذي يكون هو الذخيرة الحقيقية للبلاد وتتواجد القيادات الباحثة عن منعة وقوة البلاد ، كان ذلك عندما كان الشاب (فيرنر فون بروان) اللامع يتزعم نادي هواة الصواريخ الألماني الذي ذاع صيته في البلاد فاستدعته المؤسسة العسكرية وألحقته بمعهد برلين ليدرس هذا التخصص ، حصل الشاب على الدكتوراة في سن الثانية والعشرين ، كانت رسالة الدكتوراة هذه تتمحور حول استخدام الوقود السائل بدلا من الخلائط الصلبة مثل البارود في دفع الصاروخ ، وقد يسأل البعض ما هو المميز في ذلك ؟
إن الصواريخ العاملة بالوقود الصلب لا يمكنها ضخ قوة هائلة إذا أردنا دفع صواريخ ثقيلة فعلا ، حيث ان معدل الحرق الصلب لا يمكنه ان يصل مستويات كبيرة بسبب التدرج في الاحتراق ، لكن في حالة الوقود السائل فيمكن من خلال مضخة سريعة ضخ كميةٍ كبيرة منه بحكم سيولته في حجرة الاحتراق في ظرف زمني صغير و بوجود الأكسجين النقي مما يولد قوة دافعة هائلة ، تم منح الدكتور فون بروان صلاحيات هائلة وتم إنشاء مركز أبحاث وتصنيع في غرب ألمانيا في بلدة (بينموندا) على ساحل بحر البلطيق ، حيث يسمح الساحل الممتد بتصوير حركة الصاروخ التجريبي على طوله دون لفت الانتباه ، كانت الميزانيات هائلة جدا وتم بناء محطة كهرباء خاصة لدعم هذا المشروع واستحضار الأكسجين السائل الذي سيتم وضعه داخل بدن الصاروخ ، عقب تجارب غير معقولة وخسارات فادحة في الكلف ، وصل مزاج الإدارة العسكرية النازية حد النزق وطلبت من فون بروان تجهيز تجربة ليراها هتلر بنفسه ، ومن قاع الجهد والتعب كانت تلك هي التجربة الوحيدة الناجحة التي حضرها هتلر وكانت بمثابة الانتقال من دنيا الخيال إلى عالم الحقيقة التي افتتحها العلم ، لقد زمجر الصاروخ وانطلق في الفضاء صاعدا بنجاح مثل طائرالموت ليحقق انتقام هتلر.
تعرضت منشأة بينموندا الى قصف الحلفاء بشدة بعدما تمكن الجواسيس النمساويون من رصد النشاط في تلك المنطقة ، فاضطرت القيادة العسكرية إلى نقل المشروع إلى قلب الجبال في منجم (ميتال وركس) للاختباء عن أعين الحلفاء ، تحت تلة (كوهنشتاين) قرب مدينة (نوردهاوسن ) ، تم رصد ميزانية تكافىء 40 مليار دولار في زماننا هذا لتصنيع الجيل الثاني من الصاروخ العامل بالوقود السائل وهو الايثانول ، تم إجبار مائة ألف سجين وأسير حربي ومدني للعمل في هذه المدينة تحت الأرض في ظروف بائسة من القسر والعنف والعمل المضني لإنتاج ألفي صاروخ في مدة قصيرة ، كانت النتيجة هي موت 20 ألف سجين من سوء ظروف المكان وجبروت العسكر الألماني ، عقب كل هذه الجهود كانت الثمرة تقف على أرض المعمل ، جسدٌ معدني بطول 14 مترا يقف مثل الآلهة الإغريقية في وسط المنشأة وبقطر يقارب المترين ووزن يبلغ 13 طنا ، كانت زنة الشحنة المتفجرة شيئا خارجا عن المألوف وعن حدود المعرفة العسكرية لهذا السلاح المرعب ، قنبلة تزن طنـــا واحدا ، إنه V2 صاروخ الانتقام الثاني الذي بدأ بضرب لندن وتحويل الحياة فيها إلى جحيم حقيقي ، لقد تسبب صاروخ V2 في نشر الرعب في أوروبا في الوقت الذي كانت فيه هذه التقنيات غير معروفة .
كان V2 عملا إبداعيــا في كل جزء منه ولكنه جاء في الوقت المتأخر من الحسابات الألمانية ، ومن يرغب منكم في مشاهدة التركيب الإعجازي لهذه القطعة الفنية الهندسية يمكنه معاينتها في المتاحف الأوروبية مفككة وخاصة في لندن للإطلاع على المجهود العلمي الالماني الذي لا يصدق ، كان عملا إبداعيا مخصصا للموت ومصنوع من تعب وعذاب الألوف ، كانت ميزانية V2 تتفوق على ميزانية قنبلة مانهاتن الذرية التي قصفت هيروشيما ، وهذه التقنية سرعان ما تمت سرقتها على يد الاستخبارات السوفياتية واليابانية والأمريكية ، لقد كانت صواريخ V2 هي بوابة الصواريخ الباليسيتة الأولى التي دشنت عهدا جديدا للبشرية ، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة حريصة تماما على وضع يدها على كامل المشروع الصاروخي النازي بعلمائه وطواقمه ومخططاته ، كان فون بروان بعد ذلك يحمل الجنسية الأمريكية وهو المسؤول عن وضع القدم الأمريكية على القمر من خلال مشروع أبولو الشهير .
