السبت , يوليو 27 2024
الرئيسية / اراء / القلم والمايك

القلم والمايك

حسن عبدالوارث
كلما أجرى أحدهم معي مقابلة حوارية مباشرة ، أقع في حيص بيص ( والعبارة من مُقتنيات متحف الضاد ) . وحتى هذه اللحظة ، أجدني أخبط خبط عشواء كالأبله قُبالة الصحافي أو المذيع أو المُحاوِر ، فاذا بي أتلعثم بين العبارات وأتبكّم بين الاجابات ، ولا تنتهي المقابلة الاَّ وأنا غارق في مياهي ومُقيَّد في حبالي !

عرضتُ مشكلتي هذي على غير صديق وزميل ، فقال قائل أن ما أُعانيه طبيعي وسائد ، فيما قال سواه أن المسألة تستدعي العلاج عند طبيب مختص بالأمراض النفسانية . ولا أدري لماذا نخجل – نحن العرب والشرقيين – من عرض مشاكلنا على أطباء في هذا الاختصاص ، بالرغم من من طبيعة الحالة وضرورة الحاجة .

كما أن الأمر ذاته يحدث لي كلما هممت بالقاء محاضرة أو قصيدة أو المشاركة في الحديث في اطار ندوة أو حلقة نقاشية . وحكى لي أديب كبير ذات مرة عن معاناته من الأعراض ذاتها . وأخيراً ، قررت عرض هذه المشكلة ، ليس على طبيبٍ نطاسي ، بل على بروفيسر قاموسي ، هو ” جوجل ” كرّم الله شاشته وأدام بشاشته وطيّب حشاشته .

وقد وجدتُ ثمة تحليلات فكرية تتكىء على أسانيد علمية ، تناقش هذي المسألة بتفصيلات مذهلة ، وتخلص الى أسباب هذه الحالة ووسائل معالجتها ، في محاولة جادة للاجابة عن السؤال الأهم في الموضوع : كيف ينجح الكُتَّاب بالقلم ، فيما يخسرون بالكلام أمام الجمهور ؟

وفي هذا الشأن أختلف عديد من النقاد والمثقفين والناشرين والجمهور الذين أستعرضوا هذه الحالة . فقال الطرف الأول أن عدم امتلاك الكاتب أو الأديب ناصية الكلام المباشر – برغم قدراته الثقافية – يخصم كثيراً من رصيده لدى الجمهور . وهم دعوا أولئك الذين يعانون من هذه الأعراض الى خوض دورات خاصة لدى مختصين للحصول على ما يساعدهم على تجاوزها ، باعتبار تواصله مع الجمهور يكشف مدى قدرته على امتلاك أدواته اللازمة لايصال رسالته .

أما الطرف الآخر فقد تعاطف مع أمثالي ، معتبرين هذه الحالة ليست معياراً للحكم على الكُتّاب والأدباء وسائر المثقفين وقياس مستواهم ، كما أنه ليس شرطاً أن يجيد المبدع الكلام أمام الجمهور ، فالمطلوب منه هو تفجير طاقته الابداعية على الورق . واستشهدوا بشعراء كبار مثل شوقي والبياتي لم يجروءا يوماً على القاء قصائدهم أمام الناس !

وأتفق الجميع على أن للجمهور رهبة ، مثلما للكاميرا والشاشة رهبة مضاعفة ، وأن هذه الرهبة من شأنها أن تقطع سلسال أفكار الكاتب والأديب ، وارباكه وجدانياً فتؤدي به في غالب الأحيان الى التلعثم ونسيان الكلام . في الوقت الذي يكون هؤلاء أكثر براعة في التعامل مع الورقة والقلم ، بل ويبدعون أعمالاً قد تكون علامات فارقة في الحياة الثقافية .

تأسيساً على ذلك ، أجدني قد عقدت العزم على الابتعاد عن هذا الفضاء المباشر مع الناس والشاشة والمايكروفون والكاميرا ، مكتفياً بالقلم والورقة في حوار الذات والأفكار ، وكفى الله أمثالي شرَّ الميديا . قلم يُنجيك .. ولا مايكروفون يُرديك !

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

يوم عرف العالم حقيقة الكيان!

  د. أماني سعد ياسين* ما شعرت بالأمل يوماً كهذا اليوم! نعم، ما شعرتُ بالأمل …