محمد النوباني*
قبل عدة ايام ذكرت مصاد في العاصمة الروسية موسكو أن وزارة الدفاع الروسية قامت بسحب بطاريات صواريخ ال إس-300 للدفاع الجوي التي تم تزويد سوريا بها في اعقاب قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بإسقاط طائرة الاستطلاع الروسية من طراز ايل-20 ومقتل جميع أفراد طاقتها والعاملين على متنها وعددهم 15 ضابطاً وجندياً قبل أربع ينوات.
وفي سياق متصل أفادت تقارير واردة من موسكو أمس أن القوات الروسية المتواجده في مطار حلب الدولي كانت على علم مسبق بموعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على المطا، يوم الأربعاء الماضي، ولذلك فقد أتخذت الاحتياطات المناسبة لكي لا يصاب افرادها بأذى أثناء تلك الغارات.
وإذا ما صح هذان الخبران، وهما على الأغلب صحيحين، فإن هذا يعني بأن الضوء الأخضر الذي اعطته روسيا لإسرائيل لمواصلة إعتداءاتها الجوية على روسيا بذريعة ضرب التموضع الايراني لا يزال قائماً ولم يتحول إلى الأحمر، بعد، رغم وقوف تل ابيب إلى جانب واشنطن و كييف في الحرب الروسية- الأوكرانية.
بكلمات أكثر وضوحاً فإن هذا يعني بأن موسكو لا تزال ملتزمة بجميع الإتفاقات الامنية والعسكرية التي ابرمتها مع تل أبيب وفي مقدمها إتفاق منع التصادم الجوي الذي يلزم إسرائيل بإبلاغ روسيا عن أي غارة تنوي شنها على سوريا قبل وقت كاف من وقوعها لكي لا يؤدي ذلك إلى تصادم في الاجواء او وقوع خسائر مادية وبشرية بالقوات الروسية العاملة في سوريا.
وهنا ورغم إمتعاضنا من هذا الموقف الروسي الذي لا ينسجم مع مصالح روسيا القومية في المقام الأول ومع مصالح الحليف السوري في المقام الثاني فإن من الضرورة بمكان الإشارة إلى حقيقة مهمة وهي أن ما يشجع إسرائيل على المضي قدماً في اعتداءاتها الجوية على سوريا والتي طالت مؤخرا وبشكل مهين مواقع حساسة وسيادية مثل مطاري حلب ودمشق وقبلهما ميناءي اللاذقية وطرطوس، ليس موقف روسيا المتساهل والمسهل لتلك بل هو عدم رد سوريا ومعها محور المقاومة على تلك الإعتداءات، بما يكفل عدم تكرارها، بذريعة تجنب الإنجرار إلى حرب يحدد زمانها ومكانها العدو.
فهذا الموقف الخاطئ الذي يذكرني بإسقاط قمة بيروت العربية عام 2000 للخيار العسكري في مواجهة إسرائيل، عندما تبنت المبادرة السعودية المسماة بمبادرة السلام العربية، أفقد سوريا ومحورها مقدرتهما على الردع من ناحية ومكن إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها الجوية على سوريا وهي مطمئنة بأن الرد الموعود على إعتداءاتها لن يإتي على المدى المنظور وحتى المتوسط ، من ناحية ثانية.
ولتصحيح هذا الوضع الخاطئ والشاذ فإن المطلوب ليس الإكتفاء بإطلاق تصريحات كالتي أدلى بها يوم أمس وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في معرض تعقيبه على الغارتين الأخيرتين على مطاري حلب و دمشق قبل عدة أيام والتي قال فيها بأن إسرائيل تلعب بالنار، وتعرض أوضاع المنطقة للتفجير، وبأن سوريا لن تسكت عن تلك الاعتداءات وسيدفع الإسرائيليون ثمن تلك الإعتداءات آجلاً ام عاجلاً. فتلك التصريحات جيدة ولكن التجربة تعلم بأن إسرائيل لا تقيم وزناً لتلك التصريحات إلا إذا كانت مترافقة مع رد عملي ينزع من إسرائيل المقدرة على شن المعارك بين الحروب مرة وإلى الأبد.
فنزع هذه الورقة والرد على اي اعتداء تشنه إسرائيل بالمثل كما تفعل غزة المحاصرة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما وقف اعتداءاتها على الأراضي السورية فوراً أو الذهاب إلى حرب كبرى مع محور المقاومة برمته،،هزيمتها فيها حتمية.
*كاتب فلسطيني
شاهد أيضاً
ترمب ومعضلات الشرق الأوسط!
د. سنية الحسيني* من الواضح أن الشرق الأوسط الذي خرج منه دونالد ترامب في مطلع …