هنالك حقائق فيزيائية أساسية وبسيطة حول الصواريخ ولكنها مشتركة وضرورية لفهم المصطلحات الإخبارية وفهم السياقات الجارية في المنطقة وإليكم بعض منها :
تسارع الصاروخ : عندما تضعط بقدمك على دواسة البنزين في السيارة فأنت بذلك تعطي قوة من المحرك لجسم السيارة وهي بذلك تبدأ بالتحرك ، مع استمرار الدوس يستمر تزويد القوة وفي هذه الحالة تبدأ سرعة السيارة بالتزايد ونقول هنا في الفيزياء بان السيارة تتسارع ، إن معدل التسارع في سيارات السباق التقليدية يبلغ 8 متر/ثانية مربعة ، بمعنى أنه كل ثانية تمضي من الزمن تزداد السرعة بمعدل 8م/ث ، في حالة الصاروخ بما أن اشتعال الوقود مستمروسريع جدا ، فإن تزويد القوة لجسم الصاروخ مستمر ، وبذلك فإنه يكتسب تسارعا هائلا أثناء انطلاقه ، إضافة لذلك تتناقص كتلته مع احتراق الوقود مما يزيد من معدل التسارع ، تخيل لو أنك تمكنت في سيارتك من إحراق كل البنزين في الخزان خلال دقائق ، فما هو التسارع الذي ستحصل عليه ؟ هذا بالضبط ما يحدث داخل الصواريخ العملاقة لاكتساب تسارع هائل ، يبلغ معدل تسارع صاروخ اللعبة النارية التقليدي ما يقارب 0.5- 2 كم/ث2 ، في حالة الصواريخ الباليستية التقليدية قد يصل الرقم الى 2-4 كم/ث2 ، أما في حالة الصاروخ اليمني فلسطين 2 فالمتوقع أن الرقم من فئة 17-20 كم/ث2 ، بمعنى أن هذا الصاروخ ينتقل من السكون الى أقصى سرعة له في ظرف ثانية واجزاء من الثانية ، إن التسارع يمثل نقطة حيوية في نقل الصاروخ الى السرعة القصوى و قطع المسافة الكبرى في زمن قليل
سرعة الصاروخ : تمثل سرعة الصاروخ المسافة المقطوعة في الثانية الواحدة ، وقد اعتمدت وحدة (الماك ) كوحدة قياس عيارية ، وهذه الوحدة تمثل سرعة الصوت في الهواء والتي تبلغ 345 م/ث في الظروف القياسية ، إن الصواريخ التقليدية لها سرعة تصل إلى 1-5 ماك ، وأما الصواريخ التي تتجاوز السرعة 5 ماك فتوصف بأنها صواريخ فائقة السرعة أو فرط صوتية ، هذا يعني بأنك اذا اطلقت صوتاً وبنفس الوقت أطلقت صاروخا فرط صوتي نحو نفس الهدف ، فإن الصاروخ يسبق الصوت في الوصول أسرع بخمس مرات أو أكثر ، لقد كانت سرعة صاروخ فلسطين اليمني 16 ماك .
مقاومة الهواء أو المعاوقة drag force : تمثل هذه القوة عقبة كبيرة في حركة الصواريخ ويجب الانتباه إليها جيدا عند تصميم الصاروخ ومن أجلها تبنى الأنفاق الهوائية الاختبارية ، هذه القوة تمثل القوة الناجمة عن معاوقة الهواء لحركة الصاروخ ، تتفاقم هذه القوة بشدة كلما زادت السرعة ، لذلك تبذل عناية كبيرة في تصميم مقدمة الصاروخ وزعانفه وشكله وأبعاده للتغلب على هذه القوة ، لا يمكن إيصال الصاروخ للسرعة فرط الصوتية ما لم يكن هنالك عناية كبيرة في التصميم حول هذه النقطة .
قوة الدفع Thrust: وهي العنصر الأهم في رفع الصاروخ وقدرته على قطع المسافات الهائلة ، وترتبط بتصميم حجرة الاحتراق وفوهة قذف الغازات وكذلك سرعة حرق الوقود ، في صاروخ V2 الألماني كان يتم حرق 4 أطنان من الكحول في أقل من دقيقتين لتوليد التسارع المرعب والسرعة الهائلة وقوة الدفع الجبارة ، وفي صاروخ فلسطين اليمني تحترق معظم كمية الوقود التي تزن بضعة أطنان خلال دقائق ، عادة تكون قوة الدفع أكبر من وزن الصاروخ بنسبة 1: 100 ، بمعنى ان قوة الدفع تفوق وزن الصاروخ بكثير.
