د.جلال جراغي*
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض قنبلة إعلامية بإعلانه المفاجئ عن بدء مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في العاصمة العُمانية مسقط.
وقبل ساعات من تصريحات ترامب، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن ستنطلق في مسقط، مشيراً إلى أنها جاءت تنفيذاً لمبادرة إيرانية.
وخلال الأيام الماضية، كان ترامب يتحدث بلغة التهديد تجاه إيران، محددًا مسارين لا ثالث لهما: إما الحرب، وإما الاستسلام لإرادته، المتمثلة في تفكيك البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين. لكن قبوله الدخول في مفاوضات – سواء مباشرة أو غير مباشرة – يُعد تراجعاً ضمنياً عن شروطه وخضوعاً للرؤية الإيرانية.
وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي المفاوضات المرتقبة في مسقط بأنها “فرصة واختبار للطرف الأمريكي”، مؤكداً أن الكرة الآن في ملعبه، مما يعني أن هذه المحادثات تمثل اختباراً لجدية الولايات المتحدة، وأن الموقف الإيراني سيتحدد بناءً على مدى التزام واشنطن واحترامها للاتفاقيات.
تسعى إيران، من خلال هذه المفاوضات، إلى الحصول على ضمانات فعلية واضحة وملزمة بشأن رفع العقوبات المفروضة عليها، وتتساءل عن مدى صلاحية الرئيس الأمريكي في هذا الملف، لا سيما أن جزءًا كبيرًا من العقوبات قد فُرض من قبل الكونغرس، ما يتطلب قرارًا تشريعيًا وليس رئاسيًا فقط.
وفيما يتعلق بإصرار إيران على المفاوضات غير المباشرة بدلًا من المباشرة، تتجلّى هنا نقطة بالغة الأهمية، حيث أشار قائد الثورة الإسلامية في إيران، سماحة السيد علي خامنئي، إلى أن “التفاوض في ظل هذه الظروف لا يُعد تفاوضًا مشرّفًا”، في إشارة منه إلى سياق تسعى فيه الولايات المتحدة لتجريد إيران من عناصر قوتها ومقومات أمنها القومي. ومع ذلك، فإن باب التفاوض غير المباشر لا يزال مفتوحًا، انطلاقًا من إيمان إيران بمبدأ الحوار، ولكن ضمن إطار من الندية والتكافؤ، يتحقق من خلال جدول أعمال محدد وواضح سلفًا، يتركّز حصريًا على الملف النووي.
وفي هذا السياق، طرحت إيران فكرة إجراء مفاوضات غير مباشرة في سلطنة عُمان، دون أي وساطة روسية التي كانت محط انتقاد المعارضة الخارجية والتيارات الاصلاحية في الداخل، مؤكدة أنها لن تدخل في أي حوار قبل الاتفاق الصريح على جدول الأعمال.
ومن النقاط الأخرى اللافتة، فشل نتنياهو في تحقيق أهداف زيارته المفاجئة وغير المُعلنة إلى واشنطن، إذ كان يتصوّر أن الرئيس الأمريكي دعاه للتشاور بشأن عمل عسكري ضد إيران، لكنه فوجئ بإعلان ترامب عزمه إجراء مفاوضات رفيعة المستوى مع طهران. ويبدو أن الفجوة بين رؤية ترامب ونتنياهو تجاه مستقبل المنطقة آخذة في الاتساع.
فبينما يرى ترامب أن الدافع الأهم للتفاوض مع إيران هو احتواء الصين وقطع شرايين الطاقة عنها في المنطقة، عمد إلى نشر قواته في قاعدة دييغو غارسيا للسيطرة على المثلث البحري الحيوي لنقل الطاقة إلى الصين وشرق آسيا، والمتمثل في مضيق هرمز، وباب المندب، ومضيق ملقا. ومن هذا المنطلق، يسعى ترامب لضمان عدم تشكّل أي تهديد إيراني لهذه الاستراتيجية.
في المقابل، كان نتنياهو يطمح في أن تذهب واشنطن نحو الخيار العسكري ضد إيران، رافضًا أي شكل من أشكال المفاوضات، لكنه فشل في فرض رؤيته، وأصبحت المفاوضات – سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة – أمرًا واقعًا.
وفيما أعلنت واشنطن أن المفاوضات ستكون مباشرة، أكّد عباس عراقجي أنها ستكون غير مباشرة. لكن في نهاية المطاف، لم يعد شكل المفاوضات هو القضية الجوهرية، بل الأهم أن إيران استطاعت أن تفرض جدول أعمالها، وتجعل الملف النووي هو محور الحوار دون سواه من الملفات، كبرنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة أو قضايا الإقليم. وأعلنت صراحة أنها لا تنوي التفاوض نيابةً عن حلفاءها وأصدقاءها في المنطقة، بل دعا واشنطن إلى التفاوض المباشر معهم وهذا التحوّل يعني، بكل وضوح، أن طهران نجحت في إعادة رسم قواعد اللعبة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. ومن هنا جاءت الحملة النفسية والإعلامية الأمريكية، تعبيرًا عن الإحباط والفشل في فرض الشروط، والاضطرار إلى التفاوض وفق أجندة طهران
*مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية-العربية