الخاصية الباليسيتة أو المنجنيقية : إن كلمة باليستي مأخوذة أصلا من Ballista ذات الأصول اليونانية والتي تعني آلة الرجم أو منجنيق ، وبالتالي يمكن ترجمة كلمة باليستي بالصاروخ المنجنيقي ، ودلالة المصطلح تعني أنه يرمى بزاوية مائلة بحيث يحلق قوسيا ويسقط بشكل قوسي مشكلا نصف دائرة في كامل مساره ، إن الصاروخ الباليستي يمتلك ميزتين مهمتين جدا ، الأولى هي أنه صاروخ متحرك بشكل قوسي ضمن الغلاف الجوي ولا يغادره ، يرتفع تدريجيا إلى أعلى نقطة حسب زاوية إطلاقه حيث يتكفل الوقود بدفعه إلى أقصى ارتفاع مخطط له ، وفي تلك النقطة ينتهي مفعول الوقود ويبدأ الصاروخ بالسقوط من الذروة نحو الأرض بفعل قوة الجاذبية الأرضية وتتحكم نظم التوجيه بضبط حركته ، بمعنى أن الوقود في الصاروخ الباليستي يتكفل بتحريكه لنصف المسافة ويتولى ثقله إكمال النصف الآخر، هذا يعني ان صاروخ فلسطين اليمني كمثال قطع ما يقارب ألف كيلومتر صاعدا في الجو لأقصى ارتفاع له وهنالك انتهى الوقود ثم أكملت الجاذبية مهمة 1000 كيلو متر الأخيرة .
الخاصية الثانية في الصاروخ الباليستي هي منطقة التحليق العظمى ، من المعروف أن الغلاف الجوي يمثل طبقة سميكة من الهواء تمتد مئات الكيلومترات نحو الأعلى ، ولكن الثقل والكثافة الحقيقية للغلاف الجوي تتركز بنسبة 90% في اول 20 كيلومتر ، أي ان الكثافة الفعلية للهواء تتناقص كلما ارتفعنا نحو الأعلى ، وبهذا التناقص تنخفض قوة الاحتكاك او المعاوقة في الهواء فيتحرر الصاروخ منها وتنطلق غازاته بسرعة أكبر فيقطع مسافة هائلة في زمن صغير ، تنطبق هذه الخاصية على جميع المقذوفات الباليستية مثل الصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة ، إن الصواريخ الإيرانية التي قصفت العدو حلقت عاليا في منطقة الستراتوسفير على ارتفاع متوقع لا يقل عن 30-50 كيلومترا عن سطح الأرض حيث تكون كثافة الهواء منخفضة للغاية وبذلك تمكنت من قطع الشوط الأكبر من الرحلة .
إن الأسس النظرية والعملية لصناعة الصواريخ بشتى اصنافها هي أسس بسيطة وتجهيزاتها الأساسية كذلك ، التحدي الأساسي في إنتاج الصواريخ يتمثل في التحكم في مسارها وسرعة تحركها وانتظام قوة الدفع و ضبط موقع إسقاطها ، وهذه هي التحديات الحقيقية في علم الصواريخ بكافة أصنافها وغاياتها ، أما صناعة الصواريخ فائقة السرعة فهي تحد من مستوى مختلف ، إن تصميم وصناعة الصاروخ هي علم وفن وهندسة تتطلب موسوعة علمية في الميكانيكا والإلكترونيات والكيمياء وعلم السبائك الفلزية ، والديناميكا الحرارية وديناميكا الموائع وحساب التفاضل والتكامل واللوغاريتمات للتمكن من وضعه في وصف السلاح الدقيق الإصابة .
لقد حولت المقاومة الفلسطينية هذه الأداة من سلاح بدائي ضعيف الأداء إلى سلاح يعيد إلى الثورة الفلسطينية هيبتها وقوتها أمام وحش النظام العالمي الممثل بالكيان الصهيوني ، وتمكن اليمنيون الأبطال من تطوير الصاروخ الفائق السرعة باليد والعقل اليمني المثابر حتى لو تمت الاستعانة ببعض التقنيات الروسية أو الصينية ، إن صواريخ المقاومة الفلسطينية واليمنية بأدائها والاشتغال العربي فيها تحمل قيمة أهم بكثير من أدائها المحدود نسبيا أمام الصواريخ الغربية المميتة ، إنها تحمل روح التحدي العربي الإسلامي ضد هؤلاء المسوخ والوحوش الذين يريديون إبادة العربي في كل مكان ، إنها تحمل روح الإباء والعزة والكرامة وتحمل أسماءنا وتواقيعنا كلنا بأنها تمثلنا وتمثل ما تريده شعوب العرب ، لهذا السبب ليس من المستغرب أن كل المنطقة سهرت تراقب سماء الليل حين أطلقت ايران صواريخ الثأر ضد حثالة البشرية ، وكبر أهل غزة وهم يرون النار تقتص من المجرمين ، إن هذه الصواريخ هي التي وازنت حرب التخويف ومنحت العرب ثقلا في المعركة المصيرية التي تجري اليوم بين حلف الشيطان وحلف المقاومة .